معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم، وهناك فرقاً كبيراً بين معجزات الأنبياء السابقين التي هي من النوع المادي الذي ينقضي بانقضائه، وبين معجزة النبي عليه الصلاة والسلام التي هي باقية إلى نهاية الساعة أو باقية إلى الأبد، وهي كلام الله عز وجل الذي أنزله عليه، وللقرآن الكريم وجوهاً عديدة للإعجاز منها:
أولاً: عدم التعارض بين القرآن وحقائق العلم مهما تقدم العلم:
أية حقيقة علمية عرضها القرآن، وأي دستور أو قانون أو نظام وضحّه القرآن، وأي مبدأ أو أي تشريع أو أي حكم نطقه، وأي خبر تاريخي أخبر به في الماضي أو مما سيقع في المستقبل، كل هذا ثابت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومع أن العلوم العصرية تقدمت تقدماً كبيراً كالعلوم الوضعية والمادية، لم نجد في كل هذه العلوم شيئاً ينقض ما في القرآن الكريم من حقائق. متى ينشأ التناقض؟ ينشأ التناقض بين حقيقة علمية وبين خرافة، أو بين حقيقة دينية وبين نظرية علمية لم تتحقق بعد، قد نجد تناقضاً بين الدين وبين النظريات العلمية التي لم تثبت صحتها، ونجد تناقضاً بين خرافة لا أصل لها في الدين وبين حقيقة علمية، أما أن نجد خلافاً أو تناقضاً بين حقيقة علمية وحقيقة جاء بها القرآن فهذا مستحيل، قال الله: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ في العصر الذي أنزل فيه القرآن لم يظهر ما ينقضه، ولا في العصور اللاحقة بعد ألف عام أو ألوف الأعوام. فهناك الكثير من الحقائق الفلكية، والحقائق النباتية والحيوانية متعلقة بالإنسان، وفي خلق الإنسان، في خلق الأرض في الجبال، فإن كل هذه الحقائق لم يأت مع تطور العصر ومع تطور العلم ما ينقضها إطلاقاً، مثلا في آية حقيقية علمية عرضت، والآن اكتشفوا أن الشمس تسير أي تجري، وربنا عزّ وجل قال: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ فالقرآن الكريم أثبت ذلك.
ثانياً: تشريعه الثابت الذي يصلح لسعادة الإنسان ومصالحه:
يوجد صحفي من دولة أجنبية كتب مقالة فقال: من أشد وحشية نحن أم المسلمون، لأنهم يتهموننا أن قطع يد السارق نوع من أنواع التوحش، فذكر هذا الصحفي أن ستة عشر مليون سرقة تتم في عام واحد، و أربعون في المئة من هذه السرقات تتحول إلى جريمة قتل، بل إن الإحصاء الدقيق في كل 30 ثانية ترتكب جريمة سرقة أو قتل أو اغتصاب، هذا الصحفي زار بلداً إسلامياً تقطع فيه يد السارق، رأى أشياء تكاد لا يصدقها العقل، أن هناك شاحنات مكشوفة تحمل ملايين من العملات تنتقل من محافظة إلى محافظة لدفع رواتب الموظفين من دون حراسة إطلاقاً، فربنا عزّ وجل سنَّ هذا التشريع. لو سألتني أن ألخص لك الفساد البشري بكلمات، أقول لك: الفساد البشري يلخص بعدوانين: عدوان على المال، وعدوان على العرض، العدوان على المال جزاؤه قطع يد السارق، قال الله: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ وقال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فالإسلام وضع حداً قاسياً للعدوان على الأموال والعدوان على الأعراض. هناك دولة لا تؤمن بوجود الله إطلاقاً تصدر تشريعاً بمعاقبة من يشرب الخمر، لماذا؟ لأنه قيل في الإحصاء: خُمس الشعب مدمن خمر، وهذا الخُمس مُستهلك غير منتج، بينما في الإسلام الخمر محّرم من الأساس، في أي مبدأ أو تشريع أوضحه، وتجارب الحياة تثبت باستمرار كمال مبادئ الإسلام وتعاليمه وقوانينه وأنظمته وسلامتها وصلاحيتها لسعادة الناس جميعاً.
ثالثاً: الاخبار المستقبلية التي ذكرت في القرآن حدثت:
منهاهذه الآية وردت ثم تحققت قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ... ﴾ . وقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ...﴾ وقد وفى الله للمؤمنين هذا الوعد، فحكم المسلمون مشارق الأرض ومغاربها.
رابعاً: حفظه من أي ضياع أو تحريف أو تبديل قد يطرأ عليه:
لا يأتيه الباطل بأن تتعرض نصوصه للضياع أو التحريف أو التبديل بالزيادة فيها أو النقص منها، الله سبحانه وتعالى صانه وحفظه فقال في محكم تنزيله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ .
خامساً: سلطانه العجيب في هداية الإنسان وتأثيره على قلبه وعقله:
إذا كان الإنسان صافياً أو بعيداً عن أثقال المادة وقرأ كلام الله عزّ وجل يخشع قلبه، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ الحقيقة هناك سر لا نعرف ما هو؟ ونحن عرفنا الأثر ولم ندرك سر التأثير، فسيدنا جعفر قرأ القرآن على النجاشي، ومن حوله الرهبان فأخذت الخشية تتغشاهم فأجهشوا جميعاً بالبكاء، أرسل النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين عالماً من علماء النصارى إلى رسول الله، فلما قرأ عليهم سورة " يس " بكوا جميعاً وآمنوا. فربنا عزّ وجل ذكر هذه الحادثة فقال: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾.
سادساً: الشمول:
من وجوه إعجازه أيضاً، أن ما في كتاب الله من حكم وأحكام، وعظــات وأخلاق، ومبادئ وعقائد، وتشريعات وأخبار عما مضى، وعما هو آت، ومعارف جزئية، وعلوم كلية، بلغت كلها مبلغاً لا يرقى الإنسان إلى الإتيان بمثله في تماسكها، وترابطها، وموافقتها للحق والمصلحة وسعادة الناس جميعاً، وما زال على تعاقب العصور بهذا المستوى رغم تقدم العصور، مع كل هذه الكمالات فقد أُنزل على رجل أُميّ لم يتعلم القراءة والكتابة، ولم يسبق له دراسة ولا قراءة، ولا تعلم على يد أحد، وفي أمة أميّة لا تعرف شيئاُ من هذه العلوم والمعارف التي جاء بها، وهذا أكبر دليل على أن هذا الكلام من عند الله، قال الله تعالى يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام في معرض الحديث عن أهل الكتاب: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ * وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾.
سابعاً: إعجازه في البلاغة والفصاحة:
الكلام عن إعجازه اللغوي، وإعجازه البياني، فحديث طويل أُلفت فيه المجلدات. مثال: في أكثر الآيات تأتي كلمة الرحمة مع العلم، لأن العلم من دون رحمة سلاح مدمر، جعل القنبلة النووية، وهذه القنبلة الذرية أُلقيت في الحرب العالمية الثانية، وكانت في البدايات قنبلة متواضعة جداً 300000 إنسان ماتوا بثوانٍ، فهذا هو العلم من دون رحمة، قال الله: ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ وفي عصرنا هذا انفرد العلم من دون الرحمة، ومن علامات آخر الزمان أن تنعدم الرحمة من قلوب الناس، وقد يتلذذ بشقائك.
ثامناً: تحدي العالم أن يأتوا بمثله :
الله سبحانه وتعالى تحدى الناس جميعاً أن يأتوا بمثله أو بمثل ســـورة منه، فما استطاع واحد منهم أو جماعة منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حتى عصرنا هذا أن يعارضه بكتاب مثله ، على الرغم من وجود أعداء كثيرين للإسلام في عصور التاريخ، ومنهم دول كبرى، قال تعالى : ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ...﴾
وقال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ فأنت بعد مضي ألف وخمسمئة عام على بعثة النبي عليه الصلاة والسلام تفتح القرآن، فتقرأ آية، ترى الناس لو اجتمعوا لا يستطيعون أن يصيغوا منهجاً للزوج كهذا المنهج، إنه منهج صحي، واجتماعي، واقتصادي، ودولي، وهو منهج في الحرب، و في السلم، و في العلاقات الشخصية، فالقرآن الكريم من حيث الإعجاز فيه إعجاز بياني، وإعجاز تشريعي، وإعجاز تاريخي، وإعجاز بلاغي، وإعجاز غيبي، وإعجاز علمي، وإعجاز حسابي. فمثلا: والقرآن الكريم كما أحصاه المحصون ، كلمة يوم وردت حصراً 365 مرة، وكلمة شهر وردت 12 مرة حصراً ، وفي القرآن الكريم عدد كلمات الجنة يساوي عدد كلمات النار، وكلمات الجن ككلمات الإنس، وكلمات الدنيا ككلمات الآخرة، وكلمات الملائكة ككلمات الشياطين، كيف جاءت بأعداد متوافقة تماماً إنه لشيء عجيب؟ فهذا إعجاز حسابي، وهناك إعجاز رياضي، هكذا وقد وقفنا على بعض من ألوان الإعجاز من أجل أن نعلم أن هذا القرآن كلام الله، وأن الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام .