بحث

الحكمة من أمية النبي صلى الله عليه وسلم / القرآن الكريم

الحكمة من أمية النبي صلى الله عليه وسلم / القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم
  • ما الحكمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً؟ 

     وقد يتبادر إلى الذهن أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، فلو أن النبي كان يقرأ ويكتب، وهو معلم البشرية فكيف نجمع بين أن الأمية نقص في شخصية الإنسان، وبين أن الأمية من صفة النبي عليه الصلاة والسلام؟ إن أمية النبي وسام شرف له، وأميتنا وصمة عار بحقنا، لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبقى وعاء النبي طاهراً من كل ثقافة أرضية، لأن الله تولى بذاته العلية تعليمه، قال تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾  فلأن الله تولى تعليمه، ولأن هذا النبي مشرع، وقد أُمر الناس باتباعه، إذاً: هو معصوم، لذلك أميته أن وعاءه ليس فيه إلا وحي السماء، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾  لو أنه على ثقافة أرضية، وبدأ يدعو إلى الله، لكان السؤال المتكرر كل يوم: يا رسول الله! هذا الذي تقوله من وحي السماء أم من ثقافتك. وما لم نعتقد اعتقاداً جازماً بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الله عصمه من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره لا نكون على عقيدة سليمة، ولأن الله عصمه أمرنا أن نأخذ عنه، قال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ .    كيف عصمه    الله؟ جعل كل وعائه المعرفي ممتلئاً من وحي السماء، هذه حقيقة أولى، أما نحن فقال عنا النبي صلى الله عليه وسلم:  (( إنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما الحلم بالتحلم ))    (( إنما )) ، أداة قصر، يعني ليس هناك من سبيل إلى العلم إلا بالتعلم بالنسبة لنا، أما النبي كان أمياً وأميته وسام شرف، تولى الله تعليمه، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾.  

  • القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين 

     أيها الأخوة، ننتقل إلى موضوع آخر، وهو أن هذا القرآن نزل بلسان عربي مبين، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾  فالله سبحانه تعالى شرف هذه الأمة بأن جعل وحيه يتنزل باللغة العربية، وقد يسأل سائل: لماذا كانت العربية مشرفة بوحي السماء؟ الحقيقة أن الذي يدرس فقه اللغة يعلم علم اليقين أن الطرف الآخر الذي لا يحابي هذه الأمة إطلاقاً يعترف أن اللغة العربية من أرقى اللغات الإنسانية. لها خصائص، من هذه الخصائص الإعراب والاشتقاق واتساعها في التعبير والحروف فيها تناسب بعض المعاني، الحرف وحده فيه معنى، فكل كلمة فيها غين فيها اختفاء، غيبة، غاب، غريب، غيبوبة، وكل شيء فيه تكرار في راء، مر، جر، كر، خر... وقابلة للاختزال.... فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، لكن ورد أن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، يعني على سبع لهجات، إذاً: القرآن الكريم فضلاً عن أنه نزل عربياً نزل بلهجات العرب، وهذا تسهيلاً للذين أمروا أن يتلقوه بالإيمان والتعظيم، يقول عليه الصلاة والسلام (( أقرأني جبريل القرآن على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف )).  

 

  • كُتاب الوحي

     الحقيقة أن الذين يحسنون الكتابة كانوا قلة في مكة، وقلة في المدينة، والحقيقة أن الأمة التي اختارها الله لهذه الرسالة العظيمة أمة عاشت في الصحراء، وثقافتها محدودة جداً، وهناك حِكم قد لا نكشفها الآن، اشتهر أيها الأخوة من كتاب من كتاب الوحي زيد بن ثابت، ولم يكتب من السور المكية شيئاً، وأول من كتب آيات التنزيه من مكة المكرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وممن كتب في الجملة الخلفاء الأربعة، والزبير بن العوام، وخالد، وأبان ابنا سعيد بن العاص ابن أمية، وحنظلة ابن الربيع الأسدي، ومعيقل ابن أبي فاطمة، وعبد الله ابن الأرقم الزهري، وشرحبيل ابن حسنة، وعبد الله ابن رواحة، وغيرهم، وكان أُبي ابن كعب هو أول من كتب له بالمدينة، هؤلاء كتاب الوحي، كتاب قليلون لكن هذا الكتاب كُتب.

 

  • الله من تولى حفظ القرآن

     هناك موضوع ثالث لا بد من الإشارة إليه، وهو أن الكتب السماوية السابقة الله عز وجل أمر بحفظها بأمر تكليفي، ولا بد من التفريق بين الأمر التكليفي، والأمر التكويني، الأمر التكليفي لك أن تأتمر، أو ألا تأتمر، كما تقرأ لوحة: ممنوع المرور، والطريق سالك لك أن تسلك هذا الطريق مع أنه ممنوع، لكن إذا خالفت تدفع الثمن، ولك أن تأتمر، لكن الأمر التكويني فعل الله، والأمر التكليفي أمره، فالكتب السماوية السابقة أُمر الأنبياء بحفظها تكليفاً، والأنبياء حفظوها، والدليل: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾  حفظوها تكليفاً، لكن أتباعهم ما حفظوها، لذلك أضيف على الكتب السماوية السابقة ما ليس منها، فيها إضافة، وتبديل، وتحوير، وتزوير، ذلك لأن المعجزة منفكة عن الكتاب، لا يوجد علاقة بين الكتاب والمعجزة، سيدنا عيسى أحيا الميت، والإنجيل كتاب الله، سيدنا موسى جعل البحر طريقاً يبساً، وكتابه التوراة، لكنالقرآن الكريم له استثناء خاص، ذلك أنه كتاب لكل البشر، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾  وهو آخر الكتب، وسيبقى إلى يوم القيامة، حتى إن السيد المسيح يتلو القرآن الكريم حينما يعود إلى الحياة، قال تعالى: ﴿يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾.  فالقرآن الكريم لأنه كتاب لكل البشر، ولأنه كتاب ينبغي أن تكون معجزته فيه، معجزة النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن، فإذا فقد الكتاب معجزته فقد قيمته، لذلك تولى الله بذاته حفظ كتابه، فقال:

﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾  

     أنت حينما آمنت بهذا الكون الذي ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وحينما آمنت بأن هذا القرآن كلامه من خلال إعجازه، وحينما آمنت بأن هذا الذي جاء به نبيه من خلال كتابه أخبرك القرآن أن الله تولى حفظه، وأنا لا أريد أن أدخل في متاهة الأدلة التفصيلة على أن هذا الكتاب حُفظ، أن تعتقد أنه محفوظ، وأن الذي تقرأه الآن هو الكتاب نفسه الذي جاء نبينا عليه الصلاة والسلام، هذه قضية إيمانية تؤكدها الآيات القرآنية، لذلك قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾.  

 

  • التوحيد الموضوع الأول الذي عالجه القرآن

     أيها الأخوة، هذا القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، والذي نزل على قلب سيد المرسلين، وهو آخر الكتب، نزل على آخر الأنبياء والمرسلين، هذا القرآن الموضوع الأول الذي عالجه هو التوحيد، لذلك يمكن أن تقول: إن كل الكتب السماوية جاءت بالتوحيد، والدليل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾       والتوحيد ألا ترى مع الله أحدا، التوحيد أن ترى أنه لا معطي ولا مانع إلا الله، ولا خافض ولا رافع إلا الله، ولا معز ولا مذل إلا الله، والتوحيد أن تعتقد أن الله لم ولن يسلمك إلى غيره، قال تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾       وبعد التوحيد جاء التشريع، ومعظم القرآن المكي يؤكد معنى التوحيد، ومعنى الربوبية، ويؤكد اليوم الآخر، ثم جاءت آيات التشريع في المدينة المنورة تتحدث عن المعاملات التي إن صحت صحت العبادات.



المصدر: فقه السيرة النبوية - الدرس : 13 - كتاب الوحي : أهمية اللغة العربية .