بحث

متى يسعد الإنسان؟

متى يسعد الإنسان؟

بسم الله الرحمن الرحيم

     متى يسعد الإنسان؟ لأن السلامة والسعادة مطلبان أساسيان لكل الخلق، يعني على وجه الأرض ستة آلاف مليوناً، أنا متأكد أنه ما منهم واحد إلا وهو يتمنى السلامة والسعادة. فلماذا الشقاء؟ قالوا: الشقاء بسبب الجهل، والدليل أن علة وجود الناس في النار الجهل:  ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير ِ والجهل أعدى أعداء الإنسان، أضرب لكم مثلاً بسيطاً: أنت طالب جامعي في السنة الأخيرة وفي اختصاص جيد جداً، عليه طلب، وبأهم مادة بالاختصاص، وامتحانك بعد يومين، ولك أصدقاء تحبهم حباً جماً، أخذوك عنوة قبل الامتحان بيومين إلى الساحل، ونزلت بأفخر فندق، وتناولت أطيب الطعام، واستمتعت بأجمل المناظر، كل شروط السرور محققة، أصدقاء تحبهم، مكان جميل، إطلالة جميلة، طعام طيب، لماذا تشعر بانقباض شديد؟ لأن هذه الحركة لا تحقق هدفك، لو جلست في غرفة قميئة ذات رطوبة عالية، والإضاءة خافتة، ومعك الكتاب المقرر، وقرأته واستوعبته، وشعرت أنك جاهز لأداء امتحان في هذه المادة يأتيك شعور بالفرح لا يوصف، وأنت في غرفة قميئة ذات رطوبة عالية والإضاءة خافتة، لا مناظر فيها أبداً، والجدران ليست مطلية، أنت المسرور، إذاً: السعادة تأتي من تحقيق الهدف، هناك دليل آخر: التاجر إذا كان هناك بيع كثيف، وإقبال شديد على البضاعة، يمكن يمضي 12 ساعة لا يجلس، ولا يأكل، وهو في نشوة السعادة، إذا انعدم البيع، وتجلس على مقعد وثير، ومشروبات، وقهوة، وشاي، وصحف، ومجلات، وأصدقاء، تشعر بانقباض شديد، لأن هذا المحل لا يحقق هدفه، أما إذا حقق هدفه يغدو هذا المكان الضيق في سوق مزدحم، في ظروف صعبة، لا يوجد تدفئة، ولا يوجد تكييف، ولا الجلوس مريح، ولا يوجد طعام، وأنت في قمة السعادة. 

     نحن لا تصلح حركتنا في الحياة إلا إذا عرفنا سر وجودنا، كما أنه لا نسعد إلا إذا جاءت حركتنا مطابقة لهدفنا  ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ ولكن حينما كلفنا الله أن نحمل الأمانة أو أن نعبده، يعني معنيان يصبان في خانة واحدة، حينما كلفنا حمل الأمانة، أو حينما كلفنا أن نعبده، أعطانا المقومات، أعطاك كوناً سخره لك تسخير تعريف وتكريم، رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، أعطاك عقلاً كي تتأكد به من صحة النقل، وكي تفهم به النقل، دون أن تلغي النقل بعقلك، العقل ليس حَكَماً على النقل، ولكن للتأكد من صحة النقل قبل النقل ولفهم النقل بعد النقل، أعطاك فطرة تكشف لك الخطأ ذاتياً. أعطاك حرية،  ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾  إذاً: أعطاك كوناً، وعقلاً، وفطرة، أعطاك شهوة، أعطاك اختياراً، وفضلاً عن كل ذلك أعطاك منهجاً، لو أن الأمور التبست عليك، هناك منهج، افعل ولا تفعل، والحسن ما حسَّنه الشرع، والقبيح ما قبّحه الشرع، والشريعة عدل كلها، والشريعة رحمة كلها، والشريعة حكمة كلها، والشريعة مصلحة كلها، فأية قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة، ومن العدل إلى الجور، ومن الحكمة إلى خلافها، ليست من الشريعة، ولو أُدخلت عليها بألف تأويل وتأويل. 



المصدر: الدرس : 06 - سورة الأعراف - تفسير الآية 11، قصة الخلق وسبب وجود الإنسان