أولاً: الأخوّة والإيمان:
الأخوّة في الله من أوثق عرى الإيمان، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْعَبْدَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) وورد في الحديث القدسي: ((وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ)) بل إن الإخوة الإيمانية من أعظم النعم التي يسبغها الله على المؤمنين قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾ المحبة بين المؤمنين سبيل إلى ظل عرش الله يوم القيامة، فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. بل إن حقيقة الإيمان تعني الأخوّة الإيمانية، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ فإن لم يكونوا إخوة فليسوا مؤمنين، ﴿إِنَّمَا﴾ أداة قصر وحصر. لقد وقعت المعجزة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل: ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ علامة إيماننا جميعاً أن يحب بعضنا بعضاً.
ثانياً: وسائل تنمية الأخوة بين المؤمنين:
- الحبُّ في الله: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ((الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ)). هناك حب في الله، وهناك حب مع الله، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك.
- سلامة الصدر: ينبغي أن تكون سليماً من الحقد، أو الضغينة، أو سوء النية، وأن تحمل الأقوال على أفضل تحليل لها، وأن تحسن الظن بأخيك، فمن أحسن الظن بأخيه نال قرباً من الله عز وجل. قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا))
- عدم الهجر فوق ثلاث: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ))
- النصح والتواصي بالحق والصبر: مما يمتن العلاقة بين المؤمنين، النصح والتواصي، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
- معرفةُ فضلِ إخوتِك: وأن تعرف فضل أخيك، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ هناك قاعدة ذهبية: إذا أحسن أخوك إليك بشيء فما ينبغي أن تنسى هذا الإحسان ما حييت، أما إذا أحسنت إليه فينبغي أن تنساه فوراً، وألا تذكره إطلاقاً، هذا هو الكمال.
- المصارحة والمكاشفة: لكم ومضة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية، وقف أبو الهيثم يصارح ويكاشف، ويستفسر من النبي صلى الله عليه وسلم عما يجول في نفسه، قال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال، أي اليهود، حبالاً، وإنا لقاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال كعب بن مالك: فتبسم عليه الصلاة والسلام ثم قال: ((بل الدم الدّم، والهدم الهدم، أنا منكم، وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم)) هذه مصارحة. كن مع أخيك صريحاً.
- التسامح والتراحم : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ ـ صاحب الربا ـ)) ويقول عليه الصلاة والسلام: ((من تنصل إليه أخوه فلم يقبل لم يرد عليّ الحوض))
- إدراك فقه الخلاف: وسائل حماية الأخوّة تبدأ بإدراك أهميتها، وبعدها يجب أن نعرف فقه الخلاف، إذا أدركت فقه الخلاف تسامحت مع أخيك، ينبغي ألا تنكر عليه قضية خلافية، أنت تعتقد بموضوع ما اعتقاداً معيناً، فإذا كان هذا الشيء له وجه آخر ينبغي ألا تنكر عليه في قضية خلافية، وأن يكون فقه الاختلاف معك في كل قضية تحاور بها إخوتك في الله، وينبغي أن ترفع سقف الاختلاف إلى أعلى مستوى ممكن، وينبغي أن ترفع مستوى الحوار إلى أعلى مستوى ممكن.
ثالثاً: ثمار الأخوة:
- ثمار الأخوة على المستوى الجماعي: الأخوة في الله على المستوى الجماعي لها ثمار يانعة، هذه الأخوة الإيمانية تحقق نجاحاً عاماً للمجتمع، هذه الأخوة الإيمانية تحقق راحة نفسية لكل أفراد المجتمع، هذه الأخوة الإيمانية تحقق تماسكاً في المجتمع، المجتمع المتماسك بأخوته الإيمانية لا يمكن أن يخرق، ولا أن ينال جانبه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ فالأخوة الإيمانية تجعل هذا المجتمع كبيراً عند أعدائه، ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ﴾ تجعلون هذا المجتمع في أعلى درجات الهيبة من قِبل أعدائه.
- ثمار الأخوة على المستوى الفردي: على المستوى الفردي يشعر المسلم إذا كان يحظى بأخوة إيمانية مع إخوانه المؤمنين أنه ليس وحيداً في الحياة، أن المجموع للواحد، وأن الواحد للكل، لست وحدك في هذه الحياة، هذا يعينه على طاعة الله، وعلى عبادته. قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ)) . حينما تحب أخاك، وتختلط معه تأخذ من خبراته، ومن علمه، ومن أساليب حياته، تزداد الحياة ثراء وغنى بهذا التواصل وتبادل الخبرات، وحينما تعيش مع أخ أرقى منك في الإيمان هو قدوة لك في ضبط جوارحه، في ضبط دخله، في ضبط إنفاقه، في تربية أولاده. والأخوة تعين على الثبات، على الثبات على الحق، الذي ينتمي إلى جماعة مؤمنة هذا الانتماء يجعله على اتصال بالله مستمر، أما إذا عاش وحده فقد يتوهم وحده شيئاً لا يرضي الله، وقد يتوهم وحده عداوة ليست صحيحة.
وما لم تشعر بانتمائك إلى مجموع المؤمنين، وما لم تحب إخوانك المؤمنين، ففي الإيمان ضعف إن لم نقل: في الإيمان خلل.