قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
الحقيقة أن الإيمان قد يوجد، ولكن قد يكون غير كاف لنجاة صاحبه، فأي إنسان أقر بوجود الله فهو مؤمن، ولكن يا ترى هذا الإقرار وحده يكفي؟ لا يكفي،
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ قد يكون مؤمنا، ولكن لا يؤمن الإيمان الذي يجعله يرقى في درجات القرب، لا يؤمن الإيمان الذي ينجيه من عذاب الله، فالإيمان واسع جدا، دائرة واسعة جدا، فإذا أقررت أن الله سبحانه وتعالى موجود فقد دخلت فيها، ولكن لا بد من التحرك إلى مركزها، في مركزها الأنبياء، وحول الأنبياء والصديقون، كبار المؤمنين، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ بمعنى أنه لا يبلغ الدرجة الكاملة من الإيمان، أو الدرجة المنجية من لإيمان.
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ المقصود من جملة خصال الإيمان الواجبة أن يحب المرء لأخيه المؤمن، والحقيقة هذا قيد، وهناك من يفسر هذا الحديث تفسيرا أوسع، حتى يحب لأخيه في الإنسانية، ما يحب لنفسه، المؤمن يتميز دائما أن انتماءه لكل البشر، لكن بين أن تنتمي إلى الإنسانية، وتبغض ما تفعله الإنسانية، وبين أن تنتمي إلى جهة معينة، وتبغض غيرها، لا لشيء إلا لأنه غيرك، فالمؤمن نظرته واسعة شاملة.
الآن هذا الحديث يعد قاعد في الإيمان، أي أنت لن تكون مؤمنا على النحو الذي يرضي الله، لن تكون مؤمنا في الدرجة التي تنجو بها من عذاب الله، لن تكون مؤمنا في المستوى الذي يقبله الله عزوجل إلا إذا أحببت لغيرك، لأخيك، إنْ في الإنسانية، وإنْ في الإسلام، وإنْ في الإيمان، وإنْ فيمن حولك، على كلٍ كلما وسعت الدائرة فأنت أرقى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله رحمة مهداة، ونعمة مزجاة. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا. .. هذا الطعام الذي تبيعه هل تأكله أنت؟ نفسك هل تستسيغ أن تأكله، هذا الشيء الذي تركبه عند الناس هل تفعله في بيتك؟ هل تمدد هذه التمديدات في بيتك؟ شيء دقيق جدا، هذا المقياس يدخل معنا في المصالح والحرف والمهن في الصناعات، هذا الشيء الذي تصنعه تقبله لنفسك، تشتريه أنت في هذا المستوى، لذلك هذا الذي يتوهم أن الدين صلاة وصيام وحج وزكاة، وانتهى الأمر فقد وقع في وهم كبير، الدين أعظم من ذلك، الدين يقوم على هذه العبادات، لأنه يقوم على أسس أخلاقية.
لذلك المؤمن يراقب الله عزوجل، القصاب المؤمن لو أتاه طفل صغير ليشتري لحما يعطيه اللحم الذي يأكله هو، هذا الطفل ليس بإمكانه أن يراقبه، ولا أن يُقيّم عمله، ولا أن يوجهه، لكن لا يعطيه إلا الشيء الذي يرضى الله عنه، حتى إنهم قالوا: إن عظمة الدين أن كل علاقة بين اثنين الله بينهما، فالمشتري يتقي الله فيمن يشتري منه، والمشتري المؤمن يتمنى أن يربح عليه أخوه، كيف يعيش إذًا؟ الصانع يتقي الله فيما يصنع، المزارع يتقي الله فيما يزرع، هناك أدوية، تعالج بعض المزروعات ببعض الأدوية لها آثار في الصحة، فأية علاقة بين اثنين الله بينهما، حتى لو تعاملت مع طفل صغير، حتى لو تعامل الصغير مع الكبير، والضعيف مع القوي، والقوي مع الضعيف، الخبير مع الساذج، قال عليه الصلاة والسلام: غبن المسترسل ربا، المسترسل الغشيم – باللغة الدارجة – سُأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ فقال: أَنْ تُحِبَّ لِلَّهَ، وَتُبْغِضَ لِلَّهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا، أَوْ تَصْمُتَ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دخول الجنة، ونهاية الآمال منوط بأن تحب للناس ما تحب لنفسك، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحدهم: تحب الْجَنَّةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى هذا الحديث يستنبط منه قطعاً أن المؤمن يسره ما يسر أخاه المؤمن، ويريد للمؤمن ما يريده لنفسه، ويؤلمه ما يؤلم أخاه.
الآن دخلنا في موضوع أساسي ومتعلق بهذا الحديث، الإنسان إذا تمنى أن يكون متفردا عن الناس، أن يصل على مرتبة لا يرقى إليها أحد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ حُبِّبَ إِلَيَّ الْجَمَالُ، وَأُعْطِيتُ مِنْهُ مَا تَرَى حَتَّى مَا أُحِبُّ أَنْ يَفُوقَنِي أَحَدٌ بِشِرَاكِ نَعْلِي، أَفَمِنْ الْكِبْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ، وَغَمَطَ النَّاسَ ولكن إذا رأيت أحدا فاقك في الدنيا فلا ينبغي أن تتمنى أن تكون مثله، لقوله تعالى وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فُسِّر هذا بالحسد، حتى إن الإمام الغزالي رحمه الله يقول: ليس في الإمكان أبدع مما كان، أي ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني، هذا الذي أنت فيه هو أكمل ما يكون بالنسبة إليك.