بحث

عظيم شجاعته صلى الله عليه وسلَّم

عظيم شجاعته صلى الله عليه وسلَّم

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الإخوة،  مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، عظيم شجاعته صلى الله عليه وسلَّم.  

     قال سيدنا علي رضي الله عنه في وصف النبي:  "كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس صبراً، وأشجعهم قلباً، وأصدقهم لهجةً، وألينهم عريكةً، وأكرمهم عشرةً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اعترت الصحابة المخاوف أسرع بنفسه إلى كشفها وإزالتها" فالنبي الكريم اللهم صلِّ عليه ما أحبَّه أصحابه لأنه رسول فقط، أو لأنه جاء بالقرآن، بل لأنه كان بكل الكمالات البشريَّة متفوِّقاً، فالشجاع إزاءه صغير، والكريم إزاءَه صغير، والحليم كذلك إزاءه صغير، تفوق في كل مكارم الأخلاق، فتفوق النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي جعل أصحابه يخضعون إليه، تفوق بالكمال بكل أنواعه، فسيدنا النبي كان شجاعاً. 

     وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "ما رأيت أشجع، ولا أنجد، ولا أجود، ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم إذا ألمَّت بهم الملمَّات وأحاطت بهم المخاوف لاذوا بجنابه الرفيع، واحتموا بحماه المنيع صلى الله عليه وسلَّم". 

     وقال سيدنا علي كرَّم الله وجهه: " كنا ـ أي معشر الصحابة ـ إذا حمي البأس أو اشتد البأس واحمرَّت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه"، حتى في الحرب هو الأول، أقرب إنسان للعدو هو رسول الله، كان أصحاب النبي يحتمون به من بأس العدو. قال: " ولقد رأيتني يوم بدرٍ ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلَّم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذٍ بأساً على الأعداء ".  

     ومن عظيم شجاعته صلى الله عليه وسلَّم: 

  • عَنْ أَنَسٍ قَالَ:  ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ يَقُولُ لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ فَقَالَ لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ))    سُمعت أصوات مخيفة، لَعلَّهُ غزوٌ مفاجئ، لعلها غارة صاعقة، فهم خافوا، فخرجوا، فإذا بالنبي قد استطلع الخبر وعاد على فرسٍ عريٍّ وفي عنقه سيف وقد استطلع الخبر وقال:  ((لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا)). 
  •   أما يوم  حنين ـ والله عزَّ وجل قال:  ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾    في يوم حنين وقد ألقى الله الرعب في قلوب الصحابة، لأنهم قالوا: " لن نغلب من قلَّة "، فاعتدّوا بقوَّتهم، قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ:  ((يَا أَبَا عُمَارَةَ أَفَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ أَوْ كَثِيرُ سِلَاحٍ فَلَقُوا قَوْمًا رُمَاةً لَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ فَاسْتَنْصَرَ وَقَالَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّهُمْ))  وهذه نقطة مهمة جداً: لو كان النبي يدعي النبوة لكان في حنين ولَّى هارباً، أما لأنه نبيٌ صادق، وهو واثق من نصر الله له فهو ثابت في أرض المعركة، فعندما أقدم النبي اللهم صلِّ عليه والموت محقق، لولا أنه نبيٌ صادق لما أقدم، ولولى هارباً، قال:  " أنا النبي لا كذب ـ أي ليست نبوتي كذباً ـ أنا ابن عبد المطلب " . 
  • عن عروة بن الزبير:  أن أُبَيَّ بن خلف المشرك قال يوم أحد: أين محمد لا نجوت إن نجا". قال: " وقد كان أبيّ يقول للنبي صلى الله عليه وسلَّم حين افتدى يوم بدر: " عندي فرسٌ أعلفها كل يومٍ فرقاً ـ أي مكيالاً كبيراً ـ من ذرةٍ لأقتلك عليها"، فقال عليه الصلاة والسلام: " أنا أقتلك إن شاء الله" ـ هذه الثقة ـ فلما رأى أبيُّ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم يوم أحد، شدَّ أبي بن خلف على فرسه، يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فاعترضه رجالٌ من المسلمين، فقال عليه الصلاة والسلام هكذا: " تنحوا ولا تحولوا بيني وبين أبيّ بن خلف"، وتناول النبي الحربة من الحارث بن الصمَّة الصحابي، فانتفض النبي بها انتفاضةً ـ أي قام بالحربة قومةً سريعةً ـ تطايروا، أي أبيّ بن خلف ومن معه من الكفار، تفرقوا فارِّين بسرعة كالطيور، ثم استقبل النبي أبيّ بن خلف بالحربة، فطعنه في عنقه طعنةً تدأدأ ـ أي سقط ـ منها عن فرسه مراراً. وقيل: بل كُسر ضلعٌ من أضلاعه، فرجع أبيّ بن خلف إلى قريش وهو يقول: " قتلني محمد "، وهم يقولون: " لا بأس بك " فقال لهم: " لو كان ما بي من الألم والشدة لجميع الناس لقتلهم، أليس قد قال: أنا أقتلك، والله لو بصق علي لقتلني".  ثم مات أبي بن خلف بشرفٍ في قفولهم إلى مكة، أي حين رجعوا إلى مكة. 


المصدر: الشمائل المحمدية إصدار 1995 - الدرس : 13 - كرمه - شجاعته