قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلا أَنْتَ، قَالَ: وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ
النبي الكريم في هذا الحديث يبين مجموعة من الحقائق الدقيقة في العقيدة: الجنة سببها العمل الصالح ولكنها بفضل الله عز وجل وليس من الصعب أن توفق بين أن تكون الجنة بالعمل، وبين أن تكون الجنة بفضل الله عز وجل، هي بفضل الله لكن فضل الله عز وجل لا يناله إلا من دفع الثمن ألا وهو العمل، فإذا دفع الثمن وظننت أن هذا الثمن هو كل شيء عندئذٍ لن تصل إلى الجنة، لن تبلغ الجنة إلا إذا تيقنت أنها بفضل الله، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلا أَنْتَ، قَالَ: وَلا أَنَا مثل: لو أن عم قال لابن أخيه اليتيم: ادرس، فإذا درست ونجحت فأنا أنفق عليك حتى آخر سنوات الجامعة، فدرس هذا الابن ونال الدرجة الأولى في العام الأول، تابع العم إنفاقه على ابن أخيه، في العام الثاني نال الدرجة الأولى تابع العم إنفاقه على ابن أخيه إلى أن صار ابن أخيه في أعلى درجة علمية ونال بها أعلى درجة اجتماعية، مرة من المرات في جلسة ودية بين العم وبين ابن الأخ قال ابن الأخ: والله يا عمي لولا فضلك وإنفاقك عليّ لما كنت بهذه المرتبة الاجتماعية، كلام صحيح، فأجابه العم: يا ابن أخي لولا اجتهادك لما أنفقت عليك، فكلام العم وابن الأخ صحيح، فلو لم يكن مجتهد لما استحق هذا الإنفاق المستمر، ولولا أن هذا العم أنفق على هذا الابن لما نال هذه الدرجة، فهذه الدرجة نالها ابن الأخ بجهده وفضل العمل.
قَارِبُوا أي اعتدلوا فالمقاربة القصد الذي لا غلو فيه، فأحياناً يمكن أن تبالغ، خير الأمور الوسط، الاعتدال والتوسط بين التطرف هو المنهج الصحيح، ففي إنفاق المال لا إسراف ولا تقطير لذلك قال بعضهم: الحق وسط بين طرفين، والقول الشائع خير الأمور الوسط قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً فالإنفاق في كل شيء... النبي الكريم رأى رجلاً يصلي طوال النهار فقال عليه الصلاة والسلام: من ينفق عليك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك .
وَسَدِّدُوا فالسداد أي الاستقامة كيف أنه بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد! كيف أنه تقوم بتصحيح مسارك وأنت تقود السيارة بتحريك المقود والمراقبة الدائمة لتبقى ضمن مسارك الصحيح، فهذا هو التسديد أي التصحيح، فالمؤمن يصحح دائماً يا ترى هذه الكلمة مناسبة؟ لا فيها غيبة، أو سخرية، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يا ترى في البيع والشراء هل يرتكب مخالفة؟ هل أخف العيب؟ هل دلّس وأوهم الشاري أن هذه البضاعة ذات منشأ من الدرجة الأولى؟ هل أوهم الشاري أن هذه البضاعة اشتراها بالسعر المرتفع الثمن؟ يا ترى هذه الكلمة فيها سخرية أو استهزاء أو كبر، سيدنا جعفر رضي الله عنه سأله النجاشي عن الإسلام لم يقل له الإسلام صوم وصلاة وحج وزكاة، قال: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله فينا رسولاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آبائنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث فالمؤمن لا يكذب، يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة ، إذا كذب فليس مؤمناً، إذا خان مطلق الخيانة، كأن يخون أسرته وأهله وزوجته ووطنه وأمته ليس مؤمناً، أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، المدرس طلابه أمانة، الطبيب المريض أمانة بين يديه، المحامي هذا الموكل قضيته أمانة بين يديك، أنت كمهندس هذا المشروع الذي تشرف عليه أمانة، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء.
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلا أَنْتَ، قَالَ: وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ لا ينبغي أن تتكل على العمل ولا أن تفقد الأمل، لا ينبغي أن تعتقد أن الجنة بالعمل فقط إنه جهل بل هي بفضل الله، ولا ينبغي أن تعتقد أن الجنة يحصل عليها الإنسان بلا عمل، العمل جعله الله سبباً لفضل الله عز وجل هذا مؤدى الحديث.
أن النبي الكريم كان عند أحد أصحابهم الذين توفاهم الله عز وجل وهو السائب، فرفع عن وجهه الرداء وقبله وسمع امرأة تقول خلف الستار: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، لكن النبي لم يصمت لأن كلامها غير صحيح بل قال: ومن أدراكِ أن الله أكرمه؟ أتعلمين الغيب؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه قال رسول الله: وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي ولا بكم فالإنسان تحت ألطاف الله عز وجل، فمجرد أن تتجمد نقطة دم بدماغه يموت، أو يشل أو يجن حسب مكان الإصابة، أو يفقد السمع، أو البصر. فأنت بيد الله، فالمؤمن يعرف حجمه بالتحديد، رحم الله عبداً عرف قدره فوقف عنده.