قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ
لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ
لو أن عندك في البيت كمية محدودة من اللبن، وجاءك ضيوف كثر، قد تضيف لهذه الكمية خمسة أمثالها ماءً، وتجعله شراباً سائغاً، وتقدمه كضيافة، أما لو أمسكت قطارة، ووضعت فيه قطرة بترول واحدة هل يمكن أن تشربه؟ خمس ة أضعاف مددته بالماء، وقبلها، وأصبح شراباً سائغاً، أما قطرة واحدة من البترول أفسده كله، وألقيته في المكان المهمل، الكبر يتناقض مع العبودية، التواضع ليس تصنعاً، بل هو حقيقة، العبد عبد والرب رب، من أنت أمام خالق السماوات والأرض؟ من الذي يجرؤ أن يقول : أنا ؟ صحابة النبي عليه الصلاة والسلام وهم قمم البشر حينما قالوا : نحن لن نغلب من قلة في حنين، فتخلى الله عنهم، قال تعالى : وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. لاحظ نفسك، تقول : أنا ، من أنت؟ أنا عندي خبرات متراكمة، الذي يقول هذا أحياناً يرتكب حماقة لا يرتكبها طفل صغير، كلما قال : أنا، وعندي، ولي، ونحن هذه كلمات مهلكات، نحن، قال هذا الكلام قوم بلقيس، قال تعالى : نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ فأهلكهم الله، قال الله تعالى : أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ إبليس لما أمره الله أن يسجد لآدم فأهلكه الله، قال الله تعالى : أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ فأهلكه الله، قال الله تعالى : إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي قارون أيضاً أهلكه الله. العبرة ألا تنسى الله، ألا تعتد بقوتك، ألا تعتد بمالك، ألا تعتد بجاهك، ألا تعتد بنسبك، ألا تعتد بعلمك، يمكن أن تكون عالماً، لكن من الذي علمك؟ من الذي يسر لك العلم ؟ يمكن أن تكون غنياً، من الذي رزقك؟ إذاً حينما تفتخر بنسبك، أو بحسبك، أو بقوتك، أو بسلطانك، أو بمالك، أو بجاهك، أو بعلمك، أو بخبراتك، فأنت وقعت في الشرك الخفي، وكل إنسان وقع في الشرك الخفي له عند الله تأديب من نوع معين. أوضح مثل أيها الإخوة الكرام، إن أردت السفر يمكن أن تأخذ الاحتياط الكافي، تراجع مركبتك، لكن دقق الآن، إذا راجعت مركبك، وشعرت أنك مطمئن لا بحفظ الله، بل بقوة هذه المركبة، وبتجديدها، وبمراجعة كل أجزائها، هذا نوع من الشرك، المشكلة هو أنك يمكن أن تراجع المركبة فتقع في الشرك الخفي، ويمكن ألا تراجعها فتقع في المعصية، وقد تكون القاتلة، والتطرف دائماً سهل، سهل جداً أن تتواكل بسذاجة ما بعدها سذاجة، سهل جداً أن تأخذ بالأسباب بشكل دقيق جداً، وهذه الدقة البالغة تنسيك ربك، فأنت حينما تتوكل على الله، حينما تعزو الفضل إلى الله، حينما لا تنسى فضل الله عليك، قال تعالى : وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً فكر أن كل كلمة ينبغي أن تقولها وفق التوحيد .
الكبر يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، الكبر يتناقض مع العبودية لله عز وجل، وكلما ازددت قرباً من الله ازددت تواضعاً، كلما ازددت علماً ازددت تواضعاً، ف الكبر يأتي من الجهل، والتواضع يأتي من العلم، الكبر يأتي من الانقطاع على الله، والتواضع يأتي من الاتصال بالله، الكبر يأتي من التقوقع والتواضع يأتي من الانفتاح.
قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً
هذه حاجة عند الإنسان يكون أنيقاً، نظيفاً، بيته لطيف، دكانه نظيف، مرتب، هذه حاجة عند الإنسان الراقي، والإسلام حضارة لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن دفن أحد أصحابه الذي حفر القبر، أبقى فيه فرجة، فقال عليه الصلاة والسلام : إن هذه لا تؤذي الميت، ولكنها تؤذي الحي، إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه . إذاً إتقان العمل من الدين. هذا الصحابي أشكل عليه شيء، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، هل هذا من الكبر؟
قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ
المعنى إذا كان بيتك نظيفاً ومرتباً، فهذا سبب محبة الله لك، إذا كنت نظيفاً ومرتباً، وذا هندام حسن، أصلحت شعرك، أصلحت ثوبك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسنوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا شامة بين الناس كلام دقيق وعميق، وأساسي، الجمال حاجة عند الإنسان، فالذي في بيته فوضى، وفي مناظر مؤذية جداً، الحاجات مبعثرة، وما ثمة نظام للحاجات، فهذا البيت يدعو إلى الضيق، تأنق في بيتك، وتأنق في عملك، وتأنق في مركبتك، وتأنق في هندامك، وتأنق في مظهرك، هذه من صفات المؤمن.
الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ
أن ترد حكماً شرعياً، أن ترد آية قرآنية أن ترد حديثاً نبوياً، أن ترد حكماً فقهياً، مثلا العلاقة ربوية، تقول : هذا شيء قديم، نحن في عصر لابد من استثمار المال عن طريق البنوك، فهي آمن مكان،
الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ
هناك حالات مرضية، وبدرجة عالية من الخطورة أن الإنسان لا يحتمل أن يرى من هو أفضل منه، فإذا رأى من هو أفضل منه بخسه، واتهمه، وشكك في نواياه، حتى يبقى هو في الأوج، هذا النمط التوحدي أنه لا يوجد غيرك نمط خطير في المجتمع، فدائماً همه يمدح نفسه، ويبخس الآخرين، يقلل من قيمتهم، يقلل من مكانتهم، يشكك بنواياهم، يفرغ عملهم من مضمونه الأخلاقي، يتهم كل إنسان بأنه منافق، مرائي، لا تصدقه، ليس كذلك، هذا كبر في الإنسان .
لذلك هناك معصيتان معصية غلبة ومعصية كبر . معصية الكبر هي معصية إبليس، ومعصية الغلبة هي معصية سيدنا آدم، الله عز وجل غفر له سريعاً، لأنه لم يجد له عزماً على المعصية، ويوجد تواضع، وأناب إلى ربه سريعا .
