قال بعضهم: " الغيبة مائدة الكلاب وأدام الفساق وأعمال أهل الفجور ". وقال بعضهم: " في الغيبة متعة اجتماعية "، المعاصي محببة، أن تخوض في فضائح الناس متعة اجتماعية، لكن الكتاب والسنة وإجماع الأمة حرموها تحريماً قطعياً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)) البهتان أن تخترع تهمة لا أصل لها، أما الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره والذي ذكرته فيه. أما إذا نقلت قولاً من دون تحقيق قيل في أخيك هذا النقل اسمه إفك، فالغيبة شيء والبهتان شيء والإفك شيء ثالث.
الغيبة محرمة سواء أكانت في بدن أخيك؛ شكله، طوله، لونه، أو في دينه، أو في دنياه، بيته، دخله، وظيفته، أو في نفسه، أو خلقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجته، ووالده، أو ثوبه، أو مشيته، أو حركته، أو عبوسه، أو طلاقته، كل شيء يكره الإنسان أن يتداول دخل ضمن الغيبة، لم تقل شيئاً السيدة عائشة ذكرت أختها صفية فأشارت هكذا، قال: يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته.
الغيبة هي غيبة سواء ذكرتها بلسانك، أو كتبتها بقلمك، أو رمزت إليها بإشارة، بخيل لم تقل بخيل إشارة، أو أشرت بعينيك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك تلميحاً أو تصريحاً كل هذا من الغيبة. المحاكاة التقليد، تقليد مشية إنسان، تقليد أسلوبه بالكلام، تقليد حركاته، وسكناته، هذا أشد من الغيبة، ليضحك الناس، لكن إذا كان في عيوب، كيف تصحح؟ كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا "، ما بال أقوام الذي فعل هذا الخطأ واحد يقول: ما بال أقوام؟
الغيبة من أوسع المعاصي التي يقترفها الناس وهم لا يشعرون في مجالسهم، وسفرهم، ولقاءاتهم، وولائمهم، وأعراسهم، وفي أحزانهم، وفي أفراحهم، فما دام اللسان ينهش أعراض الناس فهو واقع في الغيبة. والغيبة كما تعلمون من الكبائر. ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾.
حكم الغيبة حرام بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، ((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)) يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)) وعرضه، وعرض الرجل موضع المدح والذم فيه. وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا)) التحسس تتبع الأخبار الطيبة، والتجسس تتبع الأخبار السيئة، المعصية الوحيدة التي توعد الله عليها مرتكبها بالحرب هي الربا، قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ)) إذاً الغيبة أشد من الربا. وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَب َ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((الغيبة والنميمة يحطان الإيمان كما يقطع الراعي الشجرة)) أي إيمانك يذهب بالغيبة والنميمة.
الآن مؤمن اغتابه الناس، وأنت تعلم علم اليقين أنه طاهر وعفيف والذي يقال فيه غير صحيح: ((من حمى مؤمنا من منافق أراه قد بعث الله عز وجل إليه ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم)). بأي جلسة الناس يتسلون بالحديث عن المؤمنين، يتهمونهم اتهامات باطلة، فأنت بجلسة اتهم فيها مؤمن، وتعلم علم اليقين أنه طاهر بريء: ((من رمى مسلماً بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال)) . الآن حالة نادرة إنسان قوي أو غني يكره مؤمناً، فأنت حينما ذممت هذا المؤمن أحبك هذا القوي، وأحبك هذا الغني، فأطعمك طعاماً، وأعطاك عطاءً: ((مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ كُسِيَ ثَوْبًا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ قَامَ بِرَجُلٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُومُ بِهِ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
أحد الصحابة الكرام سأل النبي عليه الصلاة والسلام: ((يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ)).