بحث

مقام العلم في الإسلام

مقام العلم في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحقيقة كيان الإنسان عقلٌ يدرك، وقلبٌ يحب، وجسمٌ يتحرك، العقل يشير إلى أن الله أودع في الإنسان قوةً إدراكية، وما لم تلبَ هذه القوة الإدراكية بالعلم يهبط الإنسان عن مستوى إنسانيتهُ إلى مستوىً لا يليق بهِ، قال تعالى:  ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ و قال تعالى:  ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ و قال تعالى:  ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾  فهناك أوصاف في القرآن الكريم لمن عطل عقله، ولمن التفت إلى شهوته، ولمن غفل عن سرّ وجوده، وعن غاية وجوده. 

     فالإنسان عقلٌ يدرك أي أن الله أودع فيه قوةً إدراكية، وقد نسمي حاجة العلم الحاجة العليا في الإنسان، فإذا لباها ارتقى إلى مستوى يليق به، الحقيقة تلبى هذه بطلب العلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرءُ عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل. إذاً فأولويات الإنسان في هذه الدنيا هي طلب العلم، وطالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا، فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة، فيخسرهما معاً، بل إن أزمة أهل النار في النار أزمة علم، الدليل:  ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَو ْنَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير﴾ِ.  المؤمن يبحث عن العلم الذي يجنبه الخطأ كل يوم، يبحث عن سرّ وجوده، عن غاية وجوده، يتعرف إلى ربه من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض، من خلال النظر في أفعال الله، من خلال تدبر القرآن، يبحث عن شيءٍ يسمى منهجاً يسير عليه، افعل ولا تفعل، ما الحرام؟ ما الحلال؟ ما الفرض؟ ما الواجب؟ لماذا أنا في الدنيا؟ 

     فلذلك الإنسان عقلٌ يدرك، ما لم يبحث عن غايةِ وجوده، عن حكمة وجوده، عن سرّ وجوده، عن علة وجوده، عن حياته الأخرى حياته الدنيا، عن المنهج التفصيلي، افعل ولا تفعل، كيف يأكل؟ كيف يشرب؟ كيف يكسب ماله؟ هل هناك محرماتٌ في كسب المال؟ هل هناك مصادر للمال مشروعة يرضى الله عنها؟ كيف تكون علاقته بالأنثى؟ يا ترى علاقة مشروعة ـ علاقة زواج ـ أم علاقة معصية؟ كيف يعامل الناس؟ من فوق أم بتواضع؟ بإخلاص أم بعدم إخلاص؟ باستقامة أم بعدم استقامة؟ الإنسان بحاجة إلى أن يعرف الآمر، وأن يعرف الأمر، والإنسان إذا عرف الآمر، ثم عرف الأمر تفانى في طاعة الآمر، أما إذا عرف الأمر ولم يعرف الآمر تفنن في التفلت من الأمر.  

     الإنسان عقلٌ يدرك، وأي إنسانٍ لا يبحث عن الحقيقة، ولا يسعى لها، ولا يضع كل جهوده في الوصول إليها، إنسان غفل عن أخطر شيءٍ فيه، القوةُ الإدراكية، والناحية العلمية التي ترفع الإنسان، قال تعالى:  ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾  و قال تعالى:  ﴿ َرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾  فرقٌ كبيرٌ كبير وشاسعٌ شاسع بين من يعرف ومن لا يعرف، بين العالم وبين الجاهل، الجهلة كمٌ كبير لا وزن لهم عند الله. الإمام عليٌ رضي الله عنه يقول: " الناس ثلاثة؛ عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا كميل أن تكون منهم " أي بحياة الإنسان جانب عقلي ما لم يلبَ هذا الجانب بطلب العلم، بطلب المعرفة، بمعرفة المنهج، بمعرفة الله عز وجل، بمعرفة حقيقة الإنسان، يهبط الإنسان بمستواه. 

     الإنسان لابد له من أن يملك تصوراً صحيحاً عن حقيقة الكون، وعن حقيقة الحياة الدنيا، وعن حقيقة الإنسان، يملك هذا التصور إذا اتبع هدى الله.  ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ لا يضل عقله ولا تشقى نفسه.  ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾  لو جمعنا الآيتين الذي يتبع هدى الله لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت، فماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة؟ فالعقل أحد أركان الإنسان، يلبى بطلب العلم، والعلم قوام حياة الإنسان، والناس رجلان عالمٌ ومتعلم، ولا خير فيما سواهم، كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا تكن الخامسة فتهلك، أعدى أعداء الإنسان الجهل، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به. هناك أعداء تقليديون للأمة، أعداء الأمة الحقيقيون هم الجهال، هذا عن العقل الذي يدرك وغذاؤه العلم، وقيمته في حياة الإنسان.



المصدر: سنريهم آياتنا - الندوة : 02 - الإنسان عقل يدرك ـ خلق الإنسان2 - النطفة