الحقيقة: أن علم العقيدة لا يعني فقط أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد؟ هذا شطر من علم العقيدة، العقيدة الكاملة أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد، وماذا ينبغي أن يكون موقفك مما تعتقد؟ العقيدة الكاملة اعتقاد ووجهة إلى الله، اعتقاد وسلوك وموقف، فحينما نفهم أن العقيدة تعني أن تعتقد أنه لا إله إلا الله، ماذا كان موقفك من علم التوحيد؟ هل رجوت غير الله؟ هل استعنت بغير الله؟ هل توكلت على غير الله؟ هل عقدت الأمل على غير الله؟ هل خفت من غير الله؟ ما قيمة أن تعتقد أنه لا إله إلا الله, والتطبيقات العملية لهذا الاعتقاد لم تكن موجودة؟فلذلك أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد شطر العقيدة؟. أوضح مثل: أنه إذا اعتقد أن هذا المرض الجلدي لا يشفى إلا بالتعرض لأشعة الشمس، فمهما حدثتنا عن أشعة الشمس, وعن فوائدها العظيمة في شفاء هذا المرض، ولم تتعرض أنت لأشعة الشمس، فإن هذه العقيدة لا قيمة لها إطلاقاً، ويمكن أن أسميها عقيدة إبليسية، آمن بالله رباً, وعزيزاً, وخالقاً, ولكن عمله وسلوكه لا ينتمي إطلاقاً إلى هذه العقيدة. لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه. ينبغي أن تخاف من شيء واحد هو ذنبك، وينبغي أن ترجو جهة واحدة هي ربك، لأن كل شيء بيد الله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ وأن الأمر كله بيد الله: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ فلا ينبغي أن تخاف من غيره. الله عز وجل يقول: ﴿وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً﴾، ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
من لوازم معرفة الله عز وجل؛ أن ترجوه، وألا ترجو أحداً سواه، أن تعلق عليه الآمال، أن يكون الله عز وجل محط الرحال عندك، أن ترجو ما عنده، أن ترجو الدار الآخرة، وكل ما قرب إليها من قول أو عمل. يقول الله عز وجل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾، هؤلاء المشركون الذين عبدوا أصناماً، وكانت هذه الأصنام رموزاً لأناس صالحين، هؤلاء الأناس الصالحون كانوا يرجون رحمة الله، ويخشون عذابه، أنتم لما تعبدون من دون الله, شيء غير معقول، هذا الذي تعبده من دون الله, يخشى رحمة الله وعذابه، ويبتغي إلى ربه الوسيلة، أية وسيلة أقرب يسلكها إليه، يرجو رحمته، ويخشى عذابه، ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾. يجب أن ترجو الله، وتعقد الأمل عليه، وتضع كل الثقة به، وألا تعلق أملاً على غيره، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك؟
الحديث عن الرجاء ينقلنا إلى علاقة الرجاء بالتمني، التمني أن تتمنى شيئاً كبيراً عظيماً دون أن تفكر في دفع الثمن، أن تتمنى الجنة دون أن تعمل لها، أن تتمنى النجاة من النار دون أن تتقيها، وفي الدنيا هل يكفي أن تتمنى أن تكون عالماً من علماء الدنيا وتقعد في البيت؟ مستحيل, لذلك ربط الله عز وجل رجاء ما عنده بالعمل: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ وقال أيضاً: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾.