أيها الإخوة المؤمنون؛ مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، نظافته صلَّى الله عليه وسلَّم وأمره بالنظافة. فقد كان صلى الله عليه وسلم أنظف خلق الله تعالى بدناً، وثوباً، وبيتاً، ومجلساً، فلقد كان بدنه الشريف نظيفاً وضيئاً ـ وضاءة النظافة ـ وكان كما وُصِف أنور المُتجرِّد، أي أن الأعضاء المجرَّدة من الثياب مُنيرة، وهذه الإنارة أسبابها كثرة النظافة ، متألِّقة. عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال: ((مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) ، فهو صلى الله عليه وسلَّم أنظف خلق الله بدناً، وأنقاهم ثوباً، وكان صلى الله عليه وسلَّم يستاك حين خروجه من منزله، وحين دخوله. ومن التوجيهات النبويَّة التي وجَّه بها النبي أصحابه الكرام بشأن النظافة:
1. نظافة ساحات البيوت:
قال النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ)) والأفنية ساحات الدور، فالإنسان النظيف يجذب الناس إليه، والمحل النظيف يجذب الزبائن إليه، والبيت النظيف مُريح، والثوب النظيف مريح، والنظافة شيء وفخامة الثياب شيءٌ آخر والذي يرفعك عند الله لا ثمن الثوب، ولكن نظافته.
2. نظافة الفم:
قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا؛ فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر)) أي الدلك ثلاث مرَّات، والاستياك ثلاث مرَّات، والتنظيف ثلاث مرَّات، وغسيل الآنية ثلاث مرات..
3. نظافة الداخل:
يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لن يدخل الجنة إلا كل نظيف)) معنى ذلك أنّ النظافة شرطٌ لدخول الجنَّة، فهل يعقل أن تكون النظافة بمعناها الضيِّق؟ نحن أحياناً نقول: فلان نظيف، ولا نقصد نظافة بدنه، ولا ثوبه، ولا بيته، ولا مجلسه، ولا دكَّانه، ولا مركبته، بل نقصد بالنظافة نظافة أخلاقه، وأهدافه شريفة، وعلاقاته كلها نظيفة واضحة، ليس ثمة أشياء يستحي بها..
4. نظافة الجسد:
النبي صلى الله عليه وسلَّم يحث على نظافة البدن، ونظافة الثوب، وهناك أحاديث تفصيليَّة تشير إلى النظافة. قال النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ)) فغسل يوم الجمعة هذا واجبٌ على كل مسلم. ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: ((عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ)) هذه كلُّها من الفطرة، والبراجم هي الأماكن التي بين الأظفار واللحم.
5. التنظيف من آثار الطعام والشراب:
من توجيهاته صلى الله عليه وسلَّم، حثُّه على التنظُّف من آثار الطعام والشراب، قال النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه: ((قصوا أظافيركم، وادفنوا قلاماتكم ـ القلامة الظفر المقصوص ـ ونقوا براجمكم، ونظفوا لثاتكم ـ اللثَّة ـ من الطعام، واستاكوا، ولا تدخلوا علي قحرا بخرا)) قحراً أي بأسنان صفراء من شدة الإهمال، بخراً رائحة فم كريهة. وأيضاً غسل اليدين قبل وبعد الطعام، قال النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ)) والوضوء هذا وضوء لغوي، وهناك وضوء شرعي، الوضوء الشرعي وضوء الصلاة، أما الوضوء اللغوي غسل اليدين والفَم.
6. نظافة الثياب ورفعها عن الأرض:
ويقول عليه الصلاة والسلام: ((من كرامة المؤمن على الله تعالى نقاء ثوبه، ورضاه باليسير)) و أن النبي صلى الله عليه وسلَّم رأى رجلاً وسخة ثيابه فقال: ((أما وجد هذا شيئا ينقي به ثيابه؟)) فعلى الإنسان أنْ يراقب ثيابه، فقد يكون فيها بقعة تثير الانتباه، وقد تكون جواربه غير مغسولة. عَنِ عُبَيْدَةَ بْنِ خَلَفٍ قَالَ: ((قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَأَنَا شَابٌّ مُتَأَزِّرٌ بِبُرْدَةٍ لِي مَلْحَاءَ أَجُرُّهَا فَأَدْرَكَنِي رَجُلٌ فَغَمَزَنِي بِمِخْصَرَةٍ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَمَا لَوْ رَفَعْتَ ثَوْبَكَ كَانَ أَبْقَى وَأَنْقَى فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ بُرْدَةً مَلْحَاءَ أَمَا لَكَ فِي أُسْوَتِي فَنَظَرْتُ إِلَى إِزَارِهِ فَإِذَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَتَحْتَ الْعَضَلَةِ)) فإنسان يمشي في المدينة وثيابه طويلة، يجرُّها على الطريق، يكنس بها الطريق، فقال له: " ارفع إزارك فإنه أنقى ـ أنظف ـ وأتقى ـ أي أكثر تواضعًا ـ وأبقى ـ لهذا الإزار من التلف ـ "، فقال: " إنما هي بردة ملحاء "، أي مالها قيمة عندي، فقال عليه الصلاة والسلام: " أما لك في أسوتي؟ "، فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه عليه الصلاة والسلام.
7. نظافة المساجد:
ومن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلَّم في تنظيف المساجد قال النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ)) فإذا رأى الإنسان قشَّة على أرض المسجد فوضعها في جيبه، هذا من العمل الصالح. فكلَّما كان المسجد نظيفًا، فهذا شيء يدل على الإيمان، فإذا كان مهملاً دلَّ على ضعف الإيمان. والشيء اللطيف ((أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ)) إنّ الإنسان يصلي قيام الليل والسنن في بيته، والفرض أحياناً مع أهله وأولاده، وكأن النبي أراد أن تكون أجمل غرفة، فهذا المكان في البيت سمَّاه النبي مسجدًا، وأمرنا أن تنظَّف وتطيَّب.
8. نظافة الطرق والساحات العامَّة:
ويحث النبي صلى الله عليه وسلَّم على نظافة الطرق والساحات العامَّة، وينهى عن تلويثها، قال عليه الصلاة والسلام: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)).