أيها الإخوة؛ مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، عدله صلى الله عليه وسلم، كان عليه الصلاة والسلام أعدل خلق الله تعالى في حقوق الله تعالى، وفي حقوق عباد الله تعالى، قوَّاماً بالقسط، حقوق العباد مبنيةٌ على المشاححة، وحقوق الله مبنيةٌ على المسامحة.
- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: ((أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)) ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، وحسنت توبتها بعد ذلك، وتزوجت، وقالت عائشة عنها: أنها كانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". هذا مجتمع العدل، لا يوجد فيه تفاوف، بدأ بابنته صلى الله عليه وسلم. ((وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))
- عَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ قال: ((أَنَّهُ كَانَ لِيَهُودِيٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ لِي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهَا فَقَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا قَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ تَبْعَثُنَا إِلَى خَيْبَرَ فَأَرْجُو أَنْ تُغْنِمَنَا شَيْئًا فَأَرْجِعُ فَأَقْضِيهِ قَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ ثَلَاثًا لَمْ يُرَاجَعْ فَخَرَجَ بِهِ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى السُّوقِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةٌ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدٍ فَنَزَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَاتَّزَرَ بِهَا وَنَزَعَ الْبُرْدَةَ فَقَالَ اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ الْبُرْدَةَ فَبَاعَهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ الدَّرَاهِمِ فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أي سألت ابن أبي حدرد عن حاله ـ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ هَا دُونَكَ هَذَا بِبُرْدٍ عَلَيْهَا طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ)) كيف كان الحق عظيم ؟! يهودي اشتكى على مسلم له عليه أربعة دراهم، فالنبي قال له: ادفع له حقها، أول مرة والثانية والثالثة، ما كان من هذا الصحابي إلا أن لف نفسه بعمامته وباع ثوبه، ودفع لليهودي حقه.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :((كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا فَقَالَ لَهُمْ اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَقَالُوا إِنَّا لَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ قَالَ فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَوْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً)) هذه القصة وقف فيها النبي الموقف الكامل، الأعرابي كان فظاً، غليظاً، تجاوز حده، لكن لقي في صدر النبي السعة والحلم، وكان النبي حريصاً على أداء الحق وزيادة، أعطوه ناقةً في سنٍ فوق السن التي أخذها منه النبي.
وكان صلى الله عليه وسلم يتحاكم إليه قبل البعثة أيضاً الخصوم، لمَ عرفوا من عدله وأمانته، قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: " كان يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل الإسلام ". قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ((والله إني لأمينٌ في السماء، أمين في الأرض))