بحث

أهمية التعرف على شمائل النبي صلى الله عليه وسلم

أهمية التعرف على شمائل النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

     الإسلام كله كلمتان لا إله إلا الله توحيد، محمد رسول الله اقتداء، أي هناك كلمة التوحيد وكلمة الاتباع، تؤمن بأنه لا إله إلا الله وتتبع هذا النبي، بل إن دعوة الأنبياء جميعاً مختصرة بكلمتين:  ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه نقطتين، أنه لا إله إلا أنا، توحيد، فاعبدون الطاعة، أي الإسلام عقيدة وسلوك، منطلقات نظرية، تطبيقات عملية، فكر وحركة، إذاً الحركة التي ينبغي أن يتحركها الإنسان يجب أن تكون مطابقة لحركة النبي عليه الصلاة والسلام.  

     النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، معصوم في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، وقد أمرنا الله عز وجل من خلال القرآن الكريم أن نأخذ منه ما آتانا، وأن ننتهي عما عنه نهانا، فمتابعة النبي عليه الصلاة والسلام في أقواله وفي أفعاله وفي إقراره واجب عيني على كل مسلم، لأنه القدوة، ولأنه المثل، ولأنه يمثل الكمال البشري، ولأن الله عز وجل بعثه هادياً لكل الأمم من دون استثناء بل هو رحمة للعالمين. وقد أمرت أن تتابع النبي عليه الصلاة والسلام وقد قال الله عز وجل:  ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ 

     ماذا تعني سنة النبي؟ تعني أقواله، وأفعاله، وإقراره، تعني أقواله تشريع: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ كلامه وحي غير متلو وهو معصوم وقد أمرنا أن نأخذ عنه:  ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ وقد أمرنا أن نقتدي به في سيرته، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ . إذاً تعلم السيرة من خلال الشمائل يكاد يكون فرض عين على كل مسلم، لماذا؟ لأن الله حينما أمرك أن تأخذ عن النبي من لوازم هذا الأمر أن تعرف ما الذي أعطاك هذا النبي الكريم، وما الذي منعك، وما الموقف الذي ينبغي أن تقتدي به، والشيء الثابت أنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، كالوضوء تماماً، الصلاة لا تتم إلا بالوضوء، فكما أن الصلاة فرض فالوضوء فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، إذاً ما دام كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، والأمر الإلهي:  ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾  إن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وعليكم أن تفهموا الدين لا على أنه خمس عبادات، على أنه منهج تفصيلي، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، وأن الذي ينبغي أن نتبعه، وأن نسير على منهجه، هو رسول الله، الشيء. 

     الذي يلفت النظر أن هذا النبي كمله الله كمالاً مطلقاً : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ قَلِدْه في حلمه، قلده في رحمته، قلده في صدقه، قلده في أمانته، قلده في محبته للآخرين. بالمناسبة دائماً الكمال والأخلاق من دون أن تجسد بإنسان لا قيمة لها، أي عظمة هذا الدين أن الكمال الذي أراده الله تراه برسول الله، أي السيرة حقيقة مع البرهان عليها، السيرة كمال مجسد في إنسان، السيرة هي أن إنساناً هو قرآن يمشي، والذي قال: الكون قرآن صامت والقرآن كون ناطق والنبي قرآن يمشي، كلام رائع، بل إن السيدة عائشة رضي الله عنها، تقول : كان خلقه القرآن. إذاً نحن في أمس الحاجة إلى معرفة شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، كي نقتدي برسول الله، وكي نسير على نهجه، وكي نطبق سنته القولية، وكي نتأسى بسيرته العملية. 

     إن كل ما يعانيه العالم الإسلامي اليوم من ضعف وتفرق بسبب بعد المسلمين عن تطبيق سنة النبي القولية، وعن الاقتداء بسنته العملية، والدليل قوله تعالى:  ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ معنى الآية بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعذب المسلمون بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ما دامت سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ومنهجه، وسيرته قائمة في حياتهم. 

     شيء آخر إنك تعتز بأستاذ لك كبير، بعالم جليل، لأنه درس العلم على يد علماء كبار، فكيف بالنبي وقد تولى الله تعليمه؟  ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾ وهو أمي، معنى أمي، لو جاءنا أعلى طبيب جراح بالعالم، يحمل بضع شهادات عليا، وله تجارب رائعة في العمل الجراحي، ودخل مطار مدينة وهو لا يتقن لغتها، فإذا قلنا: هذا الطبيب اللامع والعالم الكبير هو أمي في هذه اللغة، كلامنا صحيح، هل تعني أمي أنه جاهل؟ قد يكون أعلم العلماء لكن من حيث اللغة لا يتقنها، فالنبي لا يكتب ولا يقرأ، ولكن الله تولى تعليمه، لأن وعاءه الثقافي ما أراده الله أن يكون ممتلئاً بثقافة أهل الأرض، وتكلم النبي مع أصحابه، يسأله أصحابه مع كل كلمة يقولها هذه من ثقافتك أم من الوحي؟ فشاءت حكمة الله أن يكون وعاء النبي الثقافي فارغاً من كل ثقافة أرضية، وأن يملأ هذا الوعاء بوحي السماء، لذلك قال تعالى:  ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ إذاً أمية النبي عليه الصلاة والسلام وسام شرف له، وأميتنا وصمة عار بحقنا.  

     الآخر يصف النبي أنه عبقري، أو مصلح اجتماعي كبير، أو أنه قائد فذ، هذا كله مرفوض، النبي عليه الصلاة والسلام نبي، لا تنزع عنه صفة النبوة، هو سيد الأنبياء والمرسلين، لا تقل عبقرياً، أو مصلحاً اجتماعياً، أو شخصية فذة، هذا لا يرفعه، يرفعه عند الله أنه نبي، وأنه مرسل ومعه رسالة. هو سيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم، وقد عصمه الله ويوحى إليه ولكنه بشر، لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر:  ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾. 



المصدر: الشمائل المحمدية إصدار 2010 - الدرس : 01 - تمهيد، معرفة السنة النبوية القولية والعملية فرض عين، قيمة الأعجاز العلمي في حياتنا المعاصرة