أيها الإخوة الكرام؛ مع الشمائل المحمديَّة، التي كان عليه الصلاة السلام يتحلَّى بها، يُحَسِّن الأمر الحسن، ويمدح على ذلك تكريماً لمن أحسن فيه، وتنشيطاً لهمَّته، ويقبِّح الأمر القبيح ويردُّه .
هناك أشخاص لهم طباع عجيبة، فمن حولهم مهما تفوَّقوا، مهما أبدعوا، مهما تقرَّبوا، فلا يُحسِّن حسنهم، ولا يُثني على أفعالِهم، هذا مما يسبب تثبيط همَّتهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يحسِّن الحسن، فمثلاً حولك إنسان قدَّم اقتراحًا لم يخطُر في بال أحد، فتجد شخصًا يسمع فقط، فيطبقه، ويستفيد منه، من دون أنْ يتكلَّم كلمة واحدة، بينما تجد شخصًا آخر يقول له : الله يجزيك الخير، والله هذه النقطة كانت غائبة عني، فأحسَنَ اللهُ إليك، لقد أكرمتني بهذا الاقتراح، فهذا التشجيع شيءٌ جميل، إذًا فمَن قدَّم لك اقتراحًا، نصحك نصيحة، لَفَتَ نظرك إلى شيء، تفوَّق أمامك، خدمك، فاشكُرْهُ، وكرِّر الشكر، أحياناً يكون الموظف في محل تجاري بقي مع صاحب المحل ساعتين بعد الدوام، فكأنه ما عمل شيئًا، لكن لو قال له : لقد أخرناك، وجزاك الله خيرًا، خجلنا منك، فقد حصلتْ مودة، وقد ترى شخصًا مهما أبدع الناس، فالذين حوله في أعمالهم، مهما تفوقوا، مهما أتقنوا، مهما أخلصوا، مهما ضحوا لا يتكلم بكلمة ثناء عليهم، وهذا مما يثبطهم في أعمالهم، بالإضافة إلى بخسهم حقَّهم .
إخواننا الكرام ؛ هذه نقطة مهمة في تربية الأولاد، فلو كان لابنك موقفَ أمانةٍ فاشكُرْه على أمانته، عندك موظَّف دوامه جيِّد، من حين لآخر قل له : أنا مسرور من دوامك، فيشعر الذين حولك أنك تقدر الجميل، فالنبي كان يحسِّن الحسن، ويمدح صاحبه، لا تضن بكلمةٍ ثناء، لا تضن بكلمة مدح، لا تضن بكلمة تقدير لزوجتك، لأولادك، لموظَّف عندك بالمحل، صانع بعثته لحاجة فقضاها بسرعة، فقل له : ما شاء الله لم تتأخّر، أحسنتَ، والله شيء جميل، بكلمة تجده انطلق وضاعف جهوده، بينما هناك شخص مهما أحسنت، ومهما تفوقت، وبذلت، و ضحيت تجده لا ينبس بكلمة، ولا بشكر، ولا ثناء كأنك لم تفعل شيئاً .
صحابي دخل ليلحق ركعة مع رسول الله فأحدث جلبة وضجيجًا، وشوَّش على الصحابة صلاتهم، فلما انتهى النبي من صلاته، توجَّه إليه وقال له :
(زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ)
وفيما يتعلَّق بإدارة البيت، فإنْ كان الأكل طيبًا، والبيت نظيفًا، الأولاد لابسين مهندمين، فقل لزوجتك : الله يعطيك العافية، والله شيء جميل، ابنك أخذ علامات جيدة فأثنِ عليه، امدحه فلا مانع، شجِّع الناس، هذه من خصائص النبوَّة، أو من شمائل النبي اللهمَّ صلِّ عليه .. كان يحسِّن الأمر الحسن، ويمدح صاحبه تكريماً لمن أحسن
دَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ (فَقَالُوا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدِّثِينَا عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ سَوَاءً) ثُمَّ نَدِمْتُ فَقُلْتُ أَفْشَيْتُ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(قَالَتْ فَلَمَّا دَخَلَ أَخْبَرَتْهُ فَقَالَ أَحْسَنْتِ)
أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على ماقالت
عن طلق بن علي الحنفي قال :
بنيت المسجد مع رسول الله، فأخذت المسحات بمخلطة الطين فكأنه أعجبه فقال : (دع الحنفي والطين فإنه أضبطكم للطين)
رجل قدَّم لك حاجة قد صنعها بنفسه، فقل له : شيء جميل، والله متقنة، الله يعطيك العافية، القصد أنك عندما تثني على المحسن، وتقدر المتقن، وتعرف قدر التضحية التي قُدمت لك، هذا مما يشجع على فعل الخير.
فإذا خدمك شخصٌ فاثنِ عليه، وإنْ تَفَوَّق فكافِئْه، أو قدَّم لك خدمة فاشكره، وإنْ أحسن ابنك فامدحه، حتى نشجع العمل الطيب، هذا من شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم .
قال النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)
ذات مرَّة أحد الصحابة حفر قبرًا لصحابي قد توفي، ولما سوى القبر لم يسوِّهِ كما ينبغي،
فقال النبي الكريم :
(إن هذا لا يؤذي الميت ولكنه يؤذي الحي)
فلا بدّ مِنْ إتقان العمل، فكان عليه الصلاة والسلام يحسِّن الحسن ويصوبه، ويمدح صاحبه تشجيعاً له، وكان يقبِّح القبيح ويوهِّنه، وإذا عمِل شخصٌ عملاً سيئًا فلا تقل له : أحسنت، بمعنى أنه إنسان جيِّد، فهذا كلام خطير، يجب أن تقبِّح القبيح وأن توهِّنه وأن تنصح صاحبه .