بحث

لكي تكون ربانياً

لكي تكون ربانياً

بسم الله الرحمن الرحيم

     معنى الرب أي المربي، من التربية، بل إن أقرب أسماء الله تعالى إلى الإنسان: اسم رب العالمين، هو الذي يربيك، هو الذي منحك نعمة الوجود، هو الذي يمدك بما تحتاج من هواء، وماء، وطعام، وشراب، وأهل، وأولاد، وعقل، وفكر، وتوازن، وأعضاء، منحك نعمة الوجود، ومنحك نعمة الإمداد، ثم دلك عليه، منحك نعمة الهدى والرشاد. إذاً: الرب بمعنى المربي، من التربية والإصلاح، ومن معاني الرب أيضاً أنه المالك، ماذا قال عبد المطلب؟ قال لأبرهة الأشرم، حينما أراد هدم الكعبة، قال: إني أنا رب الإبل، يعني مالك هذه الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعك. الرب بمعنى المالك، والرب بمعنى السيد، حينما قال سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:  ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾ أي إلى سيدك. الرب هو المربي، والرب هو المالك، والرب هو السيد.  

      والرباني هو الذي يؤمن بهذا المربي، ويحب هذا المربي، ويخضع لهذا المربي، ويتصل بهذا المربي، ويخلص لهذا المربي، ويتقرب إلى هذا المربي، هذا الرباني أمر إلهي، وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب:  ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾. و معنى أن تكون ربانياً، معنى أن تكون مؤمناً برب العالمين: أن تقر بأن الله عز وجل هو الفعال المطلق، هو الذي خلق ودبر، هو الذي يغير، هو الذي يسير، هو الذي يزيد، هو الذي ينقص، هو الذي يحيي، هو الذي يميت، هو الحكم، هو المشرع، هو الضار، هو النافع، لا فعال في الكون إلا الله، هذا معنى أن تكون ربانياً، وهذا معنى أن تؤمن برب العالمين، والله عز وجل يقول:  ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾  ويقول عز وجل: ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾  من مقتضيات أن تكون ربانياً مؤمناً برب العالمين:

 

   1. أن تؤمن أنه لا خالق إلا الله:

     أول بديهيات أن تكون ربانياً، وأن تكون مؤمناً برب العالمين: أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا خالق إلا الله، طبعاً كل شيء في الكون يدل على الله. يقول الله عز وجل:  ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ هذا شيء يكاد يكون قاسماً مشتركاً بين كل البشر، بدليل أن الله عز وجل يقول:  ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ إلى أي جهة يتجهون؟ إلى أن جهة ينصرفون؟ وإذا رأيت فئةً شاذةً قليلةً، محدودة العدد في الأرض، تتوهم أنه لا إله، فاعلم علم اليقين: أنه كلام فيه مكابرة، بدليل أن الله عز وجل يقول:  ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾  حتى الذي ينكر وجود الله عز وجل، ينكر هذا الوجود إرضاءً لجهة أو لمصلحة، أما في أعماق أعماقه، فهو يؤمن أن لهذا الكون خالقاً:  ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾ جاء التعريف الدقيق لرب العالمين من موسى لفرعون، قال:  ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ يعني خلق وهدى.    أدلة أن الله خلق السموات والأرض، طبعاً الإنسان وهبه الله قوة إدراكية، وهذه القوة الإدراكية تتعرف إلى الأشياء بالأدلة، فما دليل أن الله خلق السموات والأرض؟ دليل الفطرة، يعني أي إنسان من دون تعليم، من دون توجيه، يعرف ابتداءً أن لهذا الكون خالقاً عظيماً.    حدثني أحدهم، يركب طائرةً إلى بلد، يؤمن في مجموعه أن لا إله، فالإلحاد مذهب رسمي في هذه البلاد، ودخلت الطائرة في سحابة مكهربة، وكانت على وشك السقوط، وعلى متن الطائرة عدد كبير من الخبراء، الذين يؤمنون أنه لا إله، أقسم لي بالله، أن معظمهم قال: يا الله. بالفطرة يقول الإنسان: يا الله.  دليل العقل،  لا بد لكل شيء من خالق، العقل يقول لك، وهذا شيء مجمع عليه: إن النظام يحتاج إلى منظم، والتسيير يحتاج إلى مسير، والخلق يحتاج إلى خالق، والحكمة تحتاج إلى حكيم، والماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير؟ هل أنت مصدق أنه في مستودع للحديد، جئنا بمتفجرات وفجرناها، وفي نهاية التفجير طائرة بوينج 777، هل تصدق هذه الحقيقة؟ هل تصدق انفجاراً حصل في مطبعة المحصلة قاموس لاروس الأحمر، والأبيض، والأسود، والصور، ودائرة المعارف، والفعل، والفاعل، واسم مكان، هل يعقل ذلك؟ دليل الشرع، يقول الله عز وجل:  ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾  دليل الحس فحينما يجاب دعاء المضطرين، يزداد يقين المؤمنين، قالوا: إجابة الدعاء من الله عز وجل يقوي العقيدة، الله سمعك. فأنت حين تدعو الله ولو بقلبك، قال تعالى:  ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً﴾  ويستجيب الله لك، يزداد يقينك بالله عز وجل.  

 

   2. أن تؤمن يقيناً أنه لا مالك ولا متصرف في الكون إلا الله:

 

     يجب أن تعلم علم اليقين: أنه لا فعال إلا الله، وأن كائناً من كان لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا إذا سمح الله، والله يخاطب سيد البشر بقوله:  ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ ،    ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾  هذا الإيمان.  ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾  هذا الإيمان، لذلك الإيمان أمن وسلام، الإيمان راحة، الإيمان شعور أن علاقتك بالله، وأن الله مطلع عليك، ويعلم كل شيء، وهو يعلم السر وأخفى.  ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾  

 

   3. أن تعتقد اعتقاداً قاطعاً أنه لا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله:

     ينبغي أن تعتقد اعتقاداً جازماً على وجه اليقين: أنه لا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله، يضر لينفع، ويمنع ليعطي، ويخفض ليرفع، ويذل ليعز لذلك:  ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا﴾.  التمائم، ويتشاءمون من يوم الأربعاء، ومن صوت البوم، ومن القط الأسود، هذا كله اعتقادات جاهلية، ما أنزل الله بها من سلطان، لا شؤم ولا طيرة، كل شيء تقدير الله عز وجل، حتى إن كلمة فلان محظوظ، مسكينة ابنتي حظها قليل، كلام ليس له معنى، هناك توفيق وتعسير، قال تعالى:  ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾  تيسير وتعسير، والتيسير سببه الإيمان بالحسنى، بالجنة، وأن يتقي أن يعصي الله، وأن يعطي مما أعطاه الله، رد الإله على هذا الإنسان، أنه ييسره لما خلقه له، وأما الذي يؤمن بالدنيا فقط، ويستغني عن طاعة الله، ويبني حياته على الأخذ، ييسر إلى هلاكه في الدنيا والآخرة. ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، هذا كلام جامع مانع قاطع، قال تعالى:  ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾.  

    4. أن تعتقد أنه لا مشرع للخلق إلا الله وحده:

 

     من يحل الحلال؟ الله وحده، من يحرم الحرام؟ الله وحده، من يقول: هذا حق؟ الله وحده، من يقول: هذا باطل؟ الله وحده، من يقول: هذا خطأ؟ الله وحده، من يقول: هذا صواب؟ الله وحده. قال تعالى:  ﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾.  رجل الدين لا يمكن أن يكون مشرعاً، لا يقبل منه أن ينطق بكلمة من دون دليل، نحن في حياتنا كمسلمين، رجل واحد كلامه هو الدليل، هو رسول الله، وما سوى رسول الله، يحتاج كلامه إلى دليل، مهما عظم شأنه، يقول لك إنسان: أنا أقول لك كذا، ينبغي أن تطيعني. ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾  كل ما شرع للناس أو رضي بتشريع مخالف لتشريع الله سبحانه وتعالى، داخلاً في وعيد الله وتهديده، ليس بعيداً عنا أن بعض الأسر في بلاد الغرب، إذا اختصمت الزوجة مع زوجها، لا ترفع قضيتها لقاض مسلم في المركز الإسلامي، بل ترفع قضيتها لحاكم أمريكي، لماذا؟ لأن القانون الأمريكي يعطي المطلقة نصف أملاك زوجها، بينما الشريعة تعطي المطلقة مهرها فقط، فهذا الذي يحتكم لغير شرع الله، داخلاً في وعيد الله:  ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾  

 

   5. أن تعتقد أن كل شيء بقضاء وقدر:

     كل شيء وقع أراده الله لحكمة بالغة، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، زلزال، بركان، اجتياح، لكن قد يكون المقضي شراً، فأنت مكلف أن تدفعه وأن تقاومه .    إن كل شيء خلقناه بقدر، القضاء والقدر نظام التوحيد، كل شيء بقضاء من الله وقدره، هذا الاعتقاد يريح النفوس، إنسان لم ينجب أطفالاً بقضاء من الله وقدره، يسعى، يعالج نفسه، بعد كل المحاولات لم ينجح، هكذا يريد الله عز وجل.  

 

   6. أن تعلم علم اليقين أنه لا يعلم الغيب إلا الله:  

     فكل أنواع السحر، والشعوذة، وقراءة الفنجان، وقراءة حظك هذا الأسبوع، وبرج التيس، والثور، وهذه الأبراج كلها، هذا كله كفر . من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر، من أتى ساحراً فلم يصدقه، لن تقبل له صلاة أربعين صباحاً، ولا دعاء أربعين ليلة. لا يعلم الغيب إلا الله  ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.  



المصدر: العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 04 - الربوبية