سيدنا عيسى عليه وعلى نبينــا أفضل الصلاة والسلام، كان عيسى عليه السلام خاتمة أنبياء بني إسرائيل، وقد أرسله الله إليهم، وأنزل عليه الإنجيل، وأيّده بخوارق عادات باهرات، من هذه الخوارق ما كان إرهاصاً لنبوته، ومعنى إرهاصاً أي دليلاً مُسبقاً على نبوته، تمهيداً لنبوته، إثباتاً لنبوته، ومنها ما كان معجزة مرافقة لرسالته ليشهد الله له بصدقه فيما يُبَلغ عن ربه.
المعجزات السابقة لنبوته عليه السلام:
- ولادته من أمّ من دون أب: من الأدلة السابقة لنبوته ولادته من أمّ من دون أب، من المعجزات التي كانت إرهاصاً لنبوته ولادته من أمّ من دون أب، شهد الله بذلك القرآن معلناً براءة أمه وحصانتها، موضحاً طريقة تكوينه في بطنها بوساطة نفخة من جبريل عليه السلام. الله سبحانه وتعالى حينما خلق الإنسان صممه على أن يتكاثر عن طريق الزواج، فالزوج والزوجة ينجبان أولاداً، هذه سنة الله في خلقه، وكأن سبب إنجاب الولد هو هذا الزواج، مع مرور الأيام ترسّب في أوهام الناس أن الزواج وحده هو سبب إنجاب الأولاد، وكأن الله سبحانه وتعالى لا دخل له في ذلك، أي إذا اعتقدت أن السبب وحده كافٍ لإحداث النتيجة فهذا شرك، السبب وحده لا يكفي، لابد من فعل الله سبحانه وتعالى، لذلك مادام الزوج والزوجة في العادة ينجبان أولاداً فربنا سبحانه وتعالى سيأتينا بأربع حالات خاصة: أن يأتي المولود من زوج بلا زوجة وهذه حال السيدة حواء، أو أن يأتي المولود من زوجة بلا زوج وهذه حال سيدنا عيسى، أو أن يأتي الطفل من دون أب ولا أم كما هي الحالة في سيدنا آدم، وقد يتزوج الرجل بامرأة والرجل شاب في ريعان الشباب والزوجة شابة في ميعة الشباب ولا ينجبان أولاداً، فهل السبب وحده كافٍ لإحداث النتيجة؟ الجواب: لا، لذلك علماء التوحيد لخصوا هذا كله في كلمتين فقالوا: عندها لا بها، أي عند الإرادة لا بالسبب، الشيء يحدث عندما يريد الله له أن يحدث، لا باتخاذ الأسباب، لذلك قال العلماء: اتّخذ الأسباب وتوكل على رب الأرباب، توكل على مُسبب الأسباب، فربنا عز وجل يعني أردت من هذا الكلام أن تعلموا أن السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة، لابدّ من فعل الله عزّ وجل في كل مرة، لذلك قيل: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ فسيدنا عيسى كن فيكون، لذلك كل إنسان ينجب أولاداً هذا الولد من خلق الله، يد الله التي صوّرته في الرحم، الرب هو الذي أمدّه بالغذاء، الخالق هو الذي خلقه على هذا الشكل، الإرادة الإلهية هي التي فعلت فعلها في تصويره في رحم الأم، فكل شيء يمكن أن تفهم من خلاله الخالق والرب والمسيّر، فهذه هي المعجزة الأولى لسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام قال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ .
- تكلُمه وهو صبي في المهد: المعجزة الثانية من معجزات إرهاصات النبوة تكلُمه وهو صبي في المهد، وفي حكاية كلامه وهو صبي ووصف لحال أمه حينما جاءت إلى قومها تحمله قال تعالى في سورة مريم: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ .
معجزاته عليه السلام بعد أن النبوه:
أرسل الله عيسى عليه السلام في قوم يُفاخرون بمهاراتهم بالطب بحسب مستوى زمانهم، فأجرى الله على يديه معجزات باهرات تُشاكل نوع مهارة قومه بحسب الصورة ولكن بمستوى لا يستطيع الطب بالغاً ما بلغ أن يصل إليها. قال تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. فمن هذه المعجزات:
- أنه يخلق من الطين كهيئة الطير.
- أنه يمسح على الأكمه، والأكمه هو الذي ولِدَ أعمى، أنه يمسح على الأكمه فيبرؤه بإذن الله.
- أنه يمسح على الأبرص فيشفيه بإذن الله، والبرص من أعقد الأمراض التي تستعصي على الطب.
- أنه يحيي الموتى بإذن الله، بعضهم قال: بالنداء، وبعضهم قال: باللمس .
- أنه صلى الله عليه وسلم يُنبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وهذا نوع من الاطّلاع على الأشياء المحجوبة والبعيدة.
- أنه كفّ الله بني إسرائيل عنه حينما أرادوا قتله، وألقى شِبْهَه على من دلّ على مكانه ثم رفعه إليه: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ .
- الحواريين طلبوا من سيدنا عيسى عليه السلام أن يُنزِل الله عليهم مائدة من السماء ليأكلوا منها، ولتطمئن قلوبهم بالإيمان، فيَثبتوا على الإيمان ويتثبّتوا من صدق سيدنا عيسى، فدعا عيسى ربه فأنزل عليهم المائدة التي طلبوها فكانت معجزة كبيرة لهم. ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾.
كل هذه المعجزات التي منّ الله بها على سيدنا عيسى ابن مريم وردت في هذه الآيات الطِّوال من سورة المائدة، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ .
هذا سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. ﴿ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ .