بحث

مفهوم المال في الإسلام

مفهوم المال في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     كيف يدفع المرء عن نفسه القلق من أجل الرزق؟ وكيف يمتنع الرجل عن ارتكاب معصية من أجل الرزق ؟ و كيف يحترز الإنسان عن أن يقف مواقف مذلة من أجل الرزق ؟ ما فلسفة المال في الإسلام؟ من يملك المال ؟ كيف أن الإنسان مستخلف فيه ؟ لماذا ينبغي أن نحافظ على المال؟ لماذا حرم الله التبذير والإسراف وإتلاف المال ؟ لماذا فرض الإسلام على المسلم فرضاً عينياً أن يكسب رزقه؟ هل هناك مكاسب للرزق محرمة تخفى على كثير من المسلمين ؟ كيف يزيد الرزق من خلال الكتاب والسنة؟  

     المال كما جاء وصفه في القرأن الكريم والسنة:     

     لقد خلق الله السماوات والأرض وما فيهما، وهو المالك الواحد لكل ما في السماوات والأرض وما بينهما، وما تحت الثرى من الثروات الباطنية، قال تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ ، المال في القرآن الكريم وصف بأنه مال الله: ﴿وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ﴾ وسمى الله المال الذي في أيدي الناس مال الله. وسماه أيضاً أداة استخلاف للإنسان، قال تعالى: ﴿آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ . لكنه في بعض الآيات يضاف المال إلى الإنسان قال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ أضيف المال إلى العباد هذه الإضافة، أي أن الإنسان ملك المال ملك انتفاع وابتلاء وامتحان. و المال نعمة من نعم الله الدالة على رحمته بالإنسان، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى﴾ . سمي المال في القرآن الكريم خيراً، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ . وقد امتدح النبي المال فقال عليه الصلاة و السلام: ((نعم المال الصالح للمرء الصالح)) . وبين الله جل جلاله أن المال قوام الحياة، وأن معايش الناس، و قيام هذه المعايش يكون بالمال، قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ .

     وجوب المحافظة على المال وعدم تضييعه:     

    بما أن المال نعمة وخير وقيام حياة الناس فينبغي أن نحفظه، وأن نحافظ عليه كي نلبي به حاجاتنا الأساسية، وألا نضيعه، وقد نهى الإسلام عن إضاعة المال الذي استخلف الله العباد فيه، فعن الْمُغِيرَة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)) . ومن جهة أخرى وصف الله الذين يبذرون أموالهم وصفهم بأنهم إخوان الشياطين: ﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ الشيطان كفور، والمبذر أخ للشيطان، إذاً هو كفور، كفور بهذه النعمة التي يمكن أن يرقى بها في الجنة إلى أعلى عليين: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ﴾. أما الذي ينفق ماله في المباحات فهذا لم يوصف بأنه مبذر، بل وصف بأنه مسرف: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ . وقال تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾ ، ملوماً إن لم تنفق،  محسوراً إن أنفقت مالك كله، أي أن تنفق المال باعتدال بين الإسراف و التقتير، بين البذخ و الحرص على هذا المال، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ ومن المهلكات فهوى متبع، وشح مطاع، و إعجاب المرء بنفسه، و هو أشدهن.  

     وجوب طلب المال الحلال وتحري مواضعه وعدم سؤال الناس فيه: 

     لأن الصلاة فرض، والصيام فرض، والعمرة واجب، والحج فرض، وأداء الزكاة فرض، وهذه الفروض تحتاج إلى أن تكون قد أكلت فشبعت، و شربت فارتويت، وسكنت في مأوى، فما لا يؤدى الفرض إلا به فهو فرض، و ما لا يؤدى الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تؤدى السنة إلا به فهو سنة، لذلك ر يقول عليه الصلاة و السلام: ((طلب الحلال فريضة بعد الفريضة)) ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: ((طلب الحلال واجب على كل مسلم )) لأن منهج الله أن تتزوج، وأن تنجب، وأن تنفق على زوجتك، وهذا يحتاج إلى مال، والأنبياء قدوة، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ هم بشر مفتقرون في وجودهم إلى أكل الطعام ومفتقرون إلى ثمن الطعام بالعمل، بالمشي في الأسواق، إذا كانت هذه صفات الأنبياء و المرسلين فالمؤمنون من باب أولى، ولولا أن الأنبياء بشر تجري عليهم كل خصائص البشر لما كانوا سادة البشر، هم قدوة للبشر، قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)) و قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ)) أن يكون لك عمل تكسب منه رزقك هذا وسام شرف لك. رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ وبدل أن يعطي هذا السائل أهّله تأهيلاً نفسياً، حيث أمره أن يزود أهله بالطعام كي يفرغ من التفكير في شأنهم لبعض الوقت، و لينقطع للعمل، و أهّل أهله مادياً بالطعام كي يفرغوا من القلق و الهم، ثم دفعه إلى أن يكسب رزقه بيده، وقال: ((خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ)) .

     تحريم أكل أموال الناس بالباطل بكل الطرق والأساليب: 

     قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ هذه الآية أنها وصفت مال أخيك بأنه مالك من زاوية واحدة، من زاوية وجوب الحرص عليه وكأنه مالك، فلأن تمتنع عن أكله حراماً من باب أولى. يقول عليه الصلاة و السلام ((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ))  وكما ورد في الأثر: ((ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام)) .

     من أساليب أكل الأموال بالباطل: 

     الغش: الذي يغش الناس يأكل أموالهم بالباطل، الغش له أنواع كثيرة، من ذلك الكذب في التعريف بالشيء، ومن الغش دس الرديء في ثنايا الجيد، و بيعه جميعاً بقيمة الجيد دون بيان الواقع و الحقيقة. ومن الغش أن يقول البائع: اشتريته بكذا كذباً ليخدع المشتري في هامش ربحه. ومن الغش إخفاء العيب والتلاعب بالوزن والكيل، والعدد والطول والمساحة والحجم. ومن الغش تزوير منشأ البضاعة و مصدرها، أو الكذب في صفاتها، وفي تاريخ صلاحيتها.  ومن الغش عرضها بطريقة تزيد من مزاياها، وتخفي من عيوبها. ومن الغش توجيه المشتري إلى بضاعة رديئة كاسدة استغلالاً لجهله في نوع البضاعة. ومن الغش استغلال جهل المشتري بثمن البضاعة، ورفع السعر أضعافاً مضاعفة، وهذا الجهول في نوعية البضاعة و في ثمنها سماه النبي صلى الله عليه وسلم مسترسلاً فقال: ((غبن المسترسل ربا، غبن المسترسل حرام)) وكما أن البائع يكون غاشاً للمشتري يمكن أن يكون المشتري غاشاً للبائع حينما يستغل جهل البائع بقيمة بضاعته الحقيقية، لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان لأنهم يجهلون قيمة بضاعتهم و لا يعرفون قيمتها إلا إذا دخلوا إلى السوق.  

     الاحتكار: وهو بالتعريف، حبس مال أو منفعة أو عمل، والامتناع عن بيعه و بذله حتى يغلو سعره غلاء فاحشاً غير معتاد، بسبب قلّته أو انعدام وجوده في مظانه مع شدة الحاجة إليه، "كل ما أضر بالناس حبسه فهو احتكار". والمحتكر من خلال أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون، و كلمة ملعون كبيرة جداً، ملعون وخاطئ، و قد برئت منه ذمة الله، وقد توعده الله بالنار، قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ)) ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ)) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من احتكر الطعام أربعين ليلة يريد به الغلاء فقد برئ من الله، وبرئ الله منه)) .

     وسائل وأسباب زيادة الرزق:

     الاستقامة: قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾ .

     الصلاة: قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾.  

    الاستغفار: قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾ .

     الشكر: قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ .

     صلة الرحم: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ـ أي في أجله ـ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) .

     الصدقة: يقول عليه الصلاة و السلام: ((استنزلوا الرزق بالصدقة )) .

     الأمانة: الأمين يملك أثمن شيء في الحياة وهو ثقة الناس، وإذا وثق الناس بك أعطوك ((الأمانة غنى)) .

     إتقان العمل: يقول عليه الصلاة و السلام: ((إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه)) .



المصدر: خطبة الجمعة - الخطبة 1030 : المال والرزق