يقول عليه الصلاة والسلام:
(طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالاً جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة. طوبى لمن طاب كسبه، وحسنت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره. طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله.)
(طوبى) يعني هنيئاً
طوبى لمن تواضع في غير منقصة هناك خط دقيق بين التواضع والذل، وهناك مواقف إذا فعلتها تذل نفسك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) والتواضع أن تكون قريباً ممن هو دونك، لذلك من صفات النبي عليه الصلاة والسلام أنه ما صاحبه أحد إلا ظن أنه أقرب الناس إليه. كان تواضعه في المكان الصحيح، تواضع وهو عزيز، تواضع وهو عفيف، تواضع وهو نظيف، تواضع وهو مستقيم، فالتواضع الذي أمر النبي عليه الصلاة والسلام به، أو أثنى على صاحبه هو أن تكون في أعلى درجات القوة، ومع ذلك فأنت قريب ممن حولك.
طوبى لمن ذل في نفسه من غير مسكنة حالة المؤمن مع الله حالة تذلل، ولكن المؤمن عزيز إلى أعلى درجة، وذليل مع الله إلى أدنى درجة، لأنه عرف ضعفه، وعرف جهله، وعرف نقصه، وعرف أنه طارئ، وأنه حادث، وأنه ميت، ورأى عظمة الله عز وجل فصغرت نفسه أمام ربه، لذلك هو في عين نفسه صغير، لكنه في عين الناس كبير، بعكس الفاجر والفاسق، هو في عين نفسه كبير، وفي عين الناس صغير. العلاقة عكسية، كلما تذللت أمام الله عز وجل، كلما مرغت وجهك في أعتاب الله عز وجل رفع الله لك ذكرك، ورفع شأنك، وأسبغ عليك هيبة ووقاراً، وإذا استنكفت عن طاعة الله، واستكبرت عن عبادته، ورفضت الحق أذلّك الله بين خلقه، فلذلك إما أن تتواضع، وإما أن يضعك الله. إذا أجرى الله الخير على يديك فلا ينبغي أن تنسبه إليك، الله وفقني، وفعلت كذا، الله يسر لي هذا الأمر، أكرمني بهذا البيت، تفضل علي بهذا العلم، دائماً كلمة أنعم علي، وتفضل علي، وأكرمني، وأجرى على يدي الخير، وجعلني سبباً، هذه كلمات المؤمن، لا يرى أنه فعل شيئاً يقتضي أن يتيه به على خلق الله.
وأنفق من مال جمعه في غير معصية الحقيقة لماذا الذي ينفق ماله يشعر بالقرب من الله عز وجل؟ لأن الإيمان دعوى بالأصل، هو يدعي أنه مؤمن، ولكن حينما أنفق ماله أكد لنفسه قبل غيره أن الله ورضوان الله أغلى عليه من ماله، والمال شقيق الروح. ف الإنسان لا يرقى إلا بالبذل، إلا بالطاعات، لا يرقى بالاعتقادات، الاعتقاد لابد منه، لكنه شرط لازم غير كاف، بالاعتقاد لا ترقى، لكن ترقى بالبذل. وأنفق من مال جمعه في غير معصية لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
وخالط أهل الفقه والحكمة دائماً وأبداً انظر في الدنيا لمن هو أدنى منك، وانظر في الآخرة لمن هو أرقى منك تسعد في دنياك وأخراك، إذا نظرت في دنياك لمن هو أدنى منك رأيت نعم الله عليك لا تحصى، أما إذا دخلت على الأغنياء البعيدين عن الله عز وجل خرجت من عندهم وأنت على الله ساخط. الإنسان إذا خالط أهل الفقه والحكمة يتعلم من أخلاقهم، ومن أفعالهم، ومن أفكارهم، فيرقى عند الله عز وجل، والصاحب ساحب، قل لي من تجالس أقل لك من أنت.
ورحم أهل الذل والمسكنة من صفات المؤمن العطف على الضعفاء، وتوقير للكبار، فمن كان أكبر منك سناً كان أكثر منك علماً، وأقدم منك في طريق الإيمان، فيجب أن توقره، الحياة كلها أدب، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا حينما دخل سيدنا الصديق على النبي عليه الصلاة والسلام كان إلى جانبه سيدنا علي كرم الله وجهه، فقام علي كرم الله وجهه ليجلس محله سيدنا الصديق، النبي عليه الصلاة والسلام تأثر لهذا الموقف الأخلاقي ، قال عليه الصلاة والسلام: لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل.
طوبى لمن ذلت نفسه لله طبعاً، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وطاب كسبه كسبه حلال، طيب، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، رزقك طيب، وعملك صالح، إتقان العمل يجعل كسبك حلالاً، أن تأخذ السعر المناسب يجعل كسبك حلالاً، ألاّ تغش الناس في البيع والشراء يجعل كسبك حلالاً، ألا تنتقص من أموالهم.
وحسنت سريرته المؤمن فمن داخله نظيف، ليس عنده حقد، ولا عنده أسلوب الاحتيال، والمكر، والخداع، والخيانة، والمؤامرة، والتدبير، ليس عنده موقف معلن وموقف مبطن، سر وعلانية، يعتقد ما لا يقول، ويقول ما لا يعتقد، هذه أخلاق المنافقين، المؤمن بر كريم، والفاجر خب لئيم.
وكرمت علانيته من غير المقبول أن يكون مؤمنًا مظهره فيه إهمال، أنت مؤمن حتى المظهر الخارجي يجب أن يكون مقبولاً من دون فخامة، لكن من دون ضعف، فمن الدين أن تكون الثياب نظيفة، ومكان العمل مرتباً، والبيت مرتباً، فلا داعي أن يكون الإنسان مظهره غير مقبول، مظهره منفر، بيته منفر، محله التجاري منفر، علاقاته فوضى، غبار في دكانه، حساباته غير مضبوطة، بدعوا الزهد ليس هذا هو الإيمان فالزهد شعور قلبي وليس مظهر فقد تكون زاهداً وأنت من أغنى الأغنياء .
وعزل عن الناس شره طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مِنْ حُسْن إسلام المرءِ تِرْكهُ ما لا يَعنِيه
طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله فضل القول امسكه، وفضل المال أنفقه، وعمل بعلمه.