بحث

عندما توحد الله حقاً... تراقبه

عندما توحد الله حقاً... تراقبه

بسم الله الرحمن الرحيم

     من لوازم الإيمان بالله وتوحيده أن تراقبه، ومقام المراقبة مقام واضح جداً عند المؤمنين، وألح وأكرر: أن العقيدة ليست أن تعلم ما ينبغي أن نعتقد، ولكن أن تعلم ما ينبغي أن نعتقد، وما ينبغي أن تكون عليه بناءً على هذه العقيدة، جانب ينبغي أن تعتقده، وجانب ينبغي أن تكون عليه، وحينما أهمل الجانب الثاني من العقيدة, فإني أهمل بذلك شطر الإيمان، ينبغي أن تقول: الله واحد، وينبغي أن تتجه إليه وحده .  

     المراقبة في الحقيقة مقام كبير، أن تراقب الله، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعله أعلى مقام، سماه مقام الإحسان. يقول عليه الصلاة والسلام:  ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)). لذلك أفضل إيمان: أن تؤمن أن الله يراقبك، وأنك تحت المراقبة، وإن ربك بالمرصاد. قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ((إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَإن غَيْرَةُ اللَّهِ: أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ)).  من أنواع المراقبة:

مراقبة القلب:

     قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) ، سيدنا عمر قال:  تعهد قلبك ، القلب بيت الرب. البيت منظر الرب، طهرت منظر الخلق سنين، تعتني ببيتك وغرفة الضيوف، تعتني بثيابك، بمركبتك، تعتني بمدخل بيتك، تعتني بمكتبك التجاري، أفلا طهرت منظري ساعة؟. لذلك: هناك من المقصرين من يكون الله أهون الناظرين إليه، يستحي من صديق، يستحي من أستاذ، يستحي من قريب محتم، ولا يستحي من الله. لذلك المراقبة درجات وأنواع، لكن أبرزها: أن تراقب قلبك، هل يحب غير الله؟ هل يعتمد على غير الله؟ هل يرجو غير الله؟ هل يخاف من غير الله؟ هل يتوكل على غير الله؟ مراقبة القلب . ((احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)) . القلب ساكت، هناك خواطر لا ترضي الله، وهناك خواطر فيها معاص، وخواطر فيها حقد، وخواطر فيها حسد، وخواطر بها تشفٍّ، وخواطر فيها قيد، راقب قلبك. 

 

مراقبة اللسان:

     إذا أحسنت مراقبة قلبك راقب لسانك، فينبغي أن تعدّ كلامك من عملك، قال الله تعالى:  ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾،  قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ((إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ, ومَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ, ومَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ))  وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ, لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا, يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ)). 

 

مراقبة الجوارح:

     هل تنظر هذه العين إلى عورة؟ قال تعالى:  ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ و قال تعالى:  ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ مراقبة الجوارح، هل تبطش هذه اليد؟ هل تتحرك بالباطل؟ هل تقودك رجلاك إلى مكان منكر؟. 

 

مراقبة الخلق والسلوك والنفوس والمشاعر:

     اتق الله حيثما كنت؛ في إقامتك، وفي سفرك، اتق الله مع الناس، وفي خلوتك، وأنا أبشر أن الذي لا يختلف بين خلوته وجلوته، ولا بين إقامته وسفره، ولا بين ما يعلن ويسر, فهذه بشارة طيبة جداً، ظاهرك كباطنك، وباطنك كظاهرك، سرك كعلانيتك، وعلانيتك كسرك، خلوتك كجلوتك، وجلوتك كخلوتك، سفرك كإقامتك .  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ, وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))  لا بد من ضبط شمولي؛ أن تضبط قلبك، أن تراقب قلبك، وأن تراقب لسانك، وأن تراقب جوارحك ، وأن تراقب كسب المال. قال عليه الصلاة والسلام:  يأتي على الناس زمان, لا يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام؟ وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وإن أطيب الكسب كسب التجار, الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا  

 

مراقبة الله في القوة والعافية:

     سيدنا موسى حينما سقى المرأتين، رأى أن هذا عمل صالح كبير، وهو فقير إليه، لذلك الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، والفقر الحقيقي فقر العلم الصالح. يقول الله عز وجل:  ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾. أحياناً مع القوة, والشباب, والوسامة, والجمال, والأناقة, والغنى, ينشأ حالة خطيرة وصفها النبي عليه الصلاة والسلام, فقال:  ((لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر, ما هو أكبر من الذنب؟ قال: العجبَ العجب)) أن تعتد بحالك، تعتد بشكلك، تعتد بطولك، تعتد بوسامتك، تعتد بأناقتك، تعتد بنسبك، تعتد بوظيفتك، بمركزك، بشهادتك، بمكانتك، تشعر أنك فوق الناس.

 

مراقبة الله عز وجل في الوقت: 

     أحياناً يضيع من الوقت كمّ كبير لهدف حقير، أنت وقت، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، ينبغي أن ينفق بترشيد، لذلك الآن في إدارة الوقت لا يعقل أن تستهلك استهلاكاً رخيصاً. قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ, حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ, وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟)). النبي عليه الصلاة والسلام أقسم الله بعمره الثمين, قال تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.



المصدر: العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 28 - مستلزمات التوحيد -8- المراقبة والإستقامة