الله سبحانه وتعالى لخص في القرآن الكريم دعوة جميع الأنبياء من دون استثناء، فقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ فالإسلام: عقيدة، وشريعة، إيمان، وعمل، العقيدة ملخصة بلا إله إلا الله، والعمل ملخص بالعبادة، لذلك قالوا: نهاية العلم لا إله إلا الله، ونهاية العمل عبادة الله، فمن عرف أنه لا إله إلا الله وعبده، فقد حقق المراد من وجوده، والعبادة بالمفهوم الواسع لا بالمفهوم الضيق: غاية محبة الله، وغاية الخضوع له، وغاية التقرب إليه، وغاية التوكل عليه، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، وهي علة وجودنا. وللتوضيح نمثِّل: بتاجر يسافر إلى بلد أجنبي كي يعقد صفقة، ويعقد على هذه الصفقة كل الآمال، فإذا سافر إلى هذا البلد، كانت علة وجوده في هذا البلد، أن يعقد هذه الصفقة، وإلا لا معنى لوجوده، ولا معنى لتجشم مشاق السفر، ولا معنى لدفع نفقات السفر، علة وجوده أن يعقد هذه الصفقة، أدق فكرة: أنك حينما تكون واعياً لعلة وجودك في أي مكان، تأتي حركتك صحيحة، بل إن أدق الجزئيات في حركتك اليومية، ينبغي أن ترتبط بهدفك الكبير، فنحن في الأرض علة وجودنا عبادة الله، أي أن نعرفه، ثم نعبده، ثم نسعد بقربه. علة خلقنا أن نسعد، خلافاً لما يتوهم معظم الناس أن الله خلقنا ليعذبنا، يرى مصائب، وأمراضًا، وحروبًا، وفتنًا، وقتلاً، واضطهادًا، فيتوهم خطأ كما يوسوس له الشيطان أن الله خلقنا ليعذبنا، الله عز وجل قال: ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم، خلقهم لينعموا بجنة عرضها السماوات والأرض.
أولاً: أركان كلمة التوحيد لا إله إلا الله:
كلمة التوحيد لا إله إلا الله فيها ركنان؛ فيها نفي لا إله، وفيها إثبات إلا الله. لا إله، هذه لا نافية للجنس، كيف؟ إذا قلنا: لا طالبٌ في الصف، بل طالبان، نفينا ماذا؟ المفرد أما: لا طالبَ في الصف، بل طالبة، نفينا الجنس، فهذه لا في: لا إله للجنس أم للمفرد؟ للجنس، أي ليس في الكون إله إلا الله، لا معطي ولا مانع، ولا رازق، ولا خافض ولا رافع، ولا معز ولا مذل، ولا متصرف إلا الله، لا إله إلا الله، الله علم على الذات، صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى، الله واجب الوجود، وما سواه ممكن الوجود، إذاً هناك نفي وإثبات، لا إله إلا الله. إذا أيقنت بمعناها الدقيق، وأنه لا معبود بحق إلا الله، ولا أحد يستحق العبودية إلا الله، لكنت في منجاة من هموم ساحقة لا تنتهي، ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾.
ثانياً: شروط كلمة التوحيد لا إله إلا الله:
1. أن تكون صادقاً في قولها وفي العمل بها:
لأن هناك كلامًا لا معنى له . تسأل ملحدًا: كيف صحتك؟ يقول لك: الحمد لله، هذا الملحد ينكر وجود الله، فكيف يحمد الله عز وجل؟! هذا الكلام ليس له معنى، هذا مثل كثيرٍ من الكلام يقوله الناس لا معنى له إطلاقاً، وأحياناً هذه الكلمة العظيمة التي هي كلمة الإسلام الأولى ، قد يرددها الناس دون أن يفقهوا معناها، لا إله إلا الله ينبغي أن تكون صادقاً في قولها، وصادقاً في العمل بها. لو أجبرك قوي على معصية، وتقول أنت: لا إله إلا الله, صادقاً في قولها, لا يمكن أن تقبل، ولو كان التهديد في حياتك . سيدنا بلال كان يقول: أحدٌ أحد ، لو قلت: لا إله إلا الله صادقاً في قولها، لا يمكن أن تطيع مخلوقاً وتعصي خالقاً، لو قلت: لا إله إلا الله صادقاً بها، لا يمكن أن تبتغي وسيلة غير شرعية إلى هدف مشروع، أما ما يقوله الناس: إن الغايات تبرر الوسائل، هذا كلام شيطاني. قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله)) و قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ)) . أن تؤمن أنه لا إله إلا الله، وأمامك سبائك الذهب اللامعة، تقول: معاذ الله أن أخون ديني، هذا الإيمان الذي يصمد أمام الإغراء تارة، وأمام الضغط تارة أخرى
2. العلم بها:
من الشرط الأول لكلمة لا إله إلا الله: العلم بها، لا يقبل الله من إنسان عقيدة بالتقليد، ولو كانت صحيحة، لأنك إذا قلدت في العقيدة تكون مقاومتك هشة، لا تصمد أمام إغراء وضغط، أقل إغراء يخرجك عن طاعة الله، وأقل ضغط يخرجك عن طاعة الله، أما إذا بنيت عقيدتك على علم، وعلى بحث، وعلى درس، وعلى دليل، وعلى فقه، هذا الإيمان المطلوب، الإيمان التقليدي مرفوض، بل لو أن الله قبل من عباده عقيدة بالتقليد، لكانت كل الفرق الضالة على حق، وناجية عند الله، أليس كذلك؟ ماذا يقولون يوم القيامة؟ يا رب سمعنا فلاناً يقول فصدقناه، نحن قلدناه، لا تقبل عقيدة التوحيد تقليداً، لا تقبل إلا تحقيقاً، لا تقبل إلا عن بحث ودرس، لا تقبل عن استسلام ساذج، لا تقبل إلا عن علم. والدليل: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ الحقيقة: يوجد علاقة رائعة بين قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله﴾ وبيــن: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ من رأى شيئاً يسره فليحمد الله، ومن رأى غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فليستغفر ربه، الأمر بيد الله عز وجل. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)) .
3.اليقين بها:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) اليقين لا يحتمل الريب أبداً، اليقين قطعي، يوجد وهم ثلاثين بالمئة، يوجد شك خمسين بالمئة، يوجد ظن ثمانين بالمئة، يوجد غلبة ظن تسعين بالمئة، هذا كله يتناقض مع الإيمان، الإيمان قطع بالمئة مليون، فلا يكفي أن أكون مؤمناً، ولكن لست متأكداً، ينبغي أن أكون مؤمناً يقيناً، يقيناً قطعياً، والدليل أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ قد تجد العالم كله يحارب المسلمين، أينما ذهبت إلى أي مكان بالأرض المسلم محارب، هل يتضعضع يقينك أن هذا الدين ليس دين حق؟ لا والله، هو الدين الحق، وهو الدين الذي سيظهره الله على الدين كله، ولو كره الكافرون، هذا هو الدين الحق، ولو أن أهل الأرض جميعاً حاربوه لأنه دين الحق يحارب. ((كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) العلم واليقين.
4. أن تكون مخلصاً في النطق بها:
شروط هذه الكلمة كلمة التوحيد، كلمة الإسلام الأولى لا إله إلا الله: أن تكون مخلصاً في النطق بها، والإخلاص من أين يؤتى؟ من أين يشترى الإخلاص؟ لو أن شخصاً، سأل طبيباً متفوقاً جداً، قال له: بربك لي عندك طلب صغير جداً، قال له: تفضل، قال له: علمني كيف أكتب الوصفة؟ تبسم الطبيب، قال له: كتابة الوصفة محصلة كتابة ثلاث وثلاثين سنة، بعد دراسة ثلاثاً وثلاثين سنة، تكتب للمريض وصفة صحيحة، فهذا الأخ طلب شيئاً بسيطاً جداً، فقط يتعلم كيف يكتب الوصفة، فالإخلاص محصلة إيمانك كله، محصلة جهاد نفسك وهواك، محصلة صلاتك، محصلة توحيدك وإيمانك بالربوبية، محصلة عملك الصالح، الإخلاص نهاية النهاية، فلذلك محصلة دينك كله: إخلاصك لله عز وجل. المخلص لا يتأثر بالمديح إيجاباً، ولا يتأثر بالذم سلباً، يبتغي وجه الله، ولا يعبأ، أمدح أم لم يمدح: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾ والمخلص لا يتغير عمله في خلوة عن جلوة، هو في الخلوة وفق منهج الله، ومع الناس وفق منهج الله، لا يتغير سلوكه بإقامة أو بسفر. فعلامة الإخلاص: ألاّ يتبدل عملك لا بالمكان، ولا بالزمان، ولا بالخلوة، ولا بالجلوة، ولا بالمديح، ولا بالذم، علامة إخلاصك: أنك إذا عملت عملاً يرضي الله، شعرت بالسكينة في قلبك، لأن الله أعاد عليك إخلاصك، سكينة ألقاها في قلبك. دليل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الإخلاص من شروط لا إله إلا الله. ((قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ)) و الإخلاص له منعكسات رائعة، أحد منعكساته التعاون، أحد منعكساته التواضع.