أيها الإخوة الكرام، العقيدة من أصول الدين والدين أصول وفروع، والعقيدة أخطر شيء في الدين، فمن صحت عقيدته صح عمله، ومن فسدت عقيدته فسد عمله، ولو لم يكن هناك من علاقة بين العقيدة وبين السلوك اعتقد ما شئت، ولكن ما من عقيدة إلا ولها منعكس على السلوك.
الناس صنفان مؤمن وكافر:
أيها الإخوة، بادئ ذي بدء: الناس على اختلاف أجناسهم، وأعراقهم، وألوانهم، ومللهم ونحلهم، وانتماءاتهم، ومذاهبهم، وطوائفهم، لا يزيدون عن رجلين، مؤمن وكافر، وهناك أدلة كثيرة من الكتاب.
فالله عز وجل يقول: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى
كأن الله سبحانه وتعالى جعل الناس فريقين،لا ثالث لهما، إنسان صدق أنه مخلوق للجنة، وهذه العقيدة، بناء على عقيدته السليمة والصحيحة اتقى أن يعصي الله، ومع اتقاءه أن يعصي الله بنى حياته على العطاء كثمن للجنة، فكان رد الإله عليه أنه يسره لليسرى، فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى
الحسنة هي الجنة، وأبرز ما في العقيدة: أننا مخلوقون للجنة، وأن الدنيا دار ندفع فيها ثمن الجنة، من خلال معرفتنا بالله وطاعتنا له،
العقيدة الفاسدة أنه كذب بالجنة، وآمن بالدنيا فقط لأنه آمن بالدنيا ولم يتعدَ نظره إلى غيرها ذلك مبلغهم من العلم يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا، لأنه آمن بالدنيا فقط ليس بحاجة إلى طاعة الله، استغنى عن طاعة الله، ولما استغنى عن طاعة الله بنى حياته على الأخذ، لا على العطاء، وكان رد الإله عليه أنه يسره للعسرة هذه الآية أيها الإخوة.
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى
إذاً الناس على اختلاف أعراقهم وأجناسهم، وأوانهم، ومللهم، ونحلهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، رجلان صدق أنه مخلوق للجنة، وهذه العقيدة، العمل السلبي اتقى أن يعصي الله، العمل الإيجابي بذل ما وسعه للتقرب إلى الله.
أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى
فكانت حياته ميسرة لما خلق له.
والثاني آمن بالدنيا ولم يعبأ بالآخرة، عقيدته فاسدة، ولأن عقيدته فاسدة انعكست تفلتاً من منهج الله استغنى عن طاعة الله، وانعكست أخذاً لا عطاءً، وكان رد الإله عليه أنه يسره لخلاف ما خلق له يسره لدفع ثمن اختياره الفاسد المبني على فساد عقيدته النبي عليه الصلاة والسلام يقول الناس رجلان: المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم
التمايز كبير بين الصنفين:
والآن في آخر الزمان تمايز واضح جداً، كان هناك مئات الألوان بين الأبيض والأسود، الآن لونان صارخان، الآن مؤمن أو كافر، محسن أو مسيء، صادق أو كاذب مخلص أو خائن، في حدة في التمايز بين الطرفين، ولي أو شيطان، أو إباحي، رحماني أو شيطاني، من آهل الآخرة أم من أهل الدنيا، يخاف من الله أو يخاف ممن سواه، يسعى للآخرة أو يسعى للدنيا، تمايز واضح كالشمس.
الله يمدح المؤمنين:
الآن الله عز وجل في كتابه الكريم مدح المؤمنين أيما مديح.
قال تعالى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
يعني آمن بالآيات لكن أعضاءه وجوارحه أظهرت هذا الإيمان، خشوع، سجود إنابة، بكاء.
ثم يقول الله عز وجل: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ
الحقيقة أن خلاف المؤمن الكافر، لمَ لم يقل الله عز وجل أفمن كان مؤمناً كمن كان كافراً،
بل قال: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ
لأن من لوازم الكفر الفسق، ومن لوازم الإيمان الاستقامة يعني
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً
مستقيماً، كمن كان كافراً فاسقاً، لَا يَسْتَوُونَ
المؤمنون ينتمون إلى جهة واحدة:
الآن المؤمنون ينتمون إلى جهة واحدة، انتماء المؤمنين إلى مجموع المؤمنين لا تفرقة في ديننا.
قال الله تعالى: آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
في الحقيقة الدين واحد، والدين عند الله الإسلام، ولو قرأتم القرآن الكريم لوجدتم أن كل الأنبياء من دون استثناء وصفوا في القرآن الكريم بأنهم مسلمون.
الإسلام له معناً واسع وله معناً ضيق:
- المعنى الواسع هو الاستسلام لله، إيماناً وطاعةً.
- المعنى الضيق أن تؤمن بالدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، وبالقرآن الذي نزل عليه وبالسنة التي جاء بها.
أما كلمة الدين تعني الإسلام بمفهومه الواسع،
فالله عز وجل يقول: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ
ثم إن الله يثني على المؤمنين: الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
فالشيء الذي ينبغي أن يذكر في موضوع مفهوم الإيمان أن الدين واحد، الدين لا يتعدد أبداً، الدين أن تخضع لله، الدين أن تصدق بوحي الله، الدين أن تكون محسناً، فالدين لا يتغير أبداً، لكن الشرائع تتغير، فالشريعة التي جاء بها موسى غير الشريعة التي جاء بها عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وغير الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، الشرائع متعلقة بالتطور، ومتعلقة بتعقب الحياة الاجتماعية، الدين واحد والشرائع متبدلة.
بالمعنى الواسع أن تستسلم لله عز وجل، أن تخضع له، أن تطيعه، أن تحبه
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ
لذلك أيها الإخوة هذا الإيمان الذي محور هذا الدين العظيم له خصائص، من خصائصه أنك إذا كنت مخلصاً وهديت إلى الحق بتوفيق الله عز وجل تشعر أن الحق لا يتعدد ولا يمكن أن يتعدد الحق.
قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
لكن قال أيضاً: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً
الشرعة والمنهج تتغير بتغير الأزمان، من نبي إلى آخر، بينما الدين هو عند الله الإسلام.
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
يضاف إلى ذلك أنه ما من نبي في القرآن الكريم إلا وصف بأنه مسلم، بمفهوم الإسلام الواسع، الاستسلام لله عز وجل والأنبياء أخوة أمهات شتى ودينهم واحد، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الإيمان نوعان:
ولكن الإيمان أنواع، هناك إيمان لا يجدي، وهناك إيمان منج، وهناك إيمان مسعد، تصور أن دائرة كبيرة جداً هي دائرة أهل الإيمان، فكل من آمن أن لهذا الكون إلهاً موجوداً وواحداً وكاملاً فهو في هذه الدائرة، لكن إن لم يستقم على أمره لا ينفعه إيمانه كإيمان إبليس تماماً: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ
آمن بالله رباً، وآمن به عزيزاً، وآمن به خالقاً، قال خلقتني، وآمن بيوم الآخر: قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
ما دام إبليس لم يطع الله عز وجل، واستنكف عن طاعته، فإيمانه لا يجدي، إذاً ما كل من قال الله خالق الأكوان ينجيه إيمانه، في هذه الدائرة الكبيرة دائرة أصغر، هذا الذي آمن وعمل بإيمانه، آمن وعمل بمقتضيات إيمانه، آمن وحمله إيمانه على طاعة الله، هذا في الدائرة الثانية، وفي مركز الدائرة أنبياء الله عز وجل المعصومون، فإما أن يكون الإنسان خارج الدائرة، وهو الكافر والملحد، وإما أن يكون في دائرة الإيمان، لكن إيمانه لا ينجيه، وإما أن يكون في الدائرة الثانية، أي إيمانه ينجيه، وفي وسط هذه الدائرة الكبيرة مركز فيها أنبياء الله ورسله الذين هم قمم البشر، والقدوة للبشر، والذين عصمهم الله عز وجل، وأمرنا أن نأخذ عنهم.
معنى الإيمان:
أولاً:المعنى اللغوي:
أيها الإخوة، من أي مادة في اللغة تشتق كلمة الإيمان؟
أولا: الأمن والطمأنينة:
من أمن، اطمأن، يعني ليس من طريق إلى أن تكون آمناً مطمئناً متوازناً راضياً متفائلاً إلا أن تكون موصولاً بالله عز وجل ذاكراً له،
لقول الله عز وجل: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
مستحيل، وألف ألف أَلف مستحيل أن تسعد وأنت معرض عن الله،
لأن الله عز وجل يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
ما من إنسان على وجه الأرض إلا ويتمنى السلامة والسعادة، وحينما يتحقق إذا كان موفقاً أن سلامة الإنسان في طاعة ربه لأن أوامر الله عز وجل بمثابة تعليمات الصانع وما من جهة أجدر أن تتبع تعليماتها كالصانع، لأنه خبير،
وقد قال الله عز وجل: وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
فالمؤمن لا يسلم إلا بطاعة الله، ولا يسعد إلا بالقرب من الله، وهذه الحياة بين أيديكم، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
فقال بعض المفسرين، تساءل فما بال ملوك الأرض؟ والأرض كلها ملك لهم، ما بال أغنياء الأرض والأموال بين أيديهم، قال: المعيشة الضنك لهؤلاء ضيق القلب، الغافل عن الله والعاصي لله، مهما كان قوياً أو غنياً في قلبه ضيق فيما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
لذلك قال أحد العارفين بالله الذي ترك الملك، كان ملكاً، وفر إلى الله عز وجل، قال: لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف
الإيمان من الأمن.
قال تعالى:فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ما من إنسان على وجه الأرض يتمتع بنعمة الأمن الحقيقة، إلا المؤمن، لأنه أيقن أنه مع خالق السماوات والأرض، وأن الله يره، والذي يراك حين تقوم.
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ
وأن الله سيكافئه، وأن الله يعده بجنة عرضها السماوات والأرض، وأن الله يحفظه، إذاً: تشتق كلمة الإيمان من الأمن، و الأمن أكبر نعمة تسبغ على الإنسان، والدليل هذه الآية: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ
ثانيا: التصديق:
وتشتق كلمة الإيمان ممن التصديق، بمعنى: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ
أي وما أنت بمصدق لنا، فإما أن نفهم الإيمان على أنه أمن وراحة وتوازن واستقرار وسعادة وسلامة، أو أن نفهم الإيمان على أنه تصديق لما جاء به الأنبياء والرسل.
ثانياً:المعنى الشرعي:
أيها الإخوة: أما المفهوم الشرعي للإيمان هو: اعتقاد وإقرار وعمل.
أولا: اعتقاد:
تعتقد أن لهذا الكون خالقاً ومربياً ومسيراً، وأنه موجود وكامل وواحد، وأن أسمائه حسنى وصفاته فضلى، وأنه خلق الإنسان ليسعده، وأن الدنيا دار فيها يتأهل الإنسان لجنة خلقه الله من أجلها، وأنه أرسل الأنبياء والرسل، وأنزل الكتب، وأنه خلق الملائكة، وأن كل شيء بفعله وقضاءه وقدره هذا هو الإيمان، فالإيمان اعتقاد.
ثانيا: إقرار:
والإيمان اعتراف باللسان أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول.
ثالثا: عمل:
والإيمان سلوك، أداء العبادات، وضبط الجوارح، وضبط الأعضاء وضبط الدخل، وضبط الإنفاق، وضبط البيت، اعتقاد وإقرار وسلوك،
والكفر اعتقاد فاسد وكلام متفلت، وسلوك منحرف، هناك كفر اعتقادي، وهناك كفر كلامي، وهناك كفر سلوكي.
قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
والله أيها الإخوة، لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت.
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه.
قال تعالى: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
لا يخاف مما سيكون، ولا يندم على ما كان، هذه الآية غطت الزمان كله، أنت في هذه النقطة، لا تخشى مما هو آت، ولا تندم على ما فات، اجمع الآيتين، من يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت فماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة.
وعود الله للمؤمنين:
أولاً: في الدنيا:
ماذا ينتظر المؤمن إذا أمن بالله عز وجل قال ينتظر المؤمن أن ينصره الله على أعداءه.
قال الله تعالى: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
والمؤمن يدافع الله عنه.
وقال تعالى:إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا
والمؤمن وليه الله.
وقال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا
والله مرة استمعت إلى آية قرآنية تركت في نفسي أثراً لا يوصف، الآية تقول: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
وازن بين ابن له أب من أعلى مستوى، فهم، وعلم، وقدرة، وغنى، وحكمة رباه أعلى تربية، ربا جسمه، وربا عقله، وربا نفسه، وربا ثقافته، فكان مثلاً أعلى تصور ابن شارد من مخفر إلى مخفر، ومن مكان إلى مكان، ومن سجن إلى سجن، ومن سقوط إلى سقوط، ومن فاحشة إلى فاحشة،
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
الله عز وجل وعد المؤمنين أن ينصرهم على أعداءهم، ووعد المؤمنين أن يدافع عنهم، وقال لهم، اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا
والله سبحانه وتعالى يتولى هداية المؤمن.
وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
وقد وعد الله المؤمنين بألا يسلط الكفار عليهم.
وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
وازنوا بينكم وبين أنفسكم، الوعد: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
إذا كانوا لهم علينا ألف سبيل وسبيل، الوعد أن ينصرنا على أعداءنا، فإذا انتصروا علينا، الوعد أن يدافع عنا، فإن لم يدافع عنا، الوعد أن يتولانا، فإن لم يتولنا، الجواب عندكم، يعني إيماننا ليس في المستوى الذي يستحق تحقيق وعود الله عز وجل، المؤمن وعده الله أن يستخلفه في الأرض.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وعدهم بالاستخلاف.
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وعدهم بالتمكن.
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً
وعدهم بالتطمين، والواقع المؤلم لا استخلاف ولا تمكين ولا تطمين، إذاً الإيمان الذي نحن عليه ليس في المستوى الذي يستحق أن تتحقق وعود الله لنا، وعد الله المؤمن بالرزق الطيب.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وعد الله المؤمن بالعزة: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
أما مشاهد الذل التي ترونها أحياناً من قبل أعداء المسلمين هذا شيء يتنافى مع حقيقة الإيمان،
وعد الله المؤمنين بحياة طيبة.
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
ثانياً: في الآخرة:
فماذا في الآخرة؟
قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
الإيمان يزيد وينقص:
أيها الإخوة: لأن الإيمان اعتقاد، ومن لوازم الاعتقاد الإقبال على الله، والاتصال به والتوكل عليه، والخشوع في الصلاة، ومحبته، والإخلاص له، يعني الإيمان له مقتضيات أمنت أن لهذا الكون إلهاً، من مقتضيات هذا الإيمان أن تتجه إليه، وأن تقبل عليه، وأن تحبه، وأن تلتزم بأمره ونهيه، وأن تصلح شأن عباده، وأن تكون معطاءً خيراً، لذلك الإيمان يزيد وينقص، يبدو كحقائق لا يزيد ولا ينقص كحقائق، يعني الساعة الخامسة هذه حقيقة ثابتة لها معنى واحد، لكن الإيمان يزيد وينقص، بمعنى أنك في ساعة إقبال أو فتور، في حالة توكل أو عدم توكل، في حالة حب مع الله أو في حالة قعود عن طاعة الله، فالإيمان يزيد وينقص والدليل قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً
طبعاً الإيمان يزيد وينقص بالإقبال وعدم الإقبال، ويزيد وينقص بما تعرف عن الله عز وجل، فكل شيء عرفته عن الله فهو أكبر من ذلك، وهذا من معاني الله أكبر يعني الله أكبر مما أعرف عنه، والأصل أن الله عز وجل لا يعرفه إلا الله، فكلما نمت معرفتك بالله عز وجل ازداد إيمانك، وكلما ازداد إقبالك على الله ازداد إيمانك، فالإيمان يزيد وينقص طبعاً قد يضعف الإيمان بالشبهات، وقد يضعف بالمعاصي، وقد يقطع المؤمن عن الله عز وجل بقواطع الذنوب، أو بقبائح العيوب، أو بشبهات لم يجد لها حلاً، فالإيمان في الأصل يزيد وينقص، الأدلة:
قال تعالى:
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى
وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَاناً
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً
هذه من مسلمات العقيدة أن:
- الإيمان يزيد: يزيد كلما تأملت في آيات الدالة على عظمته، كلما اطلعت على خبايا هذا الكون وأسرار هذا الكون، ودقة صنع الله عز وجل كلما اطلعت على آياته الكونية والتكوينية والقرآنية ازددت إيماناً، وكلما أقبلت عليه أكثر ازددت إيماناً.
- الإيمان يضعف: بالشبهات التي لم تجد لها حلاً أو لم تبحث عن حل لها يضعف الإيمان بالمعاصي والمخالفات، فالإيمان يزيد وينقص.
والإيمان يحتاج إلى تجديد
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
جددوا إيمانكم
يزيد وينقص ويتجدد.
يقول عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين
طبعاً كل يدعي أنه يحب الله أكثر من والديه، ومن ولده، ومن الناس أجمعين ولكن هذا الحديث معناه عند التعارض، لو أن مصلحة بين يديك لا بد من نيلها إلا بمخالفة فآثرت هذه المصلحة التي بين يديك على طاعة الله عز وجل، فأنت لا تحب الله أكثر من مصالحك، هنا يقول عليه الصلاة والسلام : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده، والناس أجمعين
إذا الإنسان اعتز بأبيه ولم يكن أبوه على حق إيمانه فيه خلل، إذا آثر أن يكون ابنه في مكان علي ولكن على حساب دينه فإيمانه فيه خلل.
ومن الدلائل من حديث النبي عليه الصلاة والسلام على أن الإيمان يزيد وينقص أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِه
وهذا الحديث من أدق الأحاديث المتعلقة بالدافع الإنساني، أخيه يعني أخيه في الإنسانية، الإسلام إنساني، وقد تجد بعض البلاد تعامل رعاياها معاملة راقية جداً، أما الشعوب الأخرى يسحقونها، هذا ليس من شأن الإسلام إطلاقاً، الإسلام إنساني،
حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِه
أخيه من؟ أخيه في الإنسانية، لأن المطلق على إطلاقه.
لسيدنا عمر بن عبد العزيز قول رائع يقول: إن للإيمان فرائض وشرائع وسنناً فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان
الإيمان في عقيدة، في عبادة، في عبادة تعاملية، في فضائل، هرم العقيدة في أعلى هذا الهرم، ثم العبادة، ثم التعامل، ثم الفضائل، فمن صحت عقيدته، وأتقنت عبادته، وسلم تعامله، وكرمت فضائله فقد استكمل الإيمان.
الإيمان يزيد،لقول سيدنا معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة
يعني سماع محاضرة يزيدك إيماناً، الإطلاع على آية كونية يزيدك إيماناً، معرفة حديث رسول الله يزيدك إيماناً
ابن مسعود يقول: اليقين الإيمان كله
الإيمان يقين، يعني معلومات قطعية، حقيقة مقطوع بها يؤيدها الواقع عليها دليل.
ويقول ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في صدره
ما في اضطراب في الأفكار، ما في تردد، ما في ارتياب.
قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا
الريب يتناقض مع الإيمان، الشك يتناقض مع الإيمان، الوهم يتناقض مع الإيمان،
ويقول عمار رضي الله عنه: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان، الإنصاف من نفسه، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار
علامة المؤمن أنه منصف، بل ينصف الناس من نفسه، علامة المؤمن أنه إذا أخطأ يعتذر، ويقول هذا خطأ مني، ينصف الناس من نفسه، من علامة الإيمان،
الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار
وسيدنا عمر رضي الله عنه يقول: هلموا نزدد إيماناً
معناها دروس العلم درس تفسير، درس حديث، درس عقيدة، درس سيرة، آيات كونية، سماع خطبة، قراءة كتاب، سماع شريط، هذا يزيدك إيماناً.
الآن الإقبال على الله، والاتصال به، وإتقان العبادة يزيدك إيماناً، الإطلاع على الشبهات، ولا تجد رغبةً في حلها يضعف إيمانك، يعني الشكوك والشبهات والمعاصي والآثام تضعف الإيمان، والحقائق واليقينيات والطاعات تقوي الإيمان، فالإيمان يزداد وينقص، والإيمان يخلق في صدر أحدكم، يحتاج إذاً إلى تجديد.
وفي بعض الأحاديث: جددوا إيمانكم
مصدر الإيمان:
أيها الإخوة: حقائق الإيمان جاءتنا عن طريق الوحي، نحن ديننا دين وحي، هناك من يصف الإسلام أنه تراث، الإسلام ليس تراثاً، إنه دين الله، هناك من يصف النبي بأنه عبقري النبي نبي، لا ينبغي أن يطرح إلا على انه نبي، يوحى إليه، يوجد عندنا مسلمات، أساس ديننا الوحي، وحي من السماء على إنسان معصوم بأحاديثه الشريفة، بين دقائق الوحي، وحي من خلال كتاب أنزل على قلب نبي معصوم، بيان هذا النبي تفصيل لما في الكتاب، هذا هو أصل الدين، لا في ثقافة، ولا معطيات بيئة، ولا تفكير فلاسفة، ولا تنظير مصلحين الدين وحي من السماء وبيان من معصوم، الكتاب والسنة، وحي الله فيه الكليات، والسنة فيها التفصيلات، لذلك هذا المؤمن هو الفائز، هو الناجح، هو الفالح، هو الموفق، هو المتفوق، هو الناجي، هو المعافى، هو المكافئ،
فالإيمان مصدره الوحي من السماء، والوحي خطاب السماء إلى الأرض، وفي أدلة لا تعد ولا تحصى على أن هذا القرآن الذي جاء به جبريل من عند الله عز وجل ونزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نفسه الذي بين أيدينا، دون أن يزيد حرفاً أو حركة، فديننا دين وحي، ولهذا البحث تفاصيل كثيرة، يعني مثلاً حينما تحدث الناس في عفة السيدة عائشة، لو أن الوحي من عند رسول الله، بعد ساعة جاءت آية وبرأتها، بقي هذا الاتهام أربعين يوماً، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك أدلة إثبات ولا أدلة نفي، إلى أن جاء الوحي، لو أن الوحي بيد رسول الله لجاءت آية بعد خمس دقائق برأت السيدة عائشة، يعني في ملاحظات دقيقة جداً، لو كان الوحي من عند رسول الله لما ذكر آيات تعاتبه أحياناً، لو أن الوحي يأتيه وهو نائم لظن أنه حلم، لكنه يأتيه جبريل وهو يقظان، وفي بعض الأحاديث، في أشد أيام البرد يتصبب عرقاً، يعني لما ضمه ضمةً كادت أضلاعه تختلف، ليس بقضية واحد نائم، حلم، منام، وأنت في أعلى درجات اليقظة يأتي جبريل.
أيها الإخوة: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ اطلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال يا محمد: أخبرني عن الإسلام، قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق، فلبثت ملياً، ثم قال لي يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
نحن ديننا وحي من السماء، أركان الإيمان، أركان الإسلام، الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، وعلامة الساعة أن تلد الأمة ربتها، يعني أم صالحة جداً تنجب فتاة، تتعلم هذه الفتاة، فإذا هي تصف أمها بأنه لا تعلم شيئاً، كأن هذه الأم ولدت ربتها، هذا في بعض معاني هذا الحديث.
ومصدر كل هذا العلم الوحي الكريم، لذلك وقع الوحي شديداً على النبي عليه الصلاة والسلام فقال الله تعالى له: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام سأل النبي عليه الصلاة والسلام قال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أَحْيَانا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدّهُ عَلَي فَيَفْصِمُ عَنّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ وَأَحْيَانا يَتَمَثّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُول
صَلْصَلَةِ: وقوع الحديد بعضه على بعض.
فَيَفْصِمُ عَنّي: يبتعد عني.
يعني شيء واضح وضوح الشمس.
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها ولقد رأيته: ينزل عَلَيْهِ الوَحْيُ في اليَوْمِ الشّدِيدِ البَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصّدُ عَرَقا
قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أول ما بدء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك
أيها الإخوة: ينبغي أن نعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءه الوحي من السماء
رجع إلى خديجة ليتزود بمثلها، ثم فاجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه جبريل
فقال: اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم
أيها الإخوة: بعد أن جاء النبي عليه الصلاة والسلام الوحي وعاد إلى بيته، أخبر السيدة خديجة، كانت سكناً له، يعني انتبه سيد الخلق، سيد ولد آدم، يأتيه الوحي فيخبر زوجته ما جرى له، أناس كثيرون يرون نساءهم لا شيء، يخبر زوجته بأخطر حدث مر به، معناها الزوجة ينبغي أن تكون زوجة وأن تكون رفيقة في الطريق إلى الله عز وجل، أليس كذلك؟ أخبرها بما جرى، الشيء الذي لا يصدق أن هذه المرأة البطلة هذه المرأة، لم يأتِ الوحي بعد، ما جاء من الوحي إلا أقرأ، قالت له السيدة خديجة:
أبشر فو الله ما يخذيك الله أبداً، فوا الله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
من أين جاءت بهذه القاعدة؟ لم يتنزل من الوحي إلا ( اقرأ بسم ربك الذي خلق)
من أين جاءت بهذه القاعدة، لماذا طمأنته؟ هذه الفطرة.
أقول لكم أيها الإخوة، شاب مستقيم صادق، أمين، عفيف، يغض بصره عن محارم الله، لا يكذب، يعين على نوائب الدهر يجب أن تعلموا علم اليقين أن الله عز وجل لا يخزي هذا الشاب أبداً، فقير، غني، في عنده بيت، ما في عنده بيت، ميسر له عمل، من دون عمل، ما دام إنساناً مستقيماً، صادقاً أميناً، عفيفاً، يرجو رحمة الله عز وجل، زوال الكون أهون على الله من أن يخيب ظن هذا الشاب،
ينبغي أن تطمئنوا أن الله سبحانه وتعالى يقول: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحل أن يعامل شاب مستقيم عفيف طاهر صادق أمين كما يعمل فاسق عاص غارق في لذاته وشهواته،
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
ويوم دخل النبي مكة فاتحاً دعته بيوتات مكة أن يبيت عندها، فقال انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة، وركز لواء النصر أمام قبرها ليشعر العالم كله أن هذه المرأة التي في البيت لها نصيب من هذا النصر، لأنها كانت مثال المرأة التي أعانته على دعوته، وتنازلت عن حظوظها من أجل دعوته.
درجات الإيمان:
الإيمان أيها الإخوة: الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام : الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله
يعني أعلى مستوى في الإيمان أن تكون موحداً، ألا ترى مع الله أحداً، ألا ترى جهة غير الله فاعلة في الكون.
قال الله تعالى:
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ
مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً
أفضلها أن تقولا لا إله إلا الله .
يعني إنسان مشى في الطريق وجد شيئاً يؤذي المارة، فدفع هذا الشيء إلى طرف الطريق، لماذا فعل هذا؟ إنسان يركب مركبة وفي طريق سفر، وجد حجر كبير وقف وأزاح الحجر إلى طرف الطريق، ما الذي دفعه لهذا العمل؟ إيمانه بالله، هؤلاء الذين يأتون على الطريق عباد الله عز وجل، وقد يسبب هذا الحجر حادثاُ مروعاً، إذاً أزاحه.
فالإيمان أعلى مستوى فيه أن توحد الله، وأن ترى يد الله فرق أيدي الخلق، وأن ترى الله عز وجل فعال لما يريد، وأدنى مستوى أن تطعم هرة، أو أن تسقي هرة، أو أن تميط الأذى عن الطريق، هذا أيضاً من الإيمان، والحياء شعبة من الإيمان، والخلق الحسن من الإيمان، الحياء واللطف والعفو هذه صفات المؤمنين.
أيها الإخوة: والإيمان أن تؤمن بالله كما وصف نفسه، من غير تمثيل ولا تأويل، ولا تعطيل بل أن تنزه أسماء الله الحسنة، وصفاته الفضلى، عما لا يليق بجلاله، بل أن تؤمن أن الله سبحانه وتعالى له أسماء وصفات كما علمها وعلمها النبي عليه الصلاة والسلام.