بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الكرام؛ مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وآدابه صلى الله عليه سلم في مجالسه
- كان عليه الصلاة والسلام لا يجلس ولا يقوم إلا على ذِكر لله تعالى: لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ والنبي الكريم يقول: ((برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله)) والمؤمن يذكر اللهَ عفوًا، دون تكلُّف، لأن كلَّ نشاطه وكل اهتمامه منصبٌّ على معرفة الله. قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: ((لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)) و قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديث القدسي عن ربه: (( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )) فلذلك اجعل همَّك وديدنك ذكر الله، و من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوقف ما أعطي السائلين، فكان عليه الصلاة و السلام لا يجلس، ولا يقوم إلا على ذكر الله تعالى. والأمر الإلهي ليس منصبًّا على أن تذكر فقط، لا، أبدا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ الأمر الإلهي منصبٌّ على كثرة الذكر لا على الذكر فقط.
- كان صلى الله عليه وسلم لا يوطِّن الأماكنَ، وينهى عن إيطانها: من شمائله صلى الله عليه وسلم في مجالس أصحابه أنه لا يوطِّن الأماكنَ، وينهى عن إيطانها، فأيّ مكان يجلس، وكلُّ مكان لأي إنسان، ليس لإنسان مكان خاص، توطين الأماكن، كأنْ يقال: هذا المكان لفلان، وهذا لفلان وهذا لفلان، لا بل المؤمنون سواسية، يتفاوتون عند الله بتقواهم، أما كل إنسان فله مكانة، وله مرتبة، في أول صف، أو ثاني صف، أو ثالث صف، مقاعد مرقَّمة، وعليها أسماء أصحابها، هذه البروتوكولات دخيلة علينا ما كان يحبُّ أن تُوطَّن الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قومٍ جلس حيث ينتهي به المجلس. كان الأعرابي إذا دخل على مجلس رسول الله لا يعرفه ويقول: أيُّكم محمد؟ أين كان جالسا؟ لو كان له كرسيٌّ ضخم ما قال: أيكم محمد؟ لو كان له لباس مزخرف ما قال: أيكم محمد؟ معناه أن سيدنا محمدا جالس على الأرض مع أصحابه، ليس له ولا ميِّزة إلا وضاءة وجهه، يقولون له: ذاك الوضيء، انظُر إليه فهو محمد، ومرة كان الصحابة جالسين، والجالس إذا أكرم القادم، فهذا من فضله، وسيدنا النبي اللهم صلِّ عليه جالس وإلى جنبه سيدنا عليّ، دخل سيدنا الصدِّيق فقام سيدنا علي وأعطاه مكانه، النبيُّ أُعجب بهذا الأدب، قال: لا يعرف الفضل لأولي الفضل إلا أهلُ الفضل ، فإذا آثر الإنسان إنسانًا أكبر منه بمحلِّه، فهذه فضيلة، أما إذا فرض الكبير على الناس مكانا معيَّنا فقدْ خالف السنة.
- كان يعطي كلَّ جليس نصيبَه، ولا يحسب جليسُه أن أحدا أكرم عليه منه: كان النبيُّ فكان يعطي كل جلسائِه نصيبهم، ينظر إلى الجميع، ويبتسم إليهم، ويصافحهم، ولا يحسب أحد أن أحدا أكرم عليه منه، كل واحد من أصحابه على كثرتهم كان يعتقد جازما أنه أقرب الناس لرسول الله، يخصُّ كلَّ إنسان بابتسامة وبكلمة طيِّبة، وبمؤانسة، لا أحدَ من الصحابة إلا وعرف شأنه وعرف إمكاناته، وعرف إخلاصه، وعرف تفوُّقه، ووصفه بما يليق به، ما ظلم أحدا، ولا طمس مكانة أحد.
- من جالسه أو فاوضه في حاجة صابَرَهُ حتى يكون هو المنصرف: النبيُّ عليه الصلاة والسلام ما كسر خاطر إنسان في حياته، من جالسه أو فاوضه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، وحتى يشبع ويتملَّى من رسول الله ويحلُّ كل مشاكله، ويسأله، ويستأنس به، حتى ينصرف مِن تلقاء نفسه، هذا صبر الأنبياء، قلت لكم سابقا: الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوبَ، وشتَّان بين أن تملك القلوب وأن تملك الرقاب.
- من سأله حاجة لم يردَّه إلا بها: ومن سأله حاجة لم يردَّه إلا بها، كلمة (لا) صعبةٌ، من سأله حاجة لم يردَّه إلا بها، أو بميسور من القول، أحيانا لا تستطيع أن تلبِّي هذه الحاجة يتكلم المؤمن كلاما يقطر أدبا ورحمة ولطفا.
- النبي الكريم قد وسع الناسَ منه بسطُه وخلقُه: يسع الناسَ، ويفهم همومهم، ومشكلاتهم، ويتألم لألمهم، يحاول حلَّ مشكلاتهم، ويستوعبهم، ويتفهَّم طباعهم، ويتفهم أمزجتهم، ويتفهم أوضاعهم، يرثي لحالهم، فصار لهم جميعًا أبًا، قال عليه الصلاة والسلام : ((إنكم لن تسعوا الناسَ بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم)).
- كان مجلسه مجلس علم وحياء وصبر: كان مجلسُه مجلس علم وحياء وصبر، فيه علم، علم ثمين، كأنه غذاء، يمتلئ عقلُك غذاءً من كلامه، وبعد ذلك فيه أدب، وفيه حياء، وصبر، وأمانة، لا كذب فيه، ولا صياح، ولا ضجيج، ولا شتائم، ولا مزاح رخيص، ولا تُرفَع فيه الأصواتُ، ولا تُذكر عورات الناس، فيُفضح إنسان أمام النبي، لا يسمح، النبيُّ كان عنده حياء، كان يقول: ((لا تحمِّروا الوجوه)) إذا أراد أن يرشد أصحابه لشيء وبينهم صحابي أخطأ، يصعد المنبر ويقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .
- كان دائم البِشر، سهل الخلق، ليِّن الجانب، ليس بفظٍّ، ولا غليظ، ولا صخَّاب، ولا فحَّاشٍ، ولا عيَّاب ولا مدَّاحٍ. ما عاب طعاما قط، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ)).
- يتغافل عما لا يشتهي، ظاهرة ما أحبَّها يتغافل عنها، فكثرة المزاح تذهب الوقار، مَن كثر مزاحُه استُخف به، وأمّا النبيُّ فكان يمزح، ولكن في اعتدال، كالملح في الطعام، إذا زاد عن حدِّه انقلب إلى ضدِّه.
- قد ترك نفسه من ثلاث؛ من المراء، والمشاحنة، والإكثار، وما لا يعنيه.
- كان لا يذمُّ أحدا، ولا يعيبه، ولا يتعقّب عوراتِه، ولا يتكلم إلا فيما يُرجى ثوابُه، وإذا تكلم أطرق جلساؤُه، كأن على رؤوسهم الطيرُ، فإذا سكت تكلموا.
- كان عليه الصلاة والسلام يضحك مما يضحكون: هذه مشاركة.
- ويتعجّب مما يتعجَّبون منه، ويصبر على جفوة الغريب، أعرابي شدَّ النبيَّ من ثوبه حتى أثَّر على خدِّه الشريفة، ابتسم فقط، اللهم صلِّ عليه: ((دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الصَّنْعَةِ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ خَلْفِهِ فَجَذَبَ بِطَرَفِ رِدَائِهِ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَثَّرَتْ الصَّنْعَةُ فِي صَفْحِ عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَعْطِنَا مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ مُرُوا لَهُ)) وكان يقول عليه الصلاة والسلام: ((إذا رأيتم طالب حاجة فأرفدوه))
- لا يقبل الثناء إلا من مكافئ، أي لا يقبل الثناء من أيِّ إنسان، قد يكون الشخص تافهًا، يتكلم على مزاجه، لا بدَّ أن يكون إنسانا قريبا منه حتى يقبل الثناء منه، هذا اسمه ثناء.
- وكان عليه الصلاة والسلام لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه، أي كان حسن الاستماع، والحقيقة أكثر الناس المتكلمون يحسنون الكلام، لكن قلَّة من الناس يحسن الاستماع، الاستماع له أدب
- سكوت النبيِّ صلى الله عليه وسلم: فقالوا: كان سكوتُه على أربع؛ على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكُّر، إما أنْ يسكت في تجاوز، فيسكت سكوت حلم، أو يسكت سكوت حذر، أو يسكت سكوت تقدير، أيْ يقدِّر الظرف، أو يسكت سكوت تفكر.
- وجُمع له صلى الله عليه وسلم الحلمُ، والصبرُ، فكان لا يُغضبه شيء، ولا يستفزُّه، كالجبل الأشمِّ الراسخ.
- وكان عليه الصلاة والسلام يأخذ بالحسن ليُقتدَى به، ويدع القبيح لينهى عنه، وجمع خير الدنيا والآخرة.كذلك أصحابه دلَّهم على خير الدنيا، وعلى الكسب، وعلى العمل والاستقامة، ودلَّهم على خير الآخرة.