أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم نظافته صلَّى الله عليه وسلَّم وأمره بالنظافة.
نظافته صلى الله عليه وسلم
فقد كان صلى الله عليه وسلم أنظف خلق الله تعالى بدناً، وثوباً، وبيتاً، ومجلساً، فلقد كان بدنه الشريف نظيفاً وضيئاً ـ وضاءة النظافة ـ وكان كما وُصِف أنور المُتجرِّد، أي أن الأعضاء المجرَّدة من الثياب مُنيرة، وهذه الإنارة أسبابها كثرة النظافة، متألِّقة .
عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال :
(مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .)
وعن أبي قِرْصافة قال :
(ذهبت أنا وأمي وخالتي فأسلمن وبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصافحن، فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأمي وخالتي ورجعنا من عنده منصرفين قالت لي أمي وخالتي : يا بني ! ما رأينا مثل هذا الرجل، ولا أحسن منه وجها، ولا أنقى ثوبا ولا ألين كلاما! ورأينا كأن النور يخرج من فيه ـ أي من فمه ـ " .)
فهو صلى الله عليه وسلَّم أنظف خلق الله بدناً، وأنقاهم ثوباً،
(وكان صلى الله عليه وسلَّم يستاك حين خروجه من منزله، وحين دخوله .)
وهذه صفة النبي في نظافة بدنه، وثيابه، وبيته، ومجلسه . والتألُّق الذي ورد في هذه الأحاديث تألُّق العناية، وتألُّق النظافة .
التوجيهات النبوية في النظافة
الآن سيكون الدرس من الآن حتى نهايته في التوجيهات النبويَّة التي وجَّه بها النبي أصحابه الكرام في شأن النظافة، لتروا معي أن النظافة جزءٌ من الدين، وأن النظافة لا تُجزَّأ، نظافة القلب، ونظافة السريرة، ونظافة النيَّة، ونظافة الهدف، ونظافة البدن، ونظافة الثياب، ونظافة المَجلس، ونظافة البيت، فالنظافة جزءٌ من الدين لا يتجزَّأ .
فالإنسان النظيف يجذب الناس إليه، والمحل النظيف يجذب الزبائن إليه، والبيت النظيف مُريح، والثوب النظيف مريح، والنظافة شيء وفخامة الثياب شيءٌ آخر، فالأغنياء يشترون أغلى الثياب، ولكن الفقراء يستطيعون أن ينظِّفوا ثيابهم، فنظافة الثوب دليل التديُّن، أما ارتفاع ثمن الثوب فدليل الغنى، أما علامة تديُّنك الصحيح نظافة الثوب، وعلامة غناك ارتفاع ثمن الثوب، والذي يرفعك عند الله لا ثمن الثوب، ولكن نظافته .
1. أمره بتنظيف الفم
وعن سليمان أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال :
(استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا ؛ فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر)
أي الدلك ثلاث مرَّات، والاستياك ثلاث مرَّات، والتنظيف ثلاث مرَّات، وغسيل الآنية ثلاث مرات ..
2. أمره بنظافة الداخل
فأحياناً أرى نفسي أميل إلى توسيع معنى النظافة، فهنالك نظافة شعورك الداخلي، النظافة الداخليَّة ؛ نظافة السلوك، نظافة المبدأ، نظافة الأهداف، من غير علاقات شائنة، ولا أشياء تستحي بها، ونظافة الباعث، ونظافة القلب، ونظافة السريرة، ونظافة العلاقات، حملني على هذا التوسيع هو
أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول :
((لن يدخل الجنة إلا كل نظيف)) .
لو حملناه على المعنى الضيِّق لكنا مُحْرَجِين، لأن عندنا قاعدة: السبب الصغير لا يؤدي إلى نتيجة كبيرة، ((لن يدخل الجنة إلا كل نظيف)) .
معنى ذلك أنّ النظافة شرطٌ لدخول الجنَّة، فهل يعقل أن تكون النظافة بمعناها الضيِّق ؟ نحن أحياناً نقول : فلان نظيف، ولا نقصد نظافة بدنه، ولا ثوبه، ولا بيته، ولا مجلسه، ولا دكَّانه، ولا مركبته، بل نقصد بالنظافة نظافة أخلاقه، وأهدافه شريفة، وعلاقاته كلها نظيفة واضحة، ليس ثمة أشياء يستحي بها ..
3. أمره بنظافة الجسد
لكن النبي صلى الله عليه وسلَّم إذا فصَّل يحث على نظافة البدن، ونظافة الثوب، وهناك أحاديث تفصيليَّة تشير إلى النظافة بالمعاني الضيِّقة.
قال النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ)
فغسل يوم الجمعة هذا واجبٌ على كل مسلم، ويوم الجمعة يوم عيد، أنا مُعجب ببعض الأُسَر الذين ينجزون أعمالهم يوم الخميس، لأن يوم الجمعة يوم عيد، وهذا يوم تحضر فيه صلاة الجمعة، وتجلس مع أهلك، فينبغي أن يكون هذا اليوم أجمل يوم في حياة المسلم، يوم تفرُّغ، ونظافة، وتألُّق، ويوم تزوُّد بالعلم، ويوم لقاء مع الأهل، فلذلك من صفات المسلم أنه يعتني عنايةً بالغةً بيوم الجمعة، ومن لوازم هذا اليوم أن تكون في أعلى درجات النظافة، فالحد الأدنى أن تغتسل يوم الجمعة، هذا الغُسل واجب ديني ..
قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
(عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ)
هذه كلُّها من الفطرة، والبراجم هي الأماكن التي بين الأظفار واللحم، فإذا بالغَ الإنسان في تنظيف البراجم، تجنب إنتقال الجراثيم لأنها أكثر ما تتموضع في البراجم وبالتالي تجنب أمراض كثيرة . فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يبالغ في تنظيف البراجم وقايةً وطهارةً .
وقد وقَّت لنا النبي صلى الله عليه وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة ألاّ تترك أكثر من أربعين ليلة، والسُنَّة كل أسبوع، ولكن في أحوال قاهرة، في سفر، أو عمل، أو انشغال يجب ألاّ تزيد عن أربعين يوماً، عندئذٍ يقع في الإثم .
4. أمره التنظيف من آثار الطعام والشراب
الآن من توجيهاته صلى الله عليه وسلَّم، حثُّه على التنظُّف من آثار الطعام والشراب،
قال النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(قصوا أظافيركم، وادفنوا قلاماتكم ـ القلامة الظفر المقصوص ـ ونقوا براجمكم، ونظفوا لثاتكم ـ اللثَّة ـ من الطعام، واستاكوا، ولا تدخلوا علي قحرا بخرا)
قحراً أي بأسنان صفراء من شدة الإهمال، بخراً رائحة فم كريهة .
قال النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ)
والوضوء هذا وضوء لغوي، وهناك وضوء شرعي، الوضوء الشرعي وضوء الصلاة، أما الوضوء اللغوي غسل اليدين والفَم، فالإنسان في أثناء النهار أمسك حاجة ملوَّثة، أمسك حذاءه بيده، أو صافح إنسانًا غير نظيف، أو وضع يده على مكان غير طاهر، فإذا أراد أن يأكل فعليه أن يغسل يديه غسلاً جيداً قبل الطعام وبعده، وأن يغسل فمه، هذا وضوء الطعام،
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ)
ولا تنسوا أن أكثر الأمراض المعدية أسبابها عدم العناية بالنظافة .
ولعلَّ أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فهموا من الوضوء الوضوءَ الشرعي،
(فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فَقَالُوا أَلَا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ قَالَ إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ)
المعنى بالوضوء هذا غسل اليدين والفم فقط، أما الوضوء الشرعي فهو وضوء الصلاة، أما للطعام فغسل اليدين غسلاً جيداً .
5. أمره بنظافة الثياب
قال النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(من كرامة المؤمن على الله تعالى نقاء ثوبه، ورضاه باليسير)
وروى أبو نعيمٍ عن جابرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلَّم رأى رجلاً وسخة ثيابه
فقال : أما وجد هذا شيئا ينقي به ثيابه ؟
فعلى الإنسان أنْ يراقب ثيابه، فقد يكون فيها بقعة تثير الانتباه، وقد تكون جواربه غير مغسولة، أو أسنانه غير منظَّفة .
(عَنِ الْأَشْعَثِ عَنْ عَمَّتِهِ رُهْمٍ عَنْ عَمِّهَا عُبَيْدَةَ بْنِ خَلَفٍ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَأَنَا شَابٌّ مُتَأَزِّرٌ بِبُرْدَةٍ لِي مَلْحَاءَ أَجُرُّهَا فَأَدْرَكَنِي رَجُلٌ فَغَمَزَنِي بِمِخْصَرَةٍ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَمَا لَوْ رَفَعْتَ ثَوْبَكَ كَانَ أَبْقَى وَأَنْقَى فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ بُرْدَةً مَلْحَاءَ أَمَا لَكَ فِي أُسْوَتِيفَنَظَرْتُ إِلَى إِزَارِهِ فَإِذَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَتَحْتَ الْعَضَلَةِ)
فإنسان يمشي في المدينة وثيابه طويلة، يجرُّها على الطريق، يكنس بها الطريق،
فقال له: ارفع إزارك فإنه أنقى ـ أنظف ـ
وأتقى ـ أي أكثر تواضعًا ـ
وأبقى ـ لهذا الإزار من التلف ـ "،
فقال : " إنما هي بردة ملحاء "،
قال : " وإن كانت بردة ملحاء، أما لك في أسوتي؟، إنما هي بردةٌ ملحاء، أي مالها قيمة عندي، فقال عليه الصلاة والسلام : " أما لك في أسوتي ؟ "، فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه عليه الصلاة والسلام .
6. أمره بنظافة المسجد
ومن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلَّم في تنظيف المساجد
قال النبي صلى الله عليه وسلَّم:
((عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا)).
فإذا رأى الإنسان قشَّة على أرض المسجد فلتقطها، هذا من العمل الصالح، وإنّ تنظيف المسجد عملٌ عظيم ورد في السُنَّة المطهَّرة .
وستار الكعبة يُعطَّر دائماً، فإذا اقترب الإنسان من ستار الكعبة، ووضع يده على الملتزم يشم رائحة طيِّبة، وهذا من تعظيم شعائر الله عزَّ وجل، فكلَّما كان المسجد نظيفًا، فهذا شيء يدل على الإيمان، فإذا كان مهملاً دلَّ على ضعف الإيمان .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ
إنّ الإنسان يصلي قيام الليل في بيته، ويصلي السنة في بيته، ويصلي الفرض أحياناً مع أهله وأولاده، وكأن النبي أراد أن تكون أجمل غرفة، فهذا المكان في البيت سمَّاه النبي مسجدًا، وفي كل بيتٍ مسجدٌ لصلاة النوافل، وصلاة السنن، وصلاة الليل، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلَّم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظَّف وتطيَّب .
تحدَّثنا إذاً عن البيوت، وعن نظافة البدن، وعن نظافة الثوب، وعن نظافة الفم، وعن نظافة المسجد .
7. أمره بتنظيف الساحات والبيوت
قال النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ)
والأفنية ساحات الدور،
8. أمره بنظافة الطرق
ويحث النبي صلى الله عليه وسلَّم على نظافة الطرق والساحات العامَّة، وينهى عن تلويثها، قال عليه الصلاة والسلام :
((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)) .
أنتم تعرفون أن أكثر الحرائق في الغابات أساسها رمي سجارة.
نشرة من منظَّمة الصحَّة العالميَّة
بالمناسبة أحد إخواننا الكرام أطلعني على نشرة من منظَّمة الصحَّة العالميَّة، ثلاثمئة مليون إنسان مصابون ـ قبل عامين في العالم كله ـ بأمراض أسبابها القذارة، وانتشار هذه الأمراض أقل ما يكون في العالَم الإسلامي بسبب الوضوء، والطهارة، والخِتان، وبسبب تنفيذ تعليمات النبي صلى الله عليه وسلَّم، والآن موضوع الإيدز، الشيء الذي يحيِّر العالم أن نِسَب هذا المرض أقل ما تكون في العالم الإسلامي، لأنه يعيش في ضوابط، والدين منهج .