أيها الإخوة... مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، اهتمامه صلى الله عليه وسلَّم بشؤون الضعفاء. كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((اللهمَّ احشرني مع المساكين)) فكأن المساكين المقصود بهم المفتقرون إلى الله عزَّ وجل. وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يزور ضعفاء المسلمين، ويلاطفهم، ويؤانسهم، ويجلس معهم، ويعود مرضاهم، ويحضر جنائزهم وفي هذا تكريمٌ لهم. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ((أَنَّ أَسْوَدَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِهِ فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ قَالُوا مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا آذَنْتُمُونِي فَقَالُوا إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ قَالَ فَحَقَرُوا شَأْنَهُ قَالَ فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِا)) امرأةٌ فقيرةٌ جداً تقم المسجد توفيت، أصحاب النبي عليهم رضوان الله رأوا أن النبي عليه الصلاة والسلام أعظم وأجل من أن يُبلَّغ خبر موتها، فلم يبلِّغوه، فلما تفقَّد حالها بعد أيام قالوا: "ماتت"، قال: ((أَفَلَا آذَنْتُمُونِي؟)) يا رسول الله ما شأنك بها؟ امرأة فقيرة تقم المسجد وماتت، لماذا نعلمك؟ " فغضب عليه الصلاة والسلام، وذهب إلى قبرها، واستغفر لها، وقرأ القرآن على قبرها ، هكذا علَّمنا النبي. قال سهل بن حنيف رضي الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يأتي ضعفاء المسلمين، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم)).
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: ((كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ إِنَّ بَعْضَنَا لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنْ الْعُرْيِ ـ فقر شديد ـ وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا فَنَحْنُ نَسْمَعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ إِذْ وَقَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَدَ فِينَا لِيَعُدَّ نَفْسَهُ مَعَهُمْ فَكَفَّ الْقَارِئُ فَقَالَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ قَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا كِتَابَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَحَلَّقَ بِهَا يُومِئُ إِلَيْهِمْ أَنْ تَحَلَّقُوا فَاسْتَدَارَتْ الْحَلْقَةُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي... الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم. قال: فجلس عليه الصلاة والسلام وسطنا، ليعدل نفسه فينا...)) قال الله عزَّ وجل: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾.
وكانت صُفّةُ المسجد النبوي هذه المنصَّة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان يجلس بها في عهده فقراء المسلمين، اسمهم أهل الصُفَّة، يجلسون في هذا المكان ـ وكانت الصفة في المسجد النبوي مدرسةً للقُرَّاء، يأوي إليها فقراء الصحابة ممن لا أهل لهم، فيتدارسون القرآن، ويتعلَّمون أمور الدين وأحكامه، ثم يذهبون إلى نواحي البلاد ومختلف الآفاق كي يعلِّموا الناس.