بحث

مُراقبة الله تعالى

مُراقبة الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

من لوازم الإيمان بالله وتوحيده أن تراقبه، ومقام المراقبة مقام واضح جداً عند المؤمنين، وألح وأكرر العقيدة ليست أن تعلم ما ينبغي أن نعتقد فقط، بل وما ينبغي أن تكون عليه بناءً على هذه العقيدة، أي جانب ينبغي أن تعتقده، وجانب ينبغي أن تكون عليه، وحينما أهمل الجانب الثاني فإني أهمل بذلك شطر الإيمان، ينبغي أن تقول: الله واحد، وينبغي أن تتجه إليه وحده. 

مراقبة الله أعلى مقام:  

منزلة المراقبة، هذه المنزلة ذاتُ أهميةٍ كبيرةٍ في طريق الإيمان لأنَّ الإنسانَ إذا أيقنَ أنَّ الله يُراقِبهُ استقامَ على أمره فَسَعِدَ في الدنيا والآخرة، الآيات القرآنية المتعلقةُ بهذه المنزلة يقول الله عزّ وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ  

يعني يجب أن تعلمَ أنَّ اللهَ يعلم، فإذا عَلِمتَ أنَّ الله يعلم أخذتَ الحِذرَ من أن تعصيهُ وهذا هو سِرُ النجاح مع الله عزّ وجل.  

آية ثانية من آيات المراقبة وهي قولهُ تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً  

لاشكَ أنَّ أحدنا إذا عَلِمَ أنهُ مُراقب فإنهُ يُبالغُ في الانضباط، يُبالغُ في مراجعةِ نفسهِ في كلماتهِ، وفي حركاتهِ، وفي سكناتهِ، هذا إذا راقبهُ إنسان والإنسان مراقبتهُ محدودة يستطيع أن يكتب ما قُلت وأن يُصوّر ما تحركّت ولكنهُ لا يستطيع أن يكشف ما في نفسك ولا ما في ذهنك، المراقبة المحدودة من قِبِلِ إنسانِ ضعيفٍ مثلك تدعوكَ إلى الانضباط التام فكيف لو علمتَ أنَّ الواحدَ الديّان يُراقِبُك، أنَّ الله عزّ وجل الذي يعلم السرَّ وأخفى مُطّلعٌ عليك، ناظرٌ إليك، يعلمُ سِركَ و جهرك، ما أخفيتَ وما أعلنت، ما أبطنتَ وما أظهرت،   

وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً  

لا عليك فقط بل على خصومكَ وعلى سائر المخلوقات.   

وآيةٌ ثالثة من آيات المراقبة:  هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  

وهذه معيّةٌ عامة، الله سبحانه وتعالى معَ كلِّ مخلوق مؤمن كانَ أم كافر،   

وآيةٌ رابعة يقول الله عزّ وجل: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى  

مُطلّعٌ عليك.. وآيةٌ خامسة: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ  

يعني.. الإنسان في عين الله، بمعنى أنه يراه، وفي معنى آخر أنه يحفظهُ، نقولُ هذا الابنُ في عينِ أمهِ يعني أمهُ تحوطهُ بالرعاية والاهتمام بمعنى أنها تعلمُ أينَ هوَ وماذا يفعل وبمعنى أنها تحوطهُ بالرعاية والاهتمام.  

الآية الأخيرة: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ  

وما من مخلوقٍ على وجه الأرض يستطيع أن يكشفَ خيانةَ العين إلا الله، هو وحدهُ يعلم خائنة الأعين، وأنا دائماً أسوق هذه الآية ذلكَ المثل: طبيبٌ مسموحٌ له أن ينظرَ إلى جسدِ المرأة لكنَّ الشرعَ سمحَ لهُ أن ينظرَ إلى موضع العِلّةِ فقط فلو سبقتهُ عينهُ إلى مكانٍ آخر هذا شيءٌ لا يستطيعُ مخلوقٌ أن يطلّعَ عليه إلا الله.   

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ  

وقد تكونُ في بيتك وحدك تفتحُ نافذةُ جارك تقفُ أمامها امرأة، لا يمكن لأحدٍ أن يطلّعَ على هذه المخالفة لو ملأتَ عينيكَ منها إلا الله، فإذا نظرت يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.  

إذاً:    

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ   

وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا   

وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ   

أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى  

فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا  

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ  

كلُّ هذه الآيات تتضافر ليكونَ منها منزلة يجب أن يتحلّى بها المؤمن وهي منزلة المراقبة  يعني أن يشعر وأن يوقن أنَّ الله يُراقبهُ.  

كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الإِيمَانُ قَالَ الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الإِسْلامُ قَالَ الإِسْلامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ  

المراقبة أيها الإخوة الكرام في الحقيقة مقام كبير، أن تراقب الله، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعله أعلى مقام، سماه مقام الإحسان،   

أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ  

حتى في بعض الأدعية النبوية: يقول عليه الصلاة والسلام:  اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك   

أيها الإخوة الكرام: يقول عليه الصلاة والسلام يخاطب أحد أصحابه، وهو عبد الله بن عباس،   

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ:   

يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ،وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ  

أي أن الأمر كله بيد الله، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.  

تعريف المراقبة:  

المراقبة دوام علمِ الإنسان وتَيقُنِهِ بإطلاّعِ الحقِّ عليه سبحانهُ وتعالى على ظاهره وعلى باطنه، فاستدامتهُ لهذا العِلمِ واليقين هي المراقبة.  

أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ  

متى تكون مراقب لله:  

أولا: عندما تشعر بأنه يراقبك دائماً:  

سؤال الآن.. لو أنهُ من حينٍ لأخر شعرتَ أنَّ الله يُراقبك هل أنتَ في حال المراقبة.. الجواب: لا.. إذا دامَ هذا الشعور وشعرتَ أنَّ الله يُراقبك في كلِّ أحوالك، في حركاتك وسكناتك، في كلِّ نشاطاتك، في خلوتك في جلوتك، في لهوِكَ في جِدك، في عملك في بيتك، في الطريق، إذا سافرت إلى أماكن بعيدة.... إذا استدامَ حالُ المُراقبة، إذا استدامَ شعورُكَ أنَّ الله يعلم وأنَّ الله مُطلّعٌ عليك وأنَّ الله يُراقِبك، فأنتَ في مرتبةٍ من أرقى المراتب ومن أهم المراتب ومن أكثرها فائدةً لك إنها حالُ المُراقبة.   

أنتَ في حال المُراقبة تعبد الله باسم الحفيظ والرقيب والعليم والسميع والبصير هذه الأسماء الحُسنى الخمس كُلُها تؤدي معنى المُراقبة.. إذا تكلّمت فهو سميع، وإذا تحركت فهو بصير، وإذا أضمرت فهو عليم، وإذا خرجتَ من بيتك فهو الرقيب، وإذا عَمِلتَ عملاً فهو الحفيظ، في نسخة كلّ حركاتك مُسجلّة عِندَ الله عزّ وجل.   

حفيظٌ ورقيبُ وبصيرٌ وسميعُ وعليمٌ. الحركة بصير، الكلام سميع، الإضمار ما في الداخل عليم، الحفيظ الأعمال مُسجّلة موثّقة، المُراقب يعني لكَ بالمرصاد.  

وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ   

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ  

الآية دقيقة جداً ليس فقط بالمرصاد أي يُعاقب على ما اقترفتهُ يداك، بل معنى بالمرصاد أيضاً أنه يراكَ وسوفَ يُعاقبُك.   

ثانيا: عندما تشعر بعظمة الله:  

لاحظ نفسك إذا جاءكَ ضيف له حجم معين بالمجتمع، صديق يحمل شهادة ثانوية متفوق فدخلَ عليكَ أستاذ جامعي لاحظ نفسك تستقبل الأستاذ الجامعي وتنظر إليه وتُحدّثهُ وتنصرفُ إليه بكليّتك وتنسى أنَّ في الغرفةِ طالب آخر.. ماذا حصل.. هذا الإنسان الثاني صرفكَ عن الأول فإذا أنت في بعض ساعاتك في عملك في حرفتك في مكتبك في متجرك في معملك في بيتك في شيء صرفَكَ عن أنَّ الله يُراقُبك هذا الحال حالٌ خطيرة.... من علامة صِدق المُراقبة أن شيئاً مهما بدا عظيماً لك لا يصرفُكَ عن ملاحظةِ عظمةِ اللهِ لك التي تُراقُبك.  

لذلك.. أهل الله، أهلُ القُرب، المؤمنون الصادقون، لا تغيب عظمة الله عن أذهانهم أبداً بدليل أنَّ هذا الاستعظام للهِ عزّ وجل لا يصرِفهم إلى غير الله. فهذه الحال امتلاء القلب من عظمة الله عزّ وجل بحيثُ يذهلُ عن تعظيم غيره..   

درجات وأنواع المراقبة:  

أولا: مراقبة القلب:   

سيدنا عمر قال:  تعهد قلبك   

القلب بيت الرب  

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ  

البيت منظر الرب، طهرت منظر الخلق سنين، تعتني ببيتك وغرفة الضيوف، تعتني بثيابك، بمركبتك، تعتني بمدخل بيتك، تعتني بمكتبك التجاري،   

البيت منظر الرب، طهرت منظر الخلق سنين، أفلا طهرت منظري ساعة؟  

لذلك هناك من المقصرين من يكون الله أهون الناظرين إليه، يستحي من صديق، يستحي من أستاذ، يستحي من قريب محترم، ولا يستحي من الله.  

لذلك المراقبة درجات وأنواع، لكن أبرزها أن تراقب قلبك، هل يحب غير الله؟ هل يعتمد على غير الله؟ هل يرجو غير الله؟ هل يخاف من غير الله؟ هل يتوكل على غير الله؟ مراقبة القلب،   

احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ  

تعاهد قلبك، أخوك أصابه خير، فتألمت، هذا مؤشر خطير، لو أنك تراقب قلبك لقلت: هذه صفات المنافقين، قال تعالى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ  

إذا أصاب أخاك خير فتألمت فهذه علامة النفاق، وإن أصاب أخاك شر ففرحت فهذه علامة النفاق، لو لم تفرح ارتحت، ما تكلمت ولا كلمة، لكنك ارتحت لهذا المصاب الذي ألمّ بأخيك، فهذا علامة النفاق، هذه مراقبة القلب، أن تراقب قلبك، أن تحاسبه في حسد، في غيرة، في حقد، في تشفٍّ، في شرك، في تعلق بغير الله، في اعتماد على المال فقط، اعتماد على صديق قوي فقط،   

الصحابة الكرام ومعهم خير الأنام، وفي معركة فاصلة في حنين قالوا: لن نغلب من قلة،   

اعتمدوا على عددهم فخذلهم الله عز وجل.  

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ  

ثانيا:  مراقبة اللسان:  

قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ  

مرة قرأت في مجلة تعليقًا، أنك أنت أخلاقي، لأنك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، يعني ما من كلمة تسفه الأخلاق كهذه الكلمة، لماذا أنت أخلاقي؟ لأنك ضعيف، ولماذا أنت ضعيف؟ لأنك أخلاقي، هذه الكلمة الذي كتبها قد لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً.  

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ  

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَنْ صَمَتَ نَجَا  

قال عبد الله رضي الله عنه يا لسان قل خيراً تغنم، اسكت تسلم من قبل أن تندم  

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه  

ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:  ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته  

فينبغي أن تعدّ كلامك من عملك   

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... فَقَالَ:   

قَالَ رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ،وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ  

قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة،   

قالت عائشة عن صفية: إنها قصيرة يا رسول الله، قال:  يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته  

وصفتها بما هو فيها بكلمة قصيرة فقط.  

ثالثا: مراقبة الجوارح:   

قال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ  

قال تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  

لذلك أفضل إيمان أن تؤمن أن الله يراقبك، وأنك تحت المراقبة، وإن ربك لبالمرصاد.  

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ،وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ  

هذا بند ثالث: مراقبة الجوارح، هل ينطق هذا اللسان بالباطل؟ هل تنظر هذه العين إلى عورة؟ هل تستمع هذه الأذن إلى ما لا يجب أن تسمعه؟ مراقبة الجوارح، هل تبطش هذه اليد؟ هل تتحرك بالباطل؟ هل تقودك رجلاك إلى مكان منكر؟   

مراقبة القلب أولاً، ثم مراقبة اللسان ثانياً، ثم مراقبة الجوارح ثالثاً.  

رابعا: مراقبة الله في الخواطر:  

من راقبَ اللهَ في خواطرهِ عصمهُ في حركات جوارحهِ   

أحياناً الإنسان يسمح لخواطره أن يَردها أشياء لا تُرضي الله يتصور معصية، يتخيل أنهُ يعصي الله، يسوحُ خيالهُ في متاهات البُعدِ عن الله... إذا سَمَحَ لخواطرهِ أن تجولَ في المعاصي أغلبُ الظن أنَّ هذه الخواطر إذا تُركت على عواهنها انقلبت إلى معاص. أنا أقول لكم كلاماً واضحاً. الله سبحانه وتعالى لا يحاسب إلا على العمل ولكن إذا سمحت لخواطركَ بالشطط ربما زلّت قدمك فانقلبت الخواطر إلى عمل، وشيءٌ آخر هو أنَّ مُعظمَ الذين عَصوا ربهم معاصٍ كبيرة هم في الأساس ما أرادوا أن يعصوا هذه المعصية ولكن خاطِرٌ، فنظرةٌ، فكلامٌ، فابتسام، فموعدٌ، فلقاءٌ، ففاحشةٌ. أساسُها خاطر.   

فلذلك من باب الوقاية ومن باب الورع لا تسمحُ لخواطِركَ أن تجولَ في المعاصي مع أنكَ لا تُحاسب على الخواطر لكن نخافُ أن تدعها تجول عندئذٍ تضعفُ عن مقاومتها فإذا أنتَ أمامَ معصيةٍ.   

من راقبَ اللهَ في خواطرهِ عصمهُ في حركات جوارحهِ.  

وقيل أيضاً:   

من تركَ ما أُشتبهَ عليه من المعاصي كانَ لِما استبانَ أترك  

إذا قضية شُبُهة تركها ورعاً هو من بابٍ أولى أنه لن يقترفَ المعاصي البيّنة،   

ومن وقع فيما أُشتبهَ به كان لِما استبان أوقع  

ومن تجرّأَ وارتكبَ معصيةً يعدُّ شُبهةً عِندَ الناس في المرحلة التالية سوف يتجرأ ويقع في المعصية البيّنة الواضحة.   

قال العلماء مجمِعون على أنَّ مراقبة الله تعالى في الخواطر سببٌ لِحفظها في حركات الظواهر  

فمن راقبَ الله في سِرّهِ حَفِظهُ في حركاتهِ في سِرّهِ وعلانيتهِ  

خامسا: مراقبة الله فيما أعطاك:  

أنت قوي شاب، في مقتبل الحياة، القوة ينبغي أن تكون في طاعة الله، كنت مرةً في الحج، والله ما غبط من الحجاج إلا الشباب، شاب نشأ في طاعة الله يطوف بهمة عالية، ويسعى، ويخدم الحجاج، يقول الله عز وجل: إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ  

سيدنا موسى حينما سقى المرأتين، رأى أن هذا عمل صالح كبير، وهو فقير إليه، لذلك الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، والفقر الحقيقي فقر العلم الصالح، لكن أحياناً مع القوة والشباب والوسامة والجمال والأناقة والغنى ينشأ حالة خطيرة وصفها النبي عليه الصلاة والسلام  فقال:  لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر، ما هو أكبر من الذنب قال العجبَ العجب  

أن تعتد بحالك، تعتد بشكلك، تعتد بطولك، تعتد بوسامتك، تعتد بأناقتك، تعتد بنسبك، تعتد بوظيفتك، بمركزك، بشهادتك، بمكانتك، تشعر أنك فوق الناس،   

عالم جليل توفاه الله عز وجل اضطر لإجراء عملية في إحدى البلدان المتطورة طبياً، وانهالت الرسائل بشكل عجيب، إلى أن أقيم معه ندوة في إذاعة ذاك البلد، سئل: ما هذا المقام الذي حباك الله به؟ فاعتذر، فلما ألح عليه بالسؤال أجاب إجابة رائعة، قال: لأنني محسوب على الله،   

كلمة محسوب ما فيها كبر، ولا فيها عجب، فيها تواضع، لكن أنا محسوب على خالق الأكوان، لأنني محسوب على الله، وسبحان الله أنا أستمع أحياناً من كبار العلماء أنني أنا طالب علم، أرى هذه الكلمة فيها أدب جم، أنا طالب علم لا أن تقول نحن، معاشر العلماء، ما هذا الكلام، قل: أنا طالب علم، أنت طالب علم،  

قال تعالى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً  

سادسا:  مراقبة الله عز وجل في الوقت:  

أحياناً يضيع من الوقت كمّ كبير لهدف غير ذات قيمه، أنت وقت، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، ينبغي أن ينفق بترشيد، لذلك الآن في إدارة الوقت لا يعقل أن تستهلك استهلاكاً رخيصاً،   

لو ضبطت المواعيد لرشد استهلاك الوقت، لو ضبطت الاحتفالات لرشد استهلاك الوقت، لو ضبط كل شيء بنظام لرشد استهلاك الوقت.   

قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ  

النبي عليه الصلاة والسلام أقسم الله بعمره الثمين قال تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ            

علماء الكبار تركوا مئات المؤلفات، أما الناس بعدم اكتراث ما بعدها عدم اكتراث لا يعملون ولا يقدمون، إلا أنه يستمع، ويشاهد، ويعلق، وله موقف سلبي  دائماً.  

حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ  

هذه الأسئلة سيسألكم الله عنها يوم القيامة وها هو ذا يُخبركم عما سيسألكم ولكن هل أعددتم الإجابه؟   

عن علمك ماذا عملت به، عن مالك من أين اكتسبته، و فيم أنفقته، عن عمرك فيم أفنيته، عن شبابك فيم أبليته؟   

والله مرة أخ يعمل في أعمال لا ترضي الله أبداً، طبعاً قبل أن يكون أخاً لنا، لكنه تاب عقب مرض، والمرض ألح عليه حتى مات، لكن يقول لي: والله أشعر أنني أكاد أموت ندماً على هذا العمر المديد الذي أمضيته في المعاصي، أنا لا أغبط إلا شابًا نشأ في طاعة الله، ليس في الإسلام حرمان، فيه تنظيم،فيه سمو، فيه رقي.   

سابعا: مراقبة الله في الخُلق والسلوك والمشاعر:  

اتق الله حيثما كنت في إقامتك، وفي سفرك، اتق الله مع الناس، وفي خلوتك، وأنا أبشر أن الذي لا يختلف بين خلوته وجلوته، ولا بين إقامته وسفره، ولا بين ما يعلن ويسر فهذه بشارة طيبة جداً، ظاهرك كباطنك، وباطنك كظاهرك، سرك كعلانيتك، وعلانيتك كسرك، خلوتك كجلوتك، وجلوتك كخلوتك، سفرك كإقامتك،   

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ   

أحياناً يكون ثمة تطرف في الدين، يضغط، في الضبط ضبط المشاعر والجوارح مع المرأة جيد، لكن كسب المال فيه كسب حرام، وأحياناً الدين يضبط في الكسب الحلال، وفي التعامل مع الناس، أما مع المرأة ففيه تساهل كبير جداً، أحياناً الضبط فقط في العبادات، لا بد من ضبط شمولي، أن تضبط قلبك، أن تراقب قلبك، وأن تراقب لسانك، وأن تراقب جوارحك، وأن تراقب كسب المال،   

لذلك قال عليه الصلاة والسلام:  يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام.  

وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.  

وإن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا.  

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ  

المراقبة ثمرةٌ من ثمار العِلمِ:  

لأنَّ الله سبحانه وتعالى رقيبٌ عليك لو دخل إنسان إلى متجر وكان خبيراً بما في هذا المتجر من أجهزة وآلات ورأى آلات تصوير وٌضعت في زوايا متعددة من المتجر وقرأ لوحةً كبيرة كُتبَ عليها: الصالة مراقبة تلفزيونياً، إذا قرأ اللوحة ورأى الأجهزة أيُعقل أن يدخلَ ويأخذُ حاجةً ويضعُها في جيبه.. مستحيل.. هُنا أيقن أنهُ مُراقب.   

موظفٌ أجنبي في شركة دخلَ صالةً من صالات البيع ورأى حاجةً غالية الثمن خفيفة الوزن وشعرَ أنَّ أحداً لا يُراقبهُ فأخذها ووضعها في جيبه وعندَ الباب أُلقيَّ القبض عليه وسيقَ إلى سِفارته لينال جزاء عملهِ وكانت فضيحة وهو موظفٌ على مستوىً عالٍ، إذاً لأنهُ ظنَّ أن أحداً لا يعلم تورّطَ في هذه المخالفة، فلو عَلِمَ أنَّ القاعة مراقبة وأنَّ هناك آلات تصوير تُصوّر وتُسجّل أو أنَّ هناك لوحة كُتبَ عليها: القاعة مُراقبة، أنا أضرب لكم أمثلة بسيطة، إذا شعرتَ أنَّ الله مُطّلعٌ عليك وأنتَ في البيت.  

من لم يكن له ورعٌ يصدهُ عن معصية اللهِ إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله.   

إذاً كلُّ عملهِ نِفاقٌ، ورياءٌ. أمّا إذا كانت خلوتهُ كجلوتهِ  سِرّهُ كعلا نيتهِ، ظاهِرهُ كباطِنهِ، فهذا الذي ينجحُ ويُفلح،   

ركعتان من ورع خيرٌ من ألفِ ركعةٍ من مُخلّط  

 مُخلّط: هو الذي خلطَ عملاً صالحاً وآخر سيئاً.   

قال بعض العلماء في المراقبة:  

قالَ الجُنيد:  من تحقق في المُراقبة خافَ على فواتِ لحظةٍ من ربهِ   

يعني.. إذا كُنتَ في حال المراقبة وشعرتَ أنَّ الله معكَ دائماً وأنهُ مُطّلعٌ عليك وأنهُ يعلمُ سِرّكَ ونجواك خِفتَ أن تُضيعَ لحظةً من حياتك.  

وقال ذو النون:  علامة المراقبة إيثارُ ما أنزلَ الله وتعظيمُ ما عظّمَ الله وتصغيرُ ما صغّرَ الله  

يعني.. لاحظ نفسك، قيَمك، مقاييسك، تنطبق على الكتاب والسُنّة، أحياناً تُعظّمُ شيئاً حَقّرهُ الله معناها قيِمك غير إسلامية، قيِمك غير رحمانية، وأحياناً في أشخاص إذا خرجَ من بيتهِ بثياب النوم يَعدُ هذا عملاً همجيّاً غيرَ حضاريّ عملاً بشعاً قبيحاً جداً، أما إذا خرجت امرأته ترتدي أحدثَ الثياب وتُبرز من مفاتنها ما ينبغي أن يخفى يُعدُ هذا رٌقيّاً... انظر للإنسان... هذا عظّمَ ما حقّرهُ الله وحقّرَ من ما عظّمهُ الله. فيجب أن تُلاحظ أن تكون مقاييسك وقيمك وزوايا النظر متوافقةً تماماً معَ ما في الكتاب والسُنّة،   

لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:  طوبى لمن وَسِعتهُ السُنّة ولم تستهوهِ البِدعة  

وقالَ إبراهيم الخواص: المراقبة خلوص السرِّ والعلانية للهِ عزّ وجل من الداخل ومن الخارج، وقيلَ أفضلُ ما يُلزمُ الإنسان نفسهُ في هذه الطريق المحاسبة والمراقبة وإيقاعَ عملهِ مع الحُكم الشرعي  

أن تُراقب نفسك.. بعد المُراقبة في مُحاسبة.. راقبنا هذا الطالب إذا بهِ يَغُش في الامتحان نكتب تقريراً نعطيه الصفر.. إذا راقبَ نفسهُ ثمَّ حاسبها وبعدَ أن حاسبها انتقل إلى مرحلة إيقاعِ عملهِ وفقَ الشريعة.. راقب وحاسب ووفقَ بين حركته وبين العلم الشرعي..   

قال:  إذا جلستَ للناسِ فكُن واعظاً لقلبكَ ونفسك ولا يَغُرّنكَ اجتماعهم عليك  فإنهم يُراقبونَ ظاهرك والله يُراقب باطنك  

لا تغترَّ أن يجتمعَ الناسُ عليك لأنهم يملكون أن يُراقِبوا ظاهِرك وأنت طبعاً ذكي سوف تجعل من ظاهركَ ظاهراً صالحاً، لكنَّ الواحدَ الديان يُراقب قلبك فاجهد أن تُحاسب نفسك قبلَ أن يُحاسبكَ الله عزّ وجل.  

ثمرة المراقبة استقامه في العمل ولذة في الشعور:  

الآن في موضوع أتمنى أن لا يبدو لكم خيالياً:      

أن تشعرَ أنَّ الله يُراقُبك وأنهُ معك وأنكَ مستقيم على أمره، قال هذا الشعور يبعثُ في نفسكَ فرحةً عظيمة ولذّةً لا توجد في أيِّ شيءٍ في الدنيا.  

يعني اسأل أهل الدنيا الذين أكلوا أطيب الأطعمة في أرقى الأماكن وفي أجمل المناظر، يقول لك طعام لا يوصف، والذين غَرِقوا في الملذاتِ إلى قِمةِ رأسهم والذين حصّلوا المجدَ من كلِّ أطرافه هؤلاءِ لو عَرفوا الله وذاقوا طعمَ القُرب يقسمونَ بالله أنَّ كلَّ اللذائذ التي تمتعوا بِها من قبل لا تَعدِلُ لحظة إقبالٍ على الله عزّ وجل.   

لذلك: إذا المؤمن قال وحَلَفَ يميناً مُعظّماً واللهِ ليسَ في الأرضِ من هوَ أسعدُ منّي إلا أن يكونَ أتقى مني لا يحنثُ بيمينه، أنتَ حينما تتصل مع الأشياء الجميلة من طعامٍ من شرابٍ من جوٍ باردٍ في الصيف من جوٍ دافئٍ في الشتاء من مناظر خلاّبة.. يعني أيّ شيء الله أعطاه مسحة من الجمال الله هوَ الجميل. أحياناً ربنا عز وجل يتجلّى على البحر بالجمال يقول لكَ سهرنا سهرة على البحر لا أنساها أمواج لطيفة نسمات عليلة، تركب بالبحر تشعر بالسرور مياه صافية تكاد ترى قعرَ البحر، صفحة الماء كالزيت، هذا تجلّى الله على هذا البحر باسم الجميل،.     

أيام ربنا له أفعال هذه باسم الجميل، تنظر في وجه طفلٍ بريء لا ترى في هذه الأرض كُلها أجمل من هذا الوجه، كُلُهُ صفاء، كُلُهُ براءة، كُلُهُ ذاتيّة،   

فإذا تجلّى عليه باسم الجبار يكادُ القلبُ ينخلع، في أفعال.. البراكين.. يقول لك 80 ألف إنسان تحت الأنقاض، مدينةٌ أصبحت للأشباح، أصبحت أثراً بعدَ عين، تُحس اسم الجبّار.   

أيام تنظر إلى غابة في الربيع تسمع أصوات العصافير تشعر باسم الجميل، فربنا أسماؤه كثيرة جداً يتجلّى في كلِّ أفعالهِ ببعضِ أسمائهِ،   

أيام اسم اللطيف يقول لكَ من هنا مرت الرصاصة شعري احترق.. الشعر..   

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكلِّ شيء حقيقة وما بلغَ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلم أنما أصابهُ لم يكن ليُخطئهُ  

وقف في رأس الوادي السحيق، معلوماتهُ بالقيادة ضعيفة المِقود مضبوط نحوَ الوادي وقبل أن يُشعل المُحرّك أرخى المِكبح فانطلقت نحو الوادي ..( شخص أعرفهُ وزرتهُ في البيت ) إلى أسفل الوادي هو وزوجتهُ وأولادهُ ولم يُصابوا إلا برضوضٍ وبعض الكسور الخفيفة ومن ينظر إلى السيارة يقول أنه لابدَّ من أن رُكابها ماتوا جميعاً.. اسم اللطيف لطف الله عزّ وجل.. أيام تجد اسم اللطيف اسماً واضحاً جداً، أوضح شاهد على اسم اللطيف حينما يذوب سِن الطفل الصغير شيئاً فشيئاً، أنت مهما كنت طبيباً ناجحاً مهما كنت رحيماً لابد من إبرة بنج، لابد من غرز الإبرة بالنيرة، وإذا كان البنج غير ناجح وأثناء قلع الضرس وأثناء قطع العصب يخرج المريض من جلده من الألم.. أليسَ كذلك.. أما ربنا لطيف.. انظر كيفَ تُقلعُ أسنان الطفل الصغير الأولى وهو يأكل يجد كأنه يوجد في بحصة بفمه فيكون ضرسهُ كيف انقطع العصب، كيف ذاب السِن؟ اسم اللطيف.   

الهواء يدلُ على اسم اللطيف بيننا لا يحجُبُنا، يعني لا شيء الهواء، الهواء يحمل طائرة 350 طن، 150طن وزن الطائرة، 150طن وزن الوقود  و50 طن وزن الركاب، وعلى الهواء محمولة،   

الهواء إذا تحرك يقلع مُدناً بكاملها..  عِندي صور مدن كبيرة أصبحت أثراً بعدَ عين قاعاً صفصفاً     

مر إعصار سيليكون سرعته 800 ميل بالساعة، واحد كان ساكن ببيت في مدينة جاءها إعصار ما رأى من بيتهِ إلا مُحرّك سيارته بعد 5 كيلو متر عَرفهُ من الرقم المُحرّك.... تَهُب نسمات أحياناً تشعر بسرور لا يوصف.. اسم اللطيف.. نفس الرياح، سرعة شديدة تُدمر كلَّ شيء بأمر ربها.  

إذا أنت شعرت أنَّ الله يُراقِبُك من ثِمار المُراقبة استقمتَ على أمره تماماً وأحسنتَ إلى خَلقه وأقبلتَ عليه، يجب أن تشعرَ بسرورٍ ولذةٍ لا تجدُهما في شيء آخر، فالذين أكلوا أطيب الطعام والذين سكنوا أفخر البيوت والذين تزوجوا أجملَ الزوجات والذين علا شأنُهم حتى صاروا من عَلية القوم اسألهم جميعاً.. لو أنَّ هؤلاء عَرفوا الله بعدَ ذلك وأقبلوا عليه اسألهم وأنتم في أوجِ عظمتكم، وأنتم في أوجِ قوتكم، وأنتم في أوجِ استمتاعِكم بالدُنيا هل ذُقتم هذه السعادة التي الآن تعيشونها؟ يقولون واللهِ بِملء فمهم: لا والله..   

إذاً: تجدُ اللذّةَ وفرحة القلب، وقُرّةَ العين، وليسّ له نظيرٌ يُقاس به، وهو حالُ أهلُ الجنة، حتى قالَ بعضُ العارفين إنه لَتَمرُ بي أوقاتٌ أقولُ فيها إن كانَ أهلُ الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيشٍ طيب. حتى أنَّ بعضهم فَهِمَ كلام النبي عليه الصلاة والسلام: أبو بكرٍ في الجنة. ما فَهِمَ هذا الكلام على أنهُ سوفَ يدخلُ الجنة فَهِمَ هذا الكلام على أنهُ الآن في الجنة، في جنة القُرب، هو سيدخلُها لكن الآن في جنة.    

وأنا أقول لكم اجهد مع الله في طاعتهِ وفي التقرّبِ إليه وفي خدمة عباده وفي وقفِ كلِّ جُهدكَ وعضلاتكَ ووقتكَ وطاقتكَ وعلمِكَ وأهلِكَ.. أن تَقِفَ كلَّ هذا في سبيل الله، فإذا سمحَ لكَ بالقُرب، إذا تجلّى على قلبك، إذا ألقى في قلبكَ السكينة عندئذٍ تعرِفُ طرفاً من مقام أهل الجنة.   

لو أن أحدكم لو التقى بإنسان من أصدقائهِ القُدامى الذين لم يستقيموا على منهج الله وجلس معهُ ساعة من حديثهُ يشعر أنهُ مقهور، أنهُ ضائع، أنهُ تائه، أنهُ شقي، أنهُ خائف، أنهُ متمزق، أنهُ يخافُ كلَّ شيء، أنهُ يُحسُ بالقهر، اجلس مع مؤمن تجد معنوياته عالية كثيراً، يشعر أنَّ خالقَ الكون يُحبهُ، يشعر أنه في عين الله في رعايتهِ، يشعر أنَّ الله لن يتخلى عنه، تبدل الضائع أخي لازم نعمل فحص دوري بسبب السرطان شيء يُخيف هذا لو ليسَ معه سرطان ولو عاش 80 سنة دون سرطان، هذا ذاق طعم السرطان 80 سنة، لأنكَ إذا كُنتَ تخافُ شيئاً فأنتَ فيه، أنتَ من خوف المرض في مرض.  

أهلُ الدُنيا حينما ابتعدوا عن الله عزّ وجل قَلِقوا يخافون أمراضاً خبيثة، يقول لكَ أخي في إحصاء مُخيف في أمريكا كلّ ستة أشخاص يموت واحد بمرض القلب، ثلث الوفيات من أمراض القلب، وكل النساء يخافون من سرطان الثدي، تجد فحصاً دورياً.. والله شيء يُخيف.. وفي أيضاً أمراض الدماغ يقول لكَ يخاف انفجار بالدماغ.. سُبات... انتهى.. إذا كل واحد يقرأ عن الأمراض لا ينام الليل، يخاف من أمراض المعدة والأمعاء، أو أمراض القلب والشرايين، أو أمراض الدماغ والأعصاب، أو يخاف إنساناً في مركبته ينام يدخل به يدهسهُ ينقطع عمودهُ الفقري يصبح مشلولاً...، فإذا الإنسان بَعُدَ عن الله عزّ وجل فالحياة موحِشة، شيء مُخيف جداً، انظر للمؤمن إذا سافر يقول يارب أنتَ الرفيق في السفر والخليفةُ في الأهلِ والمالِ والولد، أحياناً يصاب الابن بحرق يصبح هذا الابن مصدر شقاء للأسرة كلها مصدر شقاء طوال حياته. فأنت تخاف من التشوه يأتيك مولود مشوّه لمّا تخاف من المرض تمرض، أما إذا كُنتَ مع الله.. الله عزّ وجل يُطمئُنك " فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ".  

أنا أقول لكم والله يا أيها الأخوة زوال الكون أهون على الله من أن يتخلّى عن مؤمن أو أن يُضيّعَ مؤمناً أو أن يجهدَ المؤمنَ في طاعة الله ويجعلهُ في مؤخرة الركب، ليسَ هذا من أخلاق الله عزّ وجل.  

يا أخوان: كلمة يعني وإن كانت قاسية تحملّوها قال من لم يجد هذا السرور ولا شيئاً منه فليتهم إيمانهُ وأعمالهُ، إذا صلاتهُ شكليّة، تِلاوتهُ شكليّة، ولا مرة بكى ولا مرة، ولا مرة قلبهُ اضطرب حُباً لله عزّ وجل، ولا اقشعر جلدهُ ولا مرة شعوراً بخشية الله عزّ وجل، ما شعر أنهُ هو غالٍ على الله، كل العبادات شكليّة يؤديها، قال من لم يجد هذا السرور ولا شيئاً منه فليتهم إيمانهُ وأعمالهُ فإنَّ للإيمان حلاوةً من لم يَذُقها فليرجع وليقتبس نوراً يجد به حلاوة الإيمان:  يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ  

أتحبون الدليل..  

قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا   

ذاق.. الإيمان له طعم، إذا ما في ذوق راجع نفسك، أعد حساباتك، راقب أين الخلل، أين المعصية، أين يوجد الشِرك، أين يوجد تعلّق في الدنيا، أين التقصير... راقب... إذا ما شعرتَ بهذا القُرب وما شعرتَ بهذا الحُب وما شعرتَ بهذا السمو وما شعرتَ بهذه السعادة راجع حساباتك.   

حديثٌ آخر:   

قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ   

إذا واحد من الأخوان المؤمنين له رفيق لا يُصلّي وعاصي لله وهو في أعلى درجات الغِنى والرفاه والبحبوحة، إذا قالَ هذا الصديقُ الأول المُستقيمُ على أمرِ الله هنيئاً لفُلان، أقول لكم إيمانهُ صِفر، لو أنهُ ذاق طعمَ الإيمان لما تمنىَ أن يكونَ مكانهُ، أقول لكم هذا الكلام: إذا تمنيتَ لساعةٍ واحدة وأنتَ في أشدِ حالاتِ الحِرمان من المال من الصِحة إذا تمنيتَ لساعةٍ واحدة أن تكون مكانَ إنسانٍ صحيح الجسم لكنهُ عاصٍ، قوي الجسم لكنهُ عاصٍ، رفيع المكانة لكنهُ عاصٍ، كثير المال لكنهُ عاصٍ... إذا تمنيتَ لساعةٍ واحدة أن تكونَ مكانه، بحالاتهِ، بمعاصيه، اعلم عِلم اليقين أنكَ لا تعرفُ الله وما ذُقتَ من الإيمانِ شيئاً وكلُّ عملكَ مردودٌ عليك.  

المؤمن حياته غير قابلة للمساومة لأنَّ اللهَ ورسولهُ أحبُّ إليه مما سِواهُما، مهما أوذي في الله.. لا يعصي الله وتجد إنساناً آخر على كلمة قيلت له ترك الصلاة.. لا أريد.. على كلمة حذّرهُ بها فاسق تركَ دروسَ العِلم كُلها.. يرى ذلك راحة له..   

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ  

ومن كان يُحبُ المرءَ لا يُحبهُ إلا لله، لكَ أخ تُحِبهُ لله، لستَ زبون عِندهُ وليسَ هو زبون عِندك ولا في قرابة ولا في صداقة ولا في مصالح، إطلاقاً لا تُحبهُ إلا لله لا علاقة دنيوية بينكَ وبينهُ هذه علامة الإيمان، ومن يكرهُ أن يعود في الكُفرِ بعدَ إذ أنقذهُ الله كما يكرهُ أن يُلقى في النار.   

يقول أحد العلماء:   

إذا لم تجد بالعمل حلاوةً في قلبكَ وانشراحا فاتهمهُ.. اتهم قلبك.. فإنَ الربَّ تعالى شكور.. يعني.. لابدَّ من أن يُثيب العامل على عملهِ في الدنيا من حلاوةٍ يجدُها في قلبهِ .  



المصدر: العقيدة - العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 28-40) : مستلزمات التوحيد -8- المراقبة والإستقامة