بحث

من شمائل الرسول صلى الله عليه احترامه لكبير القوم

من شمائل الرسول صلى الله عليه  احترامه لكبير القوم

بسم الله الرحمن الرحيم

    أيها الإخوة الكرام ؛ مع الشمائل المحمديَّة ، التي كان عليه الصلاة السلام يتحلَّى بها ، احترامه لكبير القوم.

    الملاحظ ـ والعياذ بالله ـ في بعض المجتمعات ، الإنسان ما دام في شبابه ، وعلى رأس عمله ، له مكانته، فإذا تقدَّمت به السن هُمِّش ، أصبح على الهامش ، أي أن أهله ينصرفون عنه، والشيء المعروف في تلك المجتمعاتِ أن الأب المتقدِّم بالسن لا يحظى بزيارة أولاده إلا في العام مرَّة على أحسن تقدير ، وكثيراً ما يعتذرُ الأبناء عن زيارة آبائهم ، أجل : في العام مرَّةً واحدة ، إذاً في المجتمعات الماديَّة الإنسان إذا تقدمت به السن هُمِّش ، خرج من بؤرة الاهتمام إلى زوايا الإهمال ؛ نبذ من أسرته ، من أبنائه ، من أقربائه ، لكن في الإسلام عندنا شيء آخر ، التقدُّم في السن وحده يلزمنا أن نوقِّره ، 

لقول النبي عليه الصلاة والسلام :   

(لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)  

وقوله صلى الله عليه وسلم :  

(مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ) 

    الحقيقة أنّ الإنسان يكون قدَّم شيئًا ، بل أشياء ، وبعدما كبر بالسن من حقه أن يجنيَ الخير ، أدَّى ما عليه وبقي ما له ؛ له الاحترام ، له العناية الفائقة ، له الخدمة ، هذا حال المجتمع الإسلامي .

    لذلك كلما قرأت هذا الحديث أيها الإخوة اقشعَرَّ جلدي ..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  

(إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ)  

    أنت إذا رأيت إنسانًا عمره بالستين ، بالخامسة والستين ، بالسبعين ، كل حياته في طاعة الله ، إذا أكرمت هذا الإنسان لا لشيء إلا لأنه مسلم ، وتقدَّمت به السن ، فإكرامك له إكرامٌ لله تعالى .. إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ  

    التقدم بالسن شيء ثمين في الإسلام ، حتى إنه في بعض الأحاديث القدسيَّة :  

    عبدي كبرت سنك ، وضعف بصرك ، وانحنى ظهرك ، وشاب شعرك ، فاستحيِ مني فأنا أستحيِ منك  

    والنبي عليه الصلاة والسلام - دقِّقوا النظر - إذا قال : " ليس منا " أي أن هذا الشيء من الكبائر .. لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا ...  

    الإنسان المتقدم بالسن تستهزئ به ، تقلده ، تشد نظرك إليه ، تستخف به ، تجلس جلسة غير أديبة أمامه، لا تقوم له ، لا توقِّر- دقِّق - إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ  

    فكان عليه الصلاة والسلام يقدِّم كبير القوم في الكلام والسؤال ، وذلك من باب التكريم وحفظ المراتب ، وتنزيله الناس منازلهم ، 

النبي الكريم قال :  

(أَنْزِلُوا النَّاسَ  مَنَازِلَهُمْ )

    هذه سفَّانةُ بنت حاتم الطائي حينما وقعت أسيرة ، رآها النبي عليه الصلاة والسلام فوقفت 

    وقالت : يا رسول الله هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن عليَّ منَّ الله عليك

     سألها : من الذي غاب ؟  قالت :  عدي بن حاتم

     فقال عليه الصلاة والسلام : الفار من الله ورسوله ؟  ، في اليوم التالي مرَّ أمامها فوقفت 

    وقالت : يا رسول الله هلك الوالد ، وغاب الوافد فامنن عليَّ منَّ الله عليك 

     قال : من الذي غاب ؟  ، قالت :  عدي بن حاتم  ، 

     قال : الفار من الله ورسوله ؟  ومشى .في اليوم الثالث لم تقف ، فأوعز إليها أحدهم أن قفي واسأليه مرةً ثالثة ، 

    قالت : يا رسول الله إن أبي كان من كرماء قومه ، كان يفك العاني ، ويعفو عن الجاني ، ويطعم الفقير- كلمات لطيفة رقيقة - ويفك الأسير ، ويحمل الكَل ، ويعين على نوائب الدهر ، أنا بنت حاتم طي

     فقال عليه الصلاة والسلام :يا جارية إن هذه أخلاق المؤمنين ،    إن أباها كان يحب مكارم الأخلاق  فعفا عنها إكراماً لأبيها ، وعفا عن قومها كلهم . فقالت له : يا رسول الله أتأذن لي بالدعاء ؟  ، 

     قال : نعم  - فاسمعوا أيها الإخوة وعوا – 

    قالت هذه الفتاة النجيبة :  أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل لك إلى لئيمٍ حاجة ، وإذا سلب نعمةً عن قومٍ جعلك ممن يعود بها إليهم

    فالنبيُّ أنزل هذه الفتاة منزلتها ـ بنت حاتم طي ـ ومن هنا 

     قال عليه الصلاة والسلام :   

(أكرموا عزيز قومٍ ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالِماً ضاع بين الجُّهال)  

    أكرموا ، فإذا كنت إنسانًا لهذا منصب سابقاً ، ولك مكانة سابقاً ، فلا بدّ مِن تكريمك ، لذلك في أحكام الزكاة أنا سأسألكم هذا السؤال : هل يجوز أن نعطي الزكاة لإنسانٍ قوي ؟ لا يجوز ، لا تعطى الزكاة لا لغني ، ولا لذي مِرَّةٍ قوي ، إلا في حالة واحدة ، إذا كان غنيًا وافتقر ، هذا الإنسان لا نكلفه أن يكسب قوته بعضلاته ، أنشغِّله مثلاً ، حفاظاً على مكانته السابقة نعطيه ما يقيم به صلبه من مال الزكاة ، هذا هو الحكم الشرعي .

قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   

(لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمْ الصَّغِيرَ وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ)  

    إذاً ذو الشيبة المسلم إكرامه من إكرام الله عزَّ وجل ، فإذا أكرمت ذا الشيبة المسلم فكأنما أكرمت الله عزَّ وجل ، فما الذي يمنع أحدَنا إذا وجد شيخًا سنُّه متقدِّمة ، ويحمل أغراضًا ، وأحدنا شاب في ريعان الشباب أنْ تعينه بحملها ، ولو كنتَ لا تعرفه ، هل مِن شيء يمنع ذلك ؟ وما يمنع إذا كنت راكبًا سيارتك ، وإنسان كبير في السن يحمل أغراضًا أن تقول له : تفضل لأوصلك ؟ .

    إذا كان الشخصُ يقود مركبة ، وهو شاب في مقتبل العمُر ، ورأى شخصًا كبيرًا في السن فأكرمه ، وحمل له أغراضه ، فهذا من السُنة ، هذا من شرع الله عزَّ وجل ، لكنّ الناس في زماننا تكبروا ، فتجد طفلاً جالسًا في مركبة عامة ، وإنسان في التسعين يكاد يقع من اضطراب المركبة ، والطفل جالس ، وأبوه إلى جانبه ، وكأنه لا يبصر شيئًا .



المصدر: السيرة - شمائل الرسول 1995 - الدرس (24-32) : وقاره العظيم