أيها الأخوة الكرام، في زحمة الأحداث، وتسارع المتغيرات، وفي خضم تداعيات النوازل والمستجدات، وكثرة الأطروحات والتحليلات، يلحظ المتأمل الغيور غياباً أو تغييباً للرؤية الشرعية، والنظر في فقه السنن الكونية، حتى حصل من جرّاء ذلك زلل أقدام، وخطل بالأقلام، وضلال في الأفهام، وتشويش وحيرة عند كثير من أهل الإسلام، مما يؤكد أهمية المرجعية الموحدة للأمة الواحدة، التي ينبغي أن ترتكز في تحقيق أهدافها على صحة المعتقد، وسلامة المنهج، والعناية بمصالح الأمة الكبرى ومقاصد الشريعة العظمى، باعتدال في الرؤى، وتوازن في النظر، وأسلوبٍ عالٍ في الطرح والحوار، قال تعالى ـ هذه الآية تؤكد ضرورة أن يكون للمسلمين مرجعية واحدة: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83))
أية قضية خلافية، أية قضية تثير جدلاً، أي قضية تثير نزاعاً ينبغي أن ترد إلى القرآن الكريم والسنة، هذه الآية أيها الأخوة، تشير إلى المرجعية الواحدة للأمة الواحدة، وهذه الأحداث التي هزت العالَم ألا تنتظمها قوانين؟ هذه الاجتياحات، هذه الحروب، هذه الزلازل، هذه البراكين، هذه الأزمة العالمية النقدية، هذه الأحداث الكبرى التي زلزلت الأرض ألا تنتظمها قوانين؟ قال تعالى: ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا(43))
قوانين، سنن، نواميس، تفسر بها كل هذه الأحداث: (فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
حينما نسى الناس منهج خالقهم دبت بينهم العداوة والبغضاء، والأموال التي تنفق على الأسلحة تفوق حدّ الخيال، ولو أنها أنفقت على إعمار الأرض ما بقي إنسان جائع، ولا طفل مريض، ولا إنسان معذب.
أسباب هلاك الأمم في ضوء القرآن والسنة:
أيها الأخوة الكرام، هناك أمم تهلك ولست متشائماً والأمة العربية هلكت الآن لا هلاك استئصال ولكن هلاك ضعف، أليس كذلك؟ ما هي أسباب هلاك الأمم في ضوء القرآن والسنة؟
أولا: كثرة الفساد والخبث في الأرض:
من أبرز أسباب هلاك الأمم كثرة الفساد، وكثرة الخبث في الأرض، قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16))
من خلال القرآن والسنة فقط ما هي أسباب هلاك الأمم؟ قال علماء التفسير: أمرنا مترفيها بطاعة الله وتوحيده، وتصديق رسله واتباعهم فيما جاؤوا به، ففسقوا وخرجوا عن طاعة أمر ربهم، وعصوه، وكذبوا رسله، فحق عليها القول، أي وجب عليها الوعيد، فدمرناها تدميراً، (فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)
مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع، وأسند الفسق إلى قوم هم المترفون، فما تفسير ذلك؟ (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا)
على جميع أفراد الأمة: (الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)
التفسير الأول أن غير المترفين تبعوا المترفين، جعلوهم قدوة لهم، رضوا بأعمالهم، أكبروا أفعالهم، لذلك يؤكد هذا المعنى قوله تعالى: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ(67))
والجواب الثاني: أن بعضهم إن عصى الله، وبغى، وطغى، ولم ينكر عليه أحد هذه المعصية، وهذا الفسق والفجور، فكأن سكوت الناس عن فسق الكبراء ذنب يستحقون عليه العقاب، قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)
وكما جاء في الحديث الصحيح من حديث أم المؤمنين زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ .
في بعض الآثار: أن الله أرسل الملائكة ليهلك بلدة، قالوا: يا رب إن فيها صالحاً قال: به فابدؤوا، لِمَ يا رب؟ قال: لأن وجهه لم يكن يتمعر إذا رأى منكراً.
والآن تأتي ابنة أخيك، وترتدي ثياباً فاضحة، فتثني عليها، وعلى صحتها ودراستها، ولا يخطر في بالك أن توجه لها ملاحظة على هذه الثياب الفاضحة.
أيها الأخوة الكرام، أول أسباب هلاك الأمم كثرة الفساد في الأرض، وكثرة الخبث، وأية أمة مهما قويت حينما يكثر فيها الخبث تستحق الهلاك، هؤلاء الذين وصلوا إلى الأندلس وفتحوها، ووصلوا إلى مشارف باريس كيف أهلكهم الله؟ حينما غرقوا في الخمور وفي القيان والغناء والجواري والغلمان، أخرجوا منها.
ثانيا: عدم شكر النعم:
سبب آخر من أسباب هلاك الأمم، هذا السبب قال تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)
الكفر كفر النعم، ورد في الأثر القدسي: إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري، أهل مودتي، أهل شكري، أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها .
السبب الثاني: عدم شكر النعم، نحن في نتمتع بالأمن، هذه نعمة يجب أن تشكروا الله عليها، نتمتع بالتواصل الأسري، نتمتع بدروس العلم بالمساجد، هذه نعم لا يعرفها إلا من فقدها في بلاد أخرى لو دخل الإنسان المسجد مرة واحدة أمامه مساءلة.
ثالثا: ظهور النقص والتطفيف في الميزان ونقض العهود والمواثيق:
أيها الأخوة، من أسباب هلاك الأمم ظهور النقص، والتطفيف في الميزان، تحت هذه الكلمة يدخل كل أنواع الغش، بضاعة من مصدر معين أوهمت الشاري بأنها من مصدر معين، غش بالوزن، بالطول، بالمكيال، بالمواصفات، أنواع الغش والله لا تعد ولا تحصى، تطفيف الكيل والميزان، منع حق الله، وحق عباده، ونقض العهود والمواثيق، والإعراض عن أحكام الله تعالى، هذه الأسباب كلها مجتمعة في حديث واحد:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا،مرض الإيدز، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ من أجل كرة .
جعل الله بأسهم بينهم من أجل كرة، هذه أمة.
رابعا: التنافس في الدنيا:
ومن أسباب هلاك الأمم: التنافس في الدنيا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: فَوَ اللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ .
اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ .
تعليق اقتصادي، هذا البلد الطيب مساحته مئة وخمسة وثمانون ألف كيلو متر مربع، ربع هذه المساحة صالحة للزراعة فقط، المزروع منها ربع الربع، واحد على ستة عشر من مئة وخمسة وثمانين ألفاً، ومع ذلك من فضل الله عندنا ستة ملايين طن من القمح لكل سنة، في الزيتون ثاني دولة في العالم، وفي الحمضيات سبعمئة ألف طن، واحد على ستة عشر من مئة وخمسة وثمانين ألف كيلو متر مربع.
خامسا: التعامل بالربا وانتشار الزنا:
من أسباب هلاك الأمم التعامل بالربا، وانتشار الزنا، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
هذا النظام العالمي المالي العملاق كيف انهار؟ بالربا والمتاجرة بالزنا، شراء الديون، وبيع الديون، والربا، والزنا، قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275)يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276))
سادسا: تقصير الدعاة في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
من أسباب هلاك الأمم: تقصير الدعاة في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقصير الأمراء في إزالة المنكرات.
مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ لَمْ يُغَيِّرُوهُ إِلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ .
أي الأكثرية مسلمة، والذين يجاهرون بالمنكرات قلة والأكثرية ساكتة، هذه مشكلة كبيرة، أيها الأخوة الكرام:
كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أوَ كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟
بالعالم كله الآن العمل الخيري متهم، العمل الخيري إطعام الجياع متهم .
كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون .
كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟
الذي يكسب المال الحرام شاطر، والبنت المتفلتة سبور، والذي ينافق لكل الناس عنده ذكاء اجتماعي، فكل الموبقات والأعمال الخسيسة لها أسماء حديثة، والذي لا يهمه طاعة الله مرن، هذا مرن، وهذا عنده ذكاء اجتماعي، وهذا عنده رؤيا بعيدة، وهذا عنده موقف حضاري، هذه كلها كلمات تغطي بها النفوس الشاردة أعمال المنحرفين.
الإمام الغزالي يقول:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو الذي بعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمَّت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، لقد كان، فإن لله وإنا إليه راجعون
هذا في عصر الإمام الغزالي فكيف في هذا العصر؟!
سابعا: ترك الجهاد والإخلاد إلى الأرض:
من أسباب هلاك الأمم: ترك الجهاد، والإخلاد إلى الأرض. عقب سقوط بغداد تمّ أربعة وستون مليون اتصال من أجل وصف بعض الفتيات اللواتي يبرزن عرايا في هذه الفضائيات، أربعة وستون مليون اتصال خلال عشرين يوماً بعد سقوط بغداد أين الأمة؟
قال بعضهم: هذه ليست أمة اقرأ، هذه أمة ارقص، وليست أمة محمد إنها أمة هذا الممثل، الذي جاء من بلاده إلى بلاد أخرى وقد استقبله خمسة وثلاثين ألف ممثل فقط، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ .
ثامنا: مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم:
من أسباب هلاك الأمم: مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63))
وقال الله عز وجل: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33))
أيها الأخوة الكرام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ .
الذين يرتادون الفنادق في أول السنة الميلادية أضعاف غير المسلمين، الذين يرتادون الفنادق في أول السنة مع زوجته الكاسية العارية، ويرقص في الفندق، ويشرب الخمر، أضعاف من المسلمين الذين يرتادون الفنادق من غير المسلمين، حضارة، رقي.
تاسعا: الغلو في الدين:
من أسباب هلاك الأمم: الغلو في الدين: إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ .
أيها الأخوة الكرام: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ)
على كل مسلم أن يؤثر خدمة أمته على حظوظه من الدنيا:
أيها الأخوة، الوضع مؤلم جداً، فينبغي على المسلمين من خلال الأمر القرآني أن يعدوا ما يستطيعون من قوة بمفهوم القوة الموسَّع، أسرنا ينبغي أن تتماسك، أمهاتنا ينبغي لهن أن يتفرغن لتربية أولادهن، في بلاد إسلامية كثيرة حينما تسافر الأم تودع من قبل أولادها وداعاً جافاً، أما إذا سافرت الخادمة يبكي الأولاد، لأن الخادمة تربي الأولاد، تطعمهم، تكسوهم، تدرسهم أحياناً.
أمهاتنا ينبغي لهن أن يتفرغن لتربية أولادهن، طالبنا ينبغي أن يتفوق، معلمنا ينبغي أن يحمل رسالة يسعى لتحقيقها، عاملنا ينبغي أن يتقن، فلاحنا ينبغي أن يرتبط بأرضه، موظفنا ينبغي أن يتفانى في خدمة المواطنين، وقاضينا ينبغي أن يعدل، وعالمنا ينبغي أن يؤثر خدمة أمته على حظوظه من الدنيا، داعيتنا ينبغي أن ينصح لا أن يمدح، ضابطنا ينبغي له أن يوقن أن المعركة مع العدو قادمة لا محالة، وأن حديث العدو عن السلام مراوغة، وكذب، وكسب للوقت، ليس غير، ثرواتنا ينبغي أن تستخرج، مصانعنا ينبغي أن تطور، أرضنا ينبغي أن تستصلح، ومياهنا ينبغي أن يرشَّد استهلاكها، وهذا لا يكون إلا بإيمان بالله يحملنا على طاعته، وإيمان باليوم الآخر يحملنا على ألا نؤذي بعضنا بعضاً.
أيها الأخوة، هذا كله يحتاج إلى إيمان عميق، إلى مفهوم للجهاد البنائي.
ورقات العمل التي ينبغي أن نفعلها كي ننجو مما نحن فيه:
هناك جهاد نفسي، جهاد النفس والهوى، و جهاد دعوي: (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)
وجهاد بنائي أن تبني أمتك، أن تقوي أمتك، هذا بناء جهادي، لكن يحتاج أن ينتمي الإنسان إلى أمته، ثم إن هناك جهاداً قتالياً.
أيها الأخوة، يمكن أن يكون الحل في هذه النقاط الأربع،
أولا: تجديد الإيمان:
النقطة الأولى تجديد الإيمان، جددوا إيمانكم، أمتنا لم تنبذ الإيمان كليةً لكن إيمانها ضعف، هذا الإيمان الضعيف ينبغي أن يجدد،
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الإيمان ليخلق ـ يضعف أو يهترئ ـ، في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم
ثانيا: أن يرافق العلم عملاً:
شيء آخر يجب أن يرافق هذا العلم عمل، العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر، العلم في الإسلام ليس هدفاً لذاته،
لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في الدعاء الشريف: اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن الرجاء إلا فيما عندك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الذل إلا في طاعتك، ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن أذن لا تسمع
إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ
ثالثا: الأخوة الصحيحة:
النقطة الثالثة الأخوة الصحيحة، هذا الشقاق، هذه العداوة والبغضاء ليست من شأن المسلمين، علامة إيمانك أن تحب أخاك المؤمن، وما لم تنتمِ إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ (159))
(وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ (32))
لذلك: قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنما المؤمنون أخوة
وما لم يكن انتماؤك لمجموع المؤمنين فلست مؤمناً،
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى .
رابعا: تحويل كل ما نعلم إلى عمل:
تحويل كل ما نعلم إلى عمل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)
ختاماً:
أيها الأخوة الكرام، يؤكد هذا قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6))