الشيئين المتعاكسين غير الشيئين المتناقضين، فقد يجتمع المتعاكسان أبيض وأسود، خط أبيض وخط أسود، ولكن الشيئين المتناقضين لا يجتمعان، فالضوء ينقض وجود الظلام، والظلام ينقض وجود الضوء. قد تتوهم أنك مؤمن بلا إله إلا الله، وهي كلمة التوحيد الأولى، ثم لا تدري أنك تعتقد أو تفعل ما ينقضها، وكأنك لست مؤمناً بها، وقد تتوهم أنك مؤمن بمحمد رسول الله، وقد لا تدري أنك تعتقد أو تفعل ما ينقضها. فالحديث عن نواقض محمد صلى الله عليه وسلم، لا يقل عن الحديث عن مقتضيات الإيمان برسول الله.
من نواقض شهادة أن محمداً رسول الله: هذه الشهادة التي هي نصف الإسلام، شهادة التوحيد: أن تعتقد أنه لا معبود بحق إلا الله، وشهادة الرسالة: أن تعتقد أن هذا الإنسان محمد بن عبد الله يأتيه الوحي، وقد جاءك الوحي متواتراً، وأنه يبين بحديثه مراد الله منك:
1. إنكار رسالته:
اعتقادك أنه ليس رسول الله، لكنه إنسان عظيم، يقع على رأس المئة الأوائل في العالم كله، إن لم تعتقد أنه رسول الله، فأنت لست مؤمناً، إنه رسول الله. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ إذاً: إن لم تؤمن برسالة النبي، وإن لم تعززه وتنصره، فلست مؤمناً، وقد فعلت ما ينقض إيمانك برسول الله صلى الله عليه وسلم. لعلكم تدركون معي، أن هذا البند الأول بعيد جداً عن المؤمنين، أن يقول لك مؤمن: لست مؤمناً برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، لكن البند الثاني: أن تطعن في رسول الله، أن تطعن في أحقية رسالته، أن تظن أن الرسالة إلى جهة أخرى، لكن هناك خطأ، فكانت إلى رسول الله، هذا أيضاً طعن برسول الله، أو أن تطعن في صدقه، أو أن تطعن في أمانته، أو أن تطعن في عفته، إذا حدثك فهو صادق، إذا عاملك فهو أمين، إذا استثيرت شهوته فهو عفيف. اعدل يا محمد، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ويحك من يعدل إن لم أعدل)) لأن الله سبحانه وتعالى عصمه من أن يخطئ في أفعاله، وأقواله، وإقراره، وأمرنا أن نأخذ عنه كل شيء، وإن لم يكن معصوماً، لكان الأمر أن نأخذ عنه كل شيء أمراً بمعصية، وهذا مستحيل.
2. الاستهزاء أو الاستخفاف أو السباب:
الاستهزاء، أو الاستخفاف، أو السباب، هذه كلها تنقض إيمانك برسول الله، الدليل: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ هل هناك أنصع من هذا الدليل؟ الحمد لله رب العالمين، لا تجد مؤمناً فيه الحد الأدنى من الإيمان، يفكر للحظة واحدة أن يطعن، أو أن يستهزئ، أو أن يستخف بقول قاله النبي صلى الله عليه وسلم، إلا إذا كان هذا القول موضوعاً ليس لرسول الله، لك أن تستهزئ بهذا القول، مبيناً أنه حديث موضوع، ولا صلة له برسول الله إطلاقاً. أن أحدهم لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا تقتلوا عمي العباس -فكر، وجد أن أصحاب النبي حينما تنشب المعارك مع المشركين، قد يقتلون آبائهم وأبناءهم- فقال: أحدنا يقتل أباه وأخاه، وينهانا عن قتل عمه -تصورها عصبيةً- وكان سيدنا العباس في مكة قد أسلم، وكان عين النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وكان يرسل له الأخبار تباعاً عن كل ما يجري في قريش -له مهمة، والنبي عليه الصلاة والسلام قيادته ذكية جداً في موطن القرار في قريش، يأتيه الخبر، لو أن النبي سكت لقتلوه، لو أنه بين لهم أنه مسلم لانتهت مهمته، لو أن سيدنا العباس لم يشاركهم في القتال لكشف أيضاً، ينبغي أن يشارك، وينبغي أن لا يذكر النبي حال إسلامه، وينبغي أن يتكلم لكي لا يقتل، قال: لا تقتلوا عمي العباس -. يقول هذا الرجل: -الذي وقع في نفسه شيء من فعل النبي عليه الصلاة والسلام- والله ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.
3. الطعن في أحاديث الرسول الصحيحة أو تكذيبها:
ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حديث صحيح، وأنت لم تقبله أو رددته، فهذا نقض لإيمانك برسول الله صلى الله عليه وسلم. هناك رجل يستمع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس معقول هذا الحديث، لا يتناسب مع العصر، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ)) كأن الله أخبره أنه سيكون في آخر الزمان: أناس يردون السنة بأكملها، ويقول: حسبنا القرآن، فإذا أردت ألا تأخذ عن النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً، انتهى دينك، والله عز وجل يقول: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ فأنت إن لم تأخذ كل ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، إنك ترد القرآن، أنت إذاً لست قرآنياً، لأن القرآن يأمرك أن تأخذ ما آتاك الرسول، وأن تنتهي عما نهاك الرسول. كتاب الله فيه كليات، بينما التفاصيل جاءت في السنة، وأنت ينبغي أن تطيع الله استقلالاً، وأن تطيع النبي استقلالاً، لا أن تربط طاعة النبي عليه الصلاة والسلام بالكتاب، لكن ما سوى النبي عليه الصلاة والسلام تعلق طاعته على موافقته لما قاله النبي، فإن جاء الذي قاله مخالفاً لحديث رسول الله، ليس لك أن تطيعه، أما النبي عليه الصلاة والسلام هو مشرع. قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ لماذا أعاد كلمة أطيعوا؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يطاع استقلالاً، لكن بقية الناس لا يطاعون إلا تبعاً لطاعة رسول الله، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، جميع الناس عدا رسول الله، طاعتهم مشروطة بموافقة أمرهم لما في القرآن والسنة، إلا أن طاعة النبي وحدها واجبة لذاتها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: أوتيت القرآن ومثله معه. هي السنة، وقد أجمع علماء العقيدة على أن القرآن وحي متلو، وعلى أن السنة وحي غير متلو، بدليل أن الله عز وجل يقول: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ .
4. أ ن تجحد أحد الرسل الذين أرسلهم الله قبل محمد صلى الله عليه وسلم:
ينقض إيمانك بأن محمداً رسول الله: أن تجحد أحد الرسل الذين أرسلهم الله قبل محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الدين دين موحد، الدين واحد، والشرائع مختلفة، الدين أن تسلم وجهك لله، هذا هو الدين، لكن الشرائع متبدلة ومختلفة وآخرها ينسخ ما سبقه، فيكفي أن تنكر رسالة سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، إذا أنكرت هذه الرسالة فلست مؤمناً، إذا أنكرت رسالة سيدنا موسى فلست مؤمناً، سيدنا إبراهيم لست مؤمناً، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً﴾ أنبياء الله، رسل الله، الذين ذكرهم الله في القرآن، لمجرد أن تكفر بواحد منهم، فأنت لست مؤمناً.
5. ادعاء النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم:
الله جل جلاله يقول: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ)) إذاً: هناك من ادعى النبوة، أول واحد مسيلمة الكذاب، وكثيرون ادعوا النبوة.
6. أن تصفه بما لا يوصف به إلا الله:
وهذا الشطط وقع به مسلمون، أحد الشعراء يقول: يا علام الغيوب قد لجأنا إليك ويقصد رسول الله، يقول الله عز وجل: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾. مرة وقف خطيب أمام النبي يخطب، فقال: ما شاء الله وشئت، فقال عليه الصلاة والسلام: ((بئس الخطيب أنت، جعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن)) . قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))
7. أن تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر عليه إلا الله:
أن تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر عليه إلا الله، أي أن تسأله أن ينصرنا، هذا بيد الله النصر: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.
8. الاعتقادات الباطلة:
مبالغات أراد أصحابها أن يرفعوا قدر النبي، لكنهم غاب عنهم أن رفع قدره في أن يكون في الوصف الذي وصفه الله له: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ وقال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾ هو عبد لله عز وجل، هو سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم ولا فخر، كما قال عليه الصلاة والسلام. ويقول عليه الصلاة والسلام: ((كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب)) كلام واضح كالشمس.