بحث

السبل إلى الله في الإسلام

السبل إلى الله في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     الله جلّ جلاله بيده كل شيء، وإليه يرجع الأمر كله، ولكن لولا أنه رسم إليه طرائق كثيرة ما سعِدنا به، ولا فُزنا بالقرب منه، الله عز وجل يقول:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ هناك وسائل تُسوقنا إليه، هناك طرائق وأسباب وسُبل تفضي إليه، وهذه السبُل والوسائل كثيرة جداً.    

     ابدأ من البيت: وأنت في البيت هناك وسيلة إلى الله أن تكون زوجاً كاملاً، أو أباً كاملاً، أو ابناً كاملاً، أو زوجة كاملة، ضمن البيت هذه الطرق إلى الله، لك أن تعبده وأنت في بيتك.   

     الآن خرجت من البيت: في الطريق بإمكانك أن تعبده بطاعتك لله عز وجل، بغض البصر في الطريق، بضبط اللسان، بإلقاء السلام، بالإصلاح بين الناس.   

     وصلت إلى عملك: لمجرد أن تتقن عملك وأن تنصح المسلمين.   

     هناك طريق إلى الله، العبرة أن تؤمن بالله، بعد أن تؤمن كل حركاتك وسكناتك هي عبادات وقربات وأعمال صالحة الآن من يستفيد من علمه، وسيلة، أنفقت المال وسيلة، جلست مع الصالحين وسيلة، ربّيت أبنائك وسيلة، ما من عمل تبتغي به وجه الله عز وجل هو عند الله وسيلة.  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾   كيف تتقوه؟ كيف تصلوا إليه؟ عن طريق الوسائل.  الله جل جلاله جعل له وسائل لا تعدّ ولا تحصى، حتى قال بعضهم:  (الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق)   وأنت في حرفتك إتقان عملك وسيلة، نصحك للناس وسيلة، إن كنت صادقاً فالصدق وسيلة، إن كنت أميناً فالأمانة وسيلة.  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾. 

     أعظم عمل هو الذي يبقى بعد الموت، هناك أعمال لا تعد ولا تحصى. قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ)).  مرة دُعيت إلى تعزية، سألت: هذا المتوفى من هو؟ أعطوني اسمه، ما هو وضعه؟ قيل إنه كان تاجراً، ما مقدار الثروة التي تركها؟ قيل: أربعة آلاف مليون! لم يأخذها إرثاً أخذها جهداً، عمره خمس وخمسون عاماً، كان في بلد للسياحة، وهو في الفندق جاءته سكتة قلبية فمات، هنا لدينا سؤال كبير: هل من المعقول أن إنساناً يعمل خمس وخمسون عاماً حتى جمع ثروة طائلة، ثم تنتهي الثروة بثانية؟! ترك ومات، سؤال كبير: ما هذه الحياة؟ ما طبيعتها؟ الإنسان يشعر أن هناك مشكلة، كم شركة ربط؟ وكم بضاعة استورد؟ وما هو مستوى إدارته؟ ومستوى جمع ماله؟ وما مستوى تحصيل ديونه؟ وزياراته وسفرياته؟ طبعاً بالنسبة للتجارة من أعلى مستوى! معقول هذه الثمرة العالية جداً تذهب في ثانية واحدة؟ سبحان الله في طريق العودة أنا أفكر طريق طويل فتوصلت إلى: أن هذا الإنسان بالجهد والحرص نفسه، بإتقان مصلحته وقدراته التجارية نفسها، لو كان يعرف الله عز وجل لوظّف هذا المال بالحق، فصدقة هناك أناس كثيرين، لو أنه عرف الله وعرف سرّ وجوده وغاية وجوده، لوظّف هذا المال في الحق، المبلغ ضخم جداً، أنا أقول: سبحان الله الأغنياء أمامهم فرص للجنة لا تعد ولا تحصى! كم دمعة يمسحون عن وجوه البائسين؟ كم مدرسة يفتحوا؟ كم ميتم يفتحوا؟ ممكن الغني أن يقوم بأعمال كالجبال، وكلها عند الله عبادات، وكلها تلقي به إلى أعلى درجات، وكلها طرق إلى الجنة، لكن عندما يغفل الإنسان عن الله:  ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾  كله مبدد، أما إذا كنت مع الله توظف حرفتك وبيتك وأولادك وزوجتك حتى نشاطك والحزن والفرح أيضاً كلهم يوظفون بالحق! فالوسيلة لها مفهوم واسع جداً. 

     لذلك المؤمن يتميز عن غير المؤمن يسعى إلى هدف، يأكل، ويشرب، ويتزوج، ويسكن ببيت، ويعمل، ويكسب المال، هذه كلها عنده وسائل، أما الهدف أن يصل إلى الله عز وجل، ترى إنسان بلا هدف يعيش ليأكل هذا النموذج الذي يؤكد تفاهة الحياة.  الله خلقنا لكن رسم لنا طرق إليه قال: صلي اذكر أمر بالمعروف، ربّي أولادك أتقن عملك اخدم الناس، كلها طرق سالكة إليه، فإذا أردتني فأتني من هذه الطرق، وأنا أقول لكم كلمة: والله مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تخطب ودّه ثم لا تجد استجابة الله لك، من أتاه مشياً أتاه الله هرولة! من تقرّب شبراً إلى الله تقرّب الله إليه ذراعاً، جرّب واقترب وقم بحركة نحو الله، لكن دون نفاق ومظاهر، فقط بينك وبينه، صلي في الليل، اخدم الناس لا تقل له أنت من أين، اخدمه لوجه الله، كل إنسان أمامك هو عبد لله، اخدم أي إنسان، اخدم حيوان اُخدم مخلوق ترقى عند الله، العبرة أنه ما خطب أحد ودّ الله عز وجل إلا والله قبله وأكرمه وعامله معاملة متميزة.  



المصدر: رمضان 1421 - دراسات قرآنية - الدرس : 07 - من سورة المائدة - السبُل والوسائل لله تعالى .