بحث

حلاوة منطق النبي عليه الصلاة والسلام

حلاوة منطق النبي عليه الصلاة والسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الإخوة؛ مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، حلاوة منطق النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان عليه الصلاة والسلام حلو المنطق، لأن الدعوة أساسها المنطق، وأساسها الكلام الموزون، وأجمل ما في الرجل فصاحته، وأجمل ما في الآداب ضبط اللسان، ولا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، فمن سمات المؤمن ضبط اللسان. 

  • كان النبي عليه الصلاة والسلام ينتقي أعف الكلمات، حيث لا يخدش حياء المستمعين، قال الصحابي أسامة بن زيد رضي الله عنه:  ((كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسْ الْقُبْطِيَّةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا))   لم يقل: ساقها، لم يقل الكلمات الثانية، وهذا أدب قرآني، الآيات التي تشير إلى العلاقة الزوجية تشير بكلمات لطيفة ورائعة، كلمات لا تخدش الحياء  ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ ، ﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً﴾.  من يتكلم كلام يستحيا منه، فهذا ليس من صفات المؤمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ)) 
  •   كان عليه الصلاة والسلام حلو المنطق، حسن الكلام، إذا تكلم أخذ بمجامع القلوب، وسبى الأرواح والعقول، وإذا تكلم خرج النور من بين ثناياه، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ:  ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ)) كلام لطيف، كلام متصل وفيه سيولة، وبحة خفيفة، فكان النبي حلو المنطق. وعن أبي قرصافة أنه قال: لما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأمي وخالتي، ورجعنا من عنده منصرفين، قالت لي أمي وخالتي:  ((يا بني ما رأينا مثل هذا الرجل أحسن منه وجهاً ولا أنقى منه ثوباً، ولا ألين كلاماً، ورأينا كأن النور يخرج من فيه صلى الله عليه وسلم)). 
  •   وكان عليه الصلاة والسلام أفصح خلق الله لساناً، وأوضحهم بياناً، أوتي جوامع الكلمة، وبدائع الحكم، وقوارع الزَجر، وقواطع الأمر، والقضايا المحكمة، والوصايا المُبرمة، والمواعظ البليغة، والحجج الدامغة، والبراهين القاطعة، والأدلة الساطعة. قال  رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ((بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ...)) و جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. مرة جاءه وفد وسأله عن الصيام، فتكلم النبي لفصاحته بلغة أو بلهجة هذا الوفد، فلما سئل: (( هل من أمبر أمصيام في أمسفر؟ فقال: ليس من أمبر أمصيامٌ في أمسفر )) . أي ليس من البر الصيام في السفر، فكان يتكلم بلغة السائل، وهذا من فصاحته. وقال صلى الله عليه وسلم لأحدهم بلغته:  ((من أصاب مالاً من نهاوش أذهبه الله في نهابر)) النهاوش أي بالاحتيال، والنهابر يذهب ماله في مهالك. وصحابي يذكر أنه  قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من بني سعد بن بكر وكنت أصغر القوم فخلفوني في رحالهم ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى من حوائجهم ثم قال:  ((هل بقي منكم من أحد قالوا: نعم خلفناه في رحالنا، فأمرهم أن يبعثوا إلي، فأتوني فقالوا: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته، فلما رآني قال: ما أغناك الله فلا تسأل الناس شيئا، فإن اليد العليا هي المنطية، وإن اليد السفلى هي المنطاة، وإن مال الله تعالى لمسؤول، ومنطي)) فكلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتنا. هذه القبيلة تلفظ العين نوناً.  
  •   أما آدابه في الكلام فعَن عَائِشَةَ قَالَتْ:  ((أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ)) وقالت أيضاً: ((إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهماً تفهمه القلوب)). 
  • وكان كلامه فصلاً يفهمه كل من سمعه، عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (( كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ـ وضح في كلمات دقيقة مفصلة، أعادها مرة، ومرتين وثلاثا حتى تفهم عنه ـ وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلامٍ فصلٍ لا هذرٍ ولا نذرٍ ويكره الثرثرة في الكلام والتشدق به وكان صلى الله عليه وسلم يكره التنطع في الكلام والتكلف في فصاحته )) قال  رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ((قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْبَلِيغَ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرَةُ)) فكل شيء له حد معتدل، أكثر تقعر. 
  • كان صلى الله  عليه وسلم إذا خطب لا يخل ولا يمل ، فأحياناً هناك إيجاز مخل، وإطناب ممل، فكان إذا خطب لا يخل ولا يمل.   وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:  ((كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا - معتدلة - وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا - أي وسطاً -)) صلاته معتدلة وخطبته معتدلة..   وكان عليه الصلاة والسلام لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلماتٌ يسيرة.   عَن الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ قَالَ:   ((شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا )).
  • كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت: نذير قومٍ أتاهم العذاب، فإذا ذهب عنه كذلك رأيته أطلق اللسان وجهاً وأكثرهم ضحكاً وأحسنهم بشراً.   أي إنه رجل عادي، لطيف، مرح، صاحب طُرفة، يمزح مع أصحابه، طليق الوجه، كثير البِشر. 
  • وكان عليه الصلاة والسلام إذا وعظ أثَّر في قلوب السامعين، وطيَّب نفوسهم، حتى إنهم لتذرف دموعهم، وترق وتخشع قلوبهم، ويرتقي حالهم إلى المشاهدات والمعاينات.  فلقد كان مجلس النبي اللهم صلِّ عليه مجلس مشاهدة، وهذا الدليل، تعرفونه.   عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  ((لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ )) و عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ:  ((وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )) قال: (وكانت خطبه صلى الله عليه وسلم تؤثر في الجمادات).   والنبي حذر قال:  ((من تعلَّم صرف الكلام ليسبي قلوب الرجال لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً)) فإذا تكلم الإنسان ونيته يجمع أنْ الناس، ويكون حوله ناس يعينونه، ويحلون له مشاكله، فهذه نية سيئة، فحتى في الدعوة إلى الله توجد مزالق خطيرة..  


المصدر: الشمائل المحمدية إصدار 1995 - الدرس : 03 - تجمله صلَّى الله عليه وسلَّم