بحث

ملاطفته صلى الله عليه وسلَّم للجفاة

ملاطفته صلى الله عليه وسلَّم للجفاة

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الإخوة الكرام... مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، ملاطفته صلى الله عليه وسلَّم لجفاة الأعراب لئلا يفتتنوا، فالناس أجناس، والناس درجات، والناس معادن، هناك أشخاص عندهم غلظة، عندهم فظاظة، عندهم شدَّة، عندهم قسوة، فكيف عامل النبي عليه الصلاة والسلام هؤلاء؟ 

     كان عليه الصلاة والسلام يتحمَّل جفوة الأعرابي ويلاطفه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ((مَنْ بَدَا جَفَا)) فكان عليه الصلاة والسلام يتحمل جفوة الأعرابي، ويلاطفه، ويقابل غلظته بلطيف المقال والحال، وذلك لتثبيته أو من أجل ألاّ يُفتن، ويسلك به مسالك الرحمة، واللين، والتؤدة لئلا ينفر ويشرُد.  

     فسيد الخلق، زعيم أمة، قائد أمة، نبي، رسول، يمسكه أعرابي من ثوبه ويشده إلى أن يؤثِّر في صفحة فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:  (( كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ قال: صدق إنه مال الله أعطوه ما يريد )) مع سيد الرسل أمسكه من ردائه وجذبه حتى أثَّر في عنقه، وقال: يا محمد ـ باسمه ـ أعطني... هكذا كان عليه الصلاة والسلام يعامل جفاة الأعراب. 

     وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " إِن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم يستعينه في شيء، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلَّم شيئاً ثم قال له: " أأحسنت إليك؟ " قال الأعرابي: لا ولا أجملت. فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه. فأشار النبي الكريم إليهم أن كفوا، فلما قام النبي عليه الصلاة والسلام، وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت فقال:  (( إنما جئتنا تسألنا فأعطيناك، فقلت ما قلت " فزاده النبي الكريم شيئاً وقال: " أأحسنت إليك؟ ))  قال: نعم ـ يعني الآن العطيّة معقولة ـ فجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيرا. فقال النبي الكريم:  (( إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت، وفي نفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم ـ الذي قلته لي قل لهم إياه ـ)) فلما جاء الأعرابي قال عليه الصلاة والسلام:  (( إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه فقال ما قال )) ولم يعد قوله، النبي ما ذكر مقالته ـ بل قال:  إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه فقال ما قال، وإنَّا قد دعوناه فأعطيناه، فزعم أنه قد رضي، كذلك يا أعرابي ـ أصحيح ـ؟ فقال الأعرابي: نعم جزاك الله من أهل عشيرةٍ خيراً.   اسمعوا التعليق: فقال عليه الصلاة والسلام:  (( إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجلٍ له ناقة، فشردت عليه، فاتَّبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فقال لهم صاحب الناقة: خَلُّوا بيني وبين ناقتي، فأنا أرفق بها منكم، وأنا أعلم بها، فتوجَّه إليها صاحبها، وأخذ لها من قُمام الأرض  ـ أي حشيش، أي من نبات الأرض ـ ودعاها حتى جاءت واستجابت وشدَّ عليها رحلها، وإني لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار )) 



المصدر: الشمائل المحمدية إصدار 1995 - الدرس : 11 - زيارته لضعفاء المسلمين عامة ولأهل الصفة خاصة