أيها الإخوة؛ مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم انبساطه صلى الله عليه وسلَّم مع أهله وذوي القربى. عن سعدٍ بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه أنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كريم العشرة مع زوجاته وسائر أهله، يلاطفهنّ ويمازحهنّ، ويعاملهنّ بالود والإحسان)) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ )) و قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ )) و قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا )) سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته؟ قالت: ((كان ألين الناس بساماً ضحاكاً لم يُر ماداً رجليه بين أصحابه وذلك لعظيم أدبه وكمال وقاره))
و عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (( خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ - أي صغيرة - لَمْ أَحْمِلْ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ فَقَالَ لِلنَّاسِ تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ لِي تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ فَسَكَتَ عَنِّي حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ ـ سمنت قليلاً - وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ هَذِهِ بِتِلْكَ * أي تعادلا، هذه بتلك ))
وكان عليه الصلاة والسلام يعين أهله في الأمور البيتية، عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ: ((مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ))
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ((..... قَالَتْ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ وَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ابْنُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا قَالَتْ خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا رَكِبَ شَرِيًّا وَأَخَذَ خَطِّيًّا وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا وَقَالَ كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ قَالَتْ فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ )) الذي يعنينا أن النبي صلى الله عليه وسلَّم على علو مقامه، وعلى رفعة شأنه، وعلى أنه مشغولٌ بعظائم الأمور، كل هذا لم يمنعه أن يصغي إلى السيدة عائشة وهي تحدِّثه عن قصةٍ سمعتها تتعلَّق بالحياة الجاهليَّة ، قصَّةٌ طويلةٌ جداً روتها السيدة عائشة للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم قال عليه الصلاة والسلام، وقد انتقى من هذه القصَّة الطويلة خبرَ إحدى الزوجات التي أثنت على زوجها ثناءً كبيراً، وهو أبو زرع، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ )) أي أنه انتقى أرقى النماذج.
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بسَّاماً ضحَّاكاً، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم )) و قال عليه الصلاة والسلام: (( الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَة ٌ)) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ((خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ)) وقال:((فما سبني صلى الله عليه وسلَّم قط، ولا ضربني قط، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي، ولا أمر في أمرٍ فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني عليه أحدٌ من أهلي قال: دعوه لو قُدِّر شيءٌ لكان )) لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الحلم سيِّد الأخلاق )) وقال عليه الصلاة والسلام: (( لا تحمِّروا الوجوه )) بل إن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يواجه أحداً بما يكره، وإذا أراد أن يصلح من عيوب أصحابه صعد المنبر وقال: (( ما بال أقوامٍ يفعلون كذا وكذا )).