أيها الإخوة الكرام؛ من الشمائل التي كان عليه الصلاة السلام التي يتحلَّى بها، تكريمه الكبير وأهل الفضل وتحسينه الحسن ومدح صاحبه.
- من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام.. تكريمه الكبير
الملاحظ في المجتمعات الماديَّة الإنسان إذا تقدمت به السن هُمِّش، خرج من بؤرة الاهتمام إلى زوايا الإهمال؛ نبذ من أسرته، من أبنائه، من أقربائه، لكن في الإسلام عندنا شيء آخر، التقدُّم في السن وحده يلزمنا أن نوقِّره، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (( لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ )) وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ )) وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ )) التقدم بالسن شيء ثمين في الإسلام، حتى إنه في بعض الأحاديث القدسيَّة: (( عبدي كبرت سنك، وضعف بصرك، وانحنى ظهرك، وشاب شعرك، فاستحيِ مني فأنا أستحيِ منك )). فكان عليه الصلاة والسلام يقدِّم كبير القوم في الكلام والسؤال، وذلك من باب التكريم وحفظ المراتب، وتنزيله الناس منازلهم، النبي الكريم قال: (( أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ )).
هذه سفَّانةُ بنت حاتم الطائي حينما وقعت أسيرة، رآها النبي عليه الصلاة والسلام فوقفت وقالت: "يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليَّ منَّ الله عليك "، سألها: " من الذي غاب؟ " قالت: "عدي بن حاتم"، فقال عليه الصلاة والسلام: " الفار من الله ورسوله ؟"، في اليوم التالي مرَّ أمامها فوقفت وقالت: "يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد فامنن عليَّ منَّ الله عليك "، قال: " من الذي غاب ؟"، قالت: "عدي بن حاتم"، قال: " الفار من الله ورسوله ؟" ومشى. وفي اليوم الثالث وقفت وقالت: " يا رسول الله إن أبي كان من كرماء قومه، كان يفك العاني، ويعفو عن الجاني، ويطعم الفقير - كلمات لطيفة رقيقة - ويفك الأسير، ويحمل الكَل، ويعين على نوائب الدهر، أنا بنت حاتم طي"، فقال عليه الصلاة والسلام: " يا جارية إن هذه أخلاق المؤمنين، إن أباها كان يحب مكارم الأخلاق "، فعفا عنها إكراماً لأبيها، وعفا عن قومها كلهم. فقالت له: " يا رسول الله أتأذن لي بالدعاء؟ "، قال: " نعم" قالت هذه الفتاة النجيبة: " أصاب الله ببرك مواقعه، ولا جعل لك إلى لئيمٍ حاجة، وإذا سلب نعمةً عن قومٍ جعلك ممن يعود بها إليهم - بهذا المعنى - فالنبيُّ أنزل هذه الفتاة منزلتها ـ بنت حاتم طي ـ ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام: (( أكرموا عزيز قومٍ ذلّ، وغنياً افتقر، وعالِماً ضاع بين الجُّهال )).
- من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام.. تكريمه أهل الفضل
قال النبي صلى الله عليه أنه: (( البركة مع أكابركم )) والمعنى : كلمة أكابر أعتقد في هذا العصر لها مفهوم آخر ما أراده النبي، الأكابر الآن الأغنياء، أما الأكابر الذين ورد ذكرهم في الحديث الشريف هم أهل الفضل، أهل العلم وأهل الدين، الوجهاء، الأتقياء، الورعون، الذين يخدمون الناس، هذا معنى أكابر.. (( سيد القوم خادمهم )) والحديث الشريف: (( لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ )) من ذلك التكريم إكرامُ النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس". العباس أتى النبي صلى الله عليه وسلَّم، فلما رآه قام إليه وقبَّل ما بين عينيه، ثم أقعده عن يمينه، ثم قال: (( هذا عمي فمن شاء فليباهِ بعمه )) ومن لطائف أدب العباس مع النبي، قيل للعباس: (أأنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلَّم؟ فقال: " هو أكبر مني وأنا ولدت قبله).
"بينما رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ومعه أبو بكرٍ وعمر وأبو عبيدة بن الجرَّاح في نفرٍ من أصحابه، إذ أُتي بقدحٍ فيه شرابٌ، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أبا عبيدة، فقال أبو عبيدة: ((أنت أولى مني يا نبي الله. قال: خذ. فأخذ أبو عبيدة القدح وقال قبل أن يشرب: خذ يا نبي الله، قال صلى الله عليه وسلَّم: " اشرب - قدَّمه على نفسه اللهمَّ صلِّ عليه - فإن البركة مع أكابرنا، فمن لم يرحم صغيرنا ويجل كبيرنا فليس منا )). و قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (( إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ )).
- من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام.. كان يحسِّن الأمر الحسن، ويمدح صاحبه
وكان عليه الصلاة والسلام يُحَسِّن الأمر الحسن، ويمدح على ذلك تكريماً لمن أحسن فيه، وتنشيطاً لهمَّته، ويقبِّح الأمر القبيح ويردُّه. صحابي دخل ليلحق ركعة مع رسول الله فأحدث جلبة وضجيجًا، وشوَّش على الصحابة صلاتهم، فلما انتهى النبي من صلاته، توجَّه إليه وقال له: ((ز َادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ )) روى الإمام أحمد قَالَ: ((دَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالُوا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدِّثِينَا عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ سَوَاءً ثُمَّ نَدِمْتُ فَقُلْتُ أَفْشَيْتُ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَلَمَّا دَخَلَ أَخْبَرَتْهُ فَقَالَ أَحْسَنْتِ )) قال طلق بن علي الحنفي: ((بنيت المسجد مع رسول الله، فأخذت المسحات بمخلطة الطين فكأنه أعجبه فقال : دع الحنفي والطين فإنه أضبطكم للطين )).
وأمر صلى الله عليه وسلم بإتقان العمل فقال: (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه )) وذات مرَّة أحد الصحابة حفر قبرًا لصحابي قد توفي، ولما سوى القبر لم يسوِّهِ كما ينبغي، فقال النبي الكريم: (( إن هذا لا يؤذي الميت ولكنه يؤذي الحي )).
فلا بدّ مِنْ إتقان العمل، فكان عليه الصلاة والسلام يحسِّن الحسن ويصوبه، ويمدح صاحبه تشجيعاً له، وكان يقبِّح القبيح ويوهِّنه، وإذا عمِل شخصٌ عملاً سيئًا فلا تقل له: أحسنت، بمعنى أنه إنسان جيِّد، فهذا كلام خطير، يجب أن تقبِّح القبيح وأن توهِّنه وأن تنصح صاحبه.