أيها الإخوة... مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، عظيم كرمه صلى الله عليه وسلَّم.
"كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ..." أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، هذه الأوصاف الثلاثة هي أمهات الكمالات، فهو أحسن الناس صورةً ومعنىً، كان عليه الصلاة والسلام جميل الصورة، وأخلاقه جميلة، طيِّبة، مريحة، وكان أشجع الناس قلباً، وهو أجود الناس، وأنفعهم للناس، هذا الجود الذي اتصف به النبي صلى الله عليه وسلَّم، هو جودٌ لله تعالى، وجودٌ في الله تعالى، وجودٌ ابتغاء مرضاة تعالى، هو في الله، ولله، وابتغاء مرضاة الله عزَّ وجل، لذلك كانت مصارف جوده كلها في طاعة الله ـ
النبي عليه الصلاة والسلام كان يوزِّع شاةً وكانت معه السيدة عائشة رضي الله عنها، فلمَّا وزَّعها، وكادت تنتهي، يبدو أن السيدة عائشة أرادت أن يبقي لها شيٌ تأكله، فعَنْ عَائِشَةَ ((أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْهَا قَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا))
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ((مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ قَالَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ))
قال: " وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يوم حنينٍ أناساً من الطُلَقاء ليتألَّف قلوبهم على الإسلام، أعطاهم مئةً من الإبل وكان من جملة من أعطى مالك بن عوف فامتدحه بقصيدة".
صفوان طاف معه صلى الله عليه وسلَّم يتصفَّح الغنائم يوم حنين، إذ مرَّ بشعبٍ مملوءٍ إبلاً وغنماً فأعجبه، فجعل ينظر إليه، فقال عليه الصلاة والسلام: " أعجبك هذا الشعب يا أبا وهب ؟". قال: " نعم "، قال: "هو لك بما فيه"، فقال صفوان: " أشهد أنك رسول الله ما طابت بهذا نفس أحدٍ قط إلا نفس نبي "، صفوان بن أمية أنه قال: ((لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي)) .
وكان عليه الصلاة والسلام من أجود الناس، فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: ((مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ لَا))
النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((حُمِل إليه تسعون ألف درهم، ووضِعت على حصيرٍ ثم قام إليها يقسمها، فما ردَّ سائلاً حتى فرغ منها))
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : (( أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ))
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكِلُ طُهُورَهُ إِلَى أَحَدٍ وَلَا صَدَقَتَهُ الَّتِي يَتَصَدَّقُ بِهَا يَكُونُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ)) و عن أبي ربيعة قال: " خصلتان كان عليه الصلاة والسلام لا يكلهما لأحد؛ الوضوء من الليل حين يقوم، والسائل يقوم صلى الله عليه وسلَّم حتى يعطيه بنفسه ".
عن بِلَالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ كُنْتُ أَنَا الَّذِي أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ ـ أي أنا المتولي أمر مال رسول الله ـ مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ مُسْلِمًا فَرَآهُ عَارِيًا يَأْمُرُنِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَرِي لَهُ الْبُرْدَةَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ...)) كان النبي يقترض ليكسو مسلماً عارياً .
عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم فسأله أن يعطيه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: " ما عندي شيء ولكن ابْتَعْ عليّ ـ دين علي ـ فإذا جاءني شيءٌ قضيته "، قال عمر: " يا رسول الله قد أعطيته فما كلَّفك الله ما لا تقدر عليه". فالله ما كلَّفك أن تقترض وتعطي، فكره النبي صلى الله عليه وسلَّم قول عمر ـ تضايق منه ـ فقال له رجل من الأنصار: " يا رسول الله أنفق ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً "، فتبسَّم النبي صلى الله عليه وسلم، وعُرف في وجهه البشر لقول الأنصاري، ثم قال: " بهذا أُمرت ".
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ)).