بحث

كراهيته صلى الله عليه وسلم إطلاق بعض الكلمات مخافة إيهامِها

كراهيته صلى الله عليه وسلم إطلاق بعض الكلمات مخافة إيهامِها

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الإخوة الكرام... مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، كراهيته صلى الله عليه وسلم إطلاق بعض الكلمات مخافة إيهامِها. 

     قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  (( لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي )) كان يبدو في عهد النبي عليه الصلاة والسلام إذا شعر الإنسان بآلام في معدته، أو باضطراب، أو بتُخمة يقول: خبثت نفسي، فالنبي ما أراد أن يوصف المؤمن بالخبث فالإنسان كلما ارتقى إيمانه ارتقى مستوى تعبيره، وأحسن اختيار كلماته. وسيدنا عمر تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقومٍ يشعلون ناراً فقال:  ((السلام عليكم يا أهل الضوء)) ولم يقل: السلام عليكم يا أهل النار، والقرآن علمنا الكنايات اللطيفة. قال تعالى:  ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً وقال أيضا:  ﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً تغشاها، لامستم النساء. وقال عزوجل:  ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ هل هناك آيةٌ في القرآن الكريم تشير أن يختار الإنسان أجمل الكلمات وأحسنها؟ قال رنا عزوجل:  ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي اختر أحسن الكلمات، فلو اعتدى عليك إنسان، وقسا عليك بالكلمات، رُدَّ عليه بأحسن الكلمات.  

     نهيه صلى الله عليه وسلم أن يقول العبد لسيده: يا ربي:  

     ربك هو الله، فهذا سيّدك، ومعلمك، وليس ربك، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  (( لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ اسْقِ رَبَّكَ وَلْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلَايَ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي وَلْيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلَامِي )) كلمة عبدي فيها استعلاء، وكلمة ربي فيها تذلل، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يقول العبد لسيِّده ربي، بل يقول: سيدي ومولاي، ونهى أن يقول السيد لغلامه: عبدي أو أمتي، وليقل: غلامي وجاريتي، وفتاي وفتاتي، إذاً فالكلمات لها أثر في إهانة المخاطب، أو في تأليه المخاطب، فلا تؤلِّه مَن هو فوقك، ولا تستعبد من هو دونك. قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  (( لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي )). الحكمة أنه منع السادة أن يتألَّهوا، ويتجبروا، ومنع الصغار أن يُستعبَدوا ويهانوا. 

     نهيه صلى الله عليه وسلم أن يقول هلك الناس، أو لا خير فيهم: 

     ومن ذلك أيضاً تحذيره صلى الله عليه وسلم أن يقول: هلك الناس، الناس لا يوجد فيهم خير، الناس كلهم فسقوا، الناس كلهم فسدوا، لا يوجد غيرنا، من السذاجة أن تظن ذلك،  (( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ )) أي هو أشدهم هلاكاً، من قال هلك الناس. الدنيا بخير، وهناك أُناسٌ طيِّبون، وفي كل بلدةٍ أناس طيبون، فهذا الذي ينظر إلى الدنيا بمنظار أسود، ويلقي على نفسه كل فضيلة، وينزعها من كل إنسانٍ آخر، هذا إنسان غير سوي، يحتاج إلى معالجة، ولذلك نهى فعليه الصلاة والسلام وحذر أن يقول الرجل هلك الناس، وهو يريد بذلك انتقاصهم واحتقارهم، وتنزيه نفسه وتفضيلها عليهم. والإمام النووي يقول: لا يزال الرجل يعيب الناس، ويذكر مساوئهم، ويقول: فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلَكُهُم، أي أسوؤهم حالاً فيما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدَّى ذلك إلى العُجب بنفسه، ورؤيته أن له فضلاً عليهم، وأنه خيرٌ منهم، فيهلكه الله عز وجل. "وليحذر المسلم أن يزكي نفسه وأن يحتقر غيره". 
ولذلك فإنّ النبي عليه الصلاة والسلام علَّمنا إذا رأى الرجلُ أخاه وقع في ذنب ماذا يفعل؟ قال في الحديث الشريف:  (( الذنب شؤم على غير فاعله، إن غيره ابتلي، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به شاركه )) يجب ألا تعيِّر، وألا تذكر، وألا تقره على عمله، ويجب أن تقول: الحمد لله الذي عافاني، وأرجو الله أن يهديه، فقط من دون أن تسمعه ذلك. 



المصدر: الشمائل المحمدية إصدار 1995 - الدرس : 26 - كراهيته إطلاق بعض الكلمات بغرض إبهامها - عبادته