أيها الإخوة الكرام ؛ مع الشمائل المحمديَّة ، التي كان عليه الصلاة السلام يتحلَّى بها ، تكريمه صلى الله عليه وسلم أهل الفضل .
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(الخير مع أكابركم)
والمعنى : كلمة أكابر أعتقد في هذا العصر لها مفهوم آخر الأكابر الآن الأغنياء ، أما الأكابر الذين ورد ذكرهم في الحديث الشريف هم أهل الفضل ، أهل العلم وأهل الدين ، الوجهاء ، الأتقياء ، الورعون ، الذين يخدمون الناس ، هذا معنى أكابر ..
والحديث الشريف :
(لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)
قضية توقير العلماء هذه قضية لها معنى دقيق ، العلم يقدَّم بلا مقابل ، فهذا الإنسان الذي يعلمك لا يريد شيئاً، لا مكافأة مادية ولا معنوية ، إلا أن المودَّة تثلج صدره ، والمودة تنسيه تعبه ،
لكنْ قد تجد آباء عقلاء في منتهى الأدب ، فأحدهم يكرم معلم ابنه ، ويحترمه ، أحياناً يخدمه ، لأن ابنه عنده، وبعض الآباء لجهلٍ بأصول التربية إذا أخطأ المعلم خطيئة يكيلون له الصاع صاعَين .
من ذلك التكريم إكرامُ النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس.الشيء الدقيق أن الله عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها أنْ كان له عم أتى النبي صلى الله عليه وسلَّم ، فلما رأى عمه العباس قام إليه وقبَّل ما بين عينيه ، ثم أقعده عن يمينه ، ثم قال : (هذا عمي فمن شاء فليباهِ بعمه، فقال العباس : نعم القول يا رسول الله
نبيٌ يقف ، ويستقبل عمه ، ويقبله ، ويجلسه عن يمينه ويقول : هذا عمي فمن شاء فليباهِ بعمه)
خطب عمر مرةً فقال :
(يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده ...)
بالمناسبة العم والد ، والخالة والدة ، فالذي له خالة أو له عم ينبغي أن يصلهما ، وأن يوقرهما ، وأن يبرهما كما لو كان هذا الإنسان أباه ، أو كما لو كانت هذه الخالة أمه .
فيقول سيدنا عمر :
(إن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده يعظمه ، ويفخمه ، ويبرُّ قسمه ، فاقتدوا برسول الله في عمه العبَّاس )
وكان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يعظِّمون العباس ويكرِّمونه اتباعاً للنبي ،
قال ابن شهاب:
(كان الصحابة يعرفون للعباس فضله فيقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه)
عن أبي الزناد أنه قال:
(لم يمر العباس بعمر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ وهما راكبان إلا نزلا عن دابتهما ، حتى يجوز العباس إجلالاً له ويقولان : عمّ رسول الله)
الدين كله أدب .
قال : من لطائف أدب العباس ـ عم النبي صلى الله عليه وسلم ـ مع النبي ، قيل للعباس :( أأنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلَّم ؟ فقال : هو أكبر مني وأنا ولدت قبله)
عن الشعبي أنه قال :
ذهب زيد بن ثابت رضي الله عنه ليركب ، فأمسك ابن عباسٍ رضي الله عنهما بالركاب ـ أي ركاب الدابة ـ (فقال : تنحَّ يا ابن عم رسول الله ، قال : لا ، أُمِرْنا أنْ نفعل هكذا بالعلماء والكبراء)
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال :
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ومعه أبو بكرٍ وعمر وأبو عبيدة بن الجرَّاح في نفرٍ من أصحابه ، إذ أُتي بقدحٍ فيه شرابٌ ، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أبا عبيدة ، فقال أبو عبيدة : (أنت أولى مني يا نبي الله . قال: خذ . فأخذ أبو عبيدة القدح وقال قبل أن يشرب : خذ يا نبي الله ، قال صلى الله عليه وسلَّم : " اشرب - قدَّمه على نفسه اللهمَّ صلِّ عليه - فإن البركة مع أكابرنا ، فمن لم يرحم صغيرنا ويجل كبيرنا فليس منا)
طبعاً أكرم النبي الكريم أبا عبيدة بأن أمره أن يشرب قبله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:
(إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)
لا مغالاة ولا مجافاة ، الذي يحمل القرآن غير الغالي فيه ، ولا الجافي عنه ، مَن هجر القرآن ، فهذا الجافي عنه ، بالغ ؛ تجاوز الحد المعقول في تفسيره ، وأوله تأويلاً ما أنزل الله به من سلطان، فهذا مبتدع ، أما إذا لم يكن لديه غلو ولا مجافاة ، فإكرام حامل القرآن من إكرام الله تعالى .
من هو الثالث ؟
(إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)
أي إذا كان يوجد (قائم مقام) أخلاقه عالية ، وشريف ، ويده نظيفة فاحترمه وهذا هو الصواب ، إذا كان الإنسان ذو المنصب مستقيمًا ، معروفًا بالعدل ، نظيفًا ، يخدم الناس ، فإكرامه من إجلال الله عزَّ وجل ، إكرام السلطان المُقسط من إجلال الله عزَّ وجل .