بحث

تنمية الاخوة بين المؤمنين وثمارها

تنمية الاخوة بين المؤمنين وثمارها

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوّة في الله : 

      أيها الإخوة في أمسّ الحاجة إلى فقه الأخوّة في الله، فالأخوّة في الله من أوثق عرى الإيمان،  

      عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  (( مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ )) . 

      عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْعَبْدَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )). 

      عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :  (( وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ )) . 

      بل إن الإخوة الإيمانية من أعظم النعم التي يسبغها الله على  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ )

      قال الله تعالى في القرآن الكريم: (واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً )

      أيها الإخوة الكرام، المحبة بين المؤمنين سبيل إلى ظل عرش الله يوم القيامة، فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه . 

      بل إن حقيقة الإيمان تعني الأخوّة الإيمانية، والدليل قطعي،  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )

      فإن لم يكونوا إخوة فليسوا مؤمنين، ( إنما ) أداة قصر وحصر  

      فإن لم يكونوا إخوة فليسوا مؤمنين . 

      أيها الإخوة الكرام، لقد وقعت المعجزة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم،  

      يقول الله عز وجل في القرآن الكريم : (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ )

      علامة إيماننا جميعاً أن يحب بعضنا بعضاً . 

وسائل تنمية الأخوّة بين المسلمين :  

      الآن ما هي وسائل تنمية الأخوة بين المؤمنين ؟  

أولا: الحبُّ في الله : 

      عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :  (( الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ )) . 

      الحب في الله : هناك حب في الله، وهناك حب مع الله، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك . 

ثانيا: سلامة الصدر : 

      ينبغي أن تكون سليماً من الحقد، أو الضغينة، أو سوء النية، وأن تحمل الأقوال على أفضل تحليل لها، وأن تحسن الظن بأخيك، فمن أحسن الظن بأخيه نال قرباً من الله عز وجل . 

      عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  (( لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا )) . 

ثالثا: عدم الهجر فوق ثلاث : 

      لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث،  

      عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  

      (( أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ )) . 

رابعا: النصح والتواصي بالحق والصبر : 

      مما يمتن العلاقة بين المؤمنين، أولاً سلامة الصدر والنصح و التواصي،  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم : (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) 

خامسا: معرفةُ فضلِ إخوتِك : 

      وأن تعرف فضل أخيك،  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم : (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) 

      هناك قاعدة ذهبية : إذا أحسن أخوك إليك بشيء فما ينبغي أن تنسى هذا الإحسان ما حييت، أما إذا أحسنت إليه فينبغي أن تنساه فوراً، وألا تذكره إطلاقاً، هذا هو الكمال . 

سادسا: المصارحة والمكاشفة : 

      لكم ومضة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية،  

      وقف أبو الهيثم يصارح ويكاشف، ويستفسر من النبي صلى الله عليه وسلم عما يجول في نفسه، قال : يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال، أي اليهود، حبالاً، وإنا لقاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا ؟ قال كعب بن مالك : فتبسم عليه الصلاة و السلام ثم قال :  (( بل الدم الدّم، والهدم الهدم، أنا منكم، وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم )) . 

      هذه مصارحة .كن مع أخيك صريحاً . 

سابعا: التسامح والتراحم : 

      عَنْ جُودَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  (( مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ ـ  صاحب الربا ـ)). 

      يقول عليه الصلاة و السلام :  (( من تنصل إليه أخوه فلم يقبل لم يرد عليّ الحوض )) . 

ثامنا: إدراك فقه الخلاف : 

      لكن أيها الإخوة الكرام، وسائل حماية الأخوّة تبدأ بإدراك أهميتها، وبعدها يجب أن نعرف فقه الخلاف، إذا أدركت فقه الخلاف تسامحت مع أخيك، ينبغي ألا تنكر عليه قضية خلافية، أنت تعتقد بموضوع ما اعتقاداً معيناً، فإذا كان هذا الشيء له وجه آخر ينبغي ألا تنكر عليه في قضية خلافية، وأن يكون فقه الاختلاف معك في كل قضية تحاور بها إخوتك في الله، وينبغي أن ترفع سقف الاختلاف إلى أعلى مستوى ممكن، و ينبغي أن ترفع مستوى الحوار إلى أعلى مستوى ممكن . 

      عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ : جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا )) . 

ثمار الأخوّة : 

أولا: ثمار الأخوة على المستوى الجماعي : 

      أيها الإخوة الكرام، ثمار الأخوة في الله على المستوى الجماعي لها ثمار يانعة، هذه الأخوة الإيمانية تحقق نجاحاً عاماً للمجتمع، هذه الأخوة الإيمانية تحقق راحة نفسية لكل أفراد المجتمع، هذه الأخوة الإيمانية تحقق تماسكاً في المجتمع، المجتمع المتماسك بأخوته الإيمانية لا يمكن أن يخرق، ولا أن ينال جانبه  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ )

      و تجعل هذا المجتمع كبيراً عند أعدائه،  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ)  

      تجعلون هذا المجتمع في أعلى درجات الهيبة من قِبل أعداء المسلمين،  

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ )) . 

      وأمته حينما تركت سنته هزمت بالرعب مسيرة عام . 

ثانيا: ثمار الأخوة على المستوى الفردي : 

      أما على المستوى الفردي يشعر المسلم إذا كان يحظى بأخوة إيمانية مع إخوانه المؤمنين أنه ليس وحيداً في الحياة، أن المجموع للواحد، وأن الواحد للكل، لست وحدك في هذه الحياة، هذا يعينه على طاعة الله، وعلى عبادته . 

      أيها الإخوة الكرام، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ )) . 

      حينما تحب أخاك، وتختلط معه تأخذ من خبراته، ومن علمه، ومن أساليب حياته، تزداد الحياة ثراء و غنى بهذا التواصل وتبادل الخبرات، وحينما تعيش مع أخ أرقى منك في الإيمان هو قدوة لك في ضبط جوارحه، في ضبط دخله، في ضبط إنفاقه، في تربية أولاده . 

      والأخوة تعين على الثبات، على الثبات على الحق، الذي ينتمي إلى جماعة مؤمنة هذا الانتماء يجعله على اتصال بالله مستمر، أما إذا عاش وحده فقد يتوهم وحده شيئاً لا يرضي الله، وقد يتوهم وحده عداوة ليست صحيحة . 

ملخَّص الأخوّة الإيمانية : 

      أيها الإخوة الكرام، قضية الأخوة الإيمانية من لوازم الدين، ويمكن أن تلخص في آية واحدة  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )

      وما لم تشعر بانتمائك إلى مجموع المؤمنين، وما لم تحب إخوانك المؤمنين، ففي الإيمان ضعف إن لم نقل  في الإيمان خلل . 



المصدر: خطبة الجمعة - الخطبة 1029 : التحليل القرآني لمعاناة المجتمع الإسلامي