بحث

عندما تؤمن بالله

عندما تؤمن بالله

بسم الله الرحمن الرحيم

      أيها الإخوة المؤمنون: سنتحدث عن مقتضيات الإيمان، إذا كان إيمان المؤمن صحيحاً فلهذا الإيمان مقتضيات لابد من أن تلازم الإيمان، فإذا ادعى أنه مؤمن، ولم يكن مطبقاً لمقتضيات الإيمان، فإيمانه ادعاء لا قيمة له إطلاقاً.  

أولاً: التصديق بكل ما جاء من عند الله:  

      أيها الإخوة: من مقتضيات الإيمان التصديق بكل ما جاء من عند الله، ولكن لهذا المقتضى شرح بسيط، أنت حينما نظرت في الكون فوجدت أن في الكون حكمة، وعلماً، ورحمةً، وخبرةً، وقدرةً، وغنًى، وأن هذا الكون لا بد له من خالق عظيم، وأن هذا الخالق العظيم أنزل على رسله الكتب هذه الكتب من خالق الكون، فالذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن.  

       قال الله تعالى:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ  

       وقال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ   

      أنت متى تصدق بكل ما جاء في القرآن، بأنك آمنت بخالق الأكوان، وآمنت بأن هذا القرآن كلامه، فمن البديهي أن تصدق الله بكل ما يقول، فمن لوازم الإيمان أن الله لم يدع خلقه بلا كتاب ومنهج ينبئهم لماذا خلقهم، وماذا يريد منهم، الآن بعد أن تؤمن بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، خالقاً مربياً ومسيراً، أسماؤه حسنى وصفاته عُليا، بعد أن تؤمن وأنه أرسل رسولاً، وأنزل كتباً، وأن الكتاب الذي بين يديك هو القرآن الكريم، دليله أنه كلام الله إعجازه، ودليل أن الذي جاء به رسول الله هو القرآن نفسه، لأنه معجز.  

      الآن أي شيء تقرأه في القرآن الكريم ينبغي أن تصدقه، وأي شيء يبينه لك النبي عليه أتم الصلاة والتسليم ينبغي أن تصدقه، فالتصديق مرحلة تسبقها مراحل، رأيت عظمة الكون، وانتقلت منها إلى عظمة خالقها، ورأيت إعجاز القرآن، وانتقلت منه إلى الذي جاء به الآن تصدق ما قاله الله في كتابه، وتصدق ما جاء به النبي في سنته.  

إذاً التصديق بكل ما جاء به القرآن  الكريم، وبكل ما جاءت به السنة الصحيحة مرحلة لاحقة لمراحل عدة ينبغي أن تكون قبلها.  

      أيها الإخوة: الحقيقة أن الأرض فيها حق وباطل، سوف نسمي هذين الشيئيين المتقابلين، أو المتعاكسين الإثنينية، فيها حق وباطل، فيها خير وشر، فيها طاعة ومعصية، فيها إيمان وكفر، فالحقيقة الدقيقة أنه إن لم تكن مع أهل الحق فأنت مع أهل الباطل قطعاً، إن لم تستجب لله فالعلم أنك تتبع هواك.  

       قال الله تعالى:فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ  

      يعني إن لم تكن هنا على هذا الخط الأول فأنت على الخط الثاني قطعاً، لأنه ماذا بعد الحق إلا الضلال، طريق واحد لا ثاني له، وعن يمينه وادٍ سحيق، وعن يساره وادٍ سحيق، فإن لم تكن أنت على الطريق أنت أين؟ في أحد الواديين قطعاً،  

       فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ  

      ماذا بعد الحق إلا الضلال؟  

       قال تعالى:فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ  

      ليس هناك خيارات، هناك خياران فقط، إن لم تكن على الحق فأنت متبع للهوى، إن لم تكن مع أهل الحق فأنت مع أهل الباطل، إن لم تتبع القرآن الكريم أنت تتبع الهوى.  

       قال تعالى: فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ  

       يقول الله تعالى في الحديث القدسي: شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني  وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني، أما شتمه إياي فقوله إن لي ولد وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد، وأما تكذبه إياي وقوله ليس يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته  

      تصديقك بما جاء في القرآن من لوازم الإيمان، تصديقك بما جاء في القرآن وما جاء في السنة الصحيحة من لوازم الإيمان ومقتضيات الإيمان، لذلك قال تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ  

      القلب السليم  هو القلب الذي سلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، قد تظن القضية سهلة، لستَ مقتنعا بشيء جاء به القرآن، هذا كفر، لستَ مقتنعا بتوجيه نبوي  بحديث صحيح، هذا كفر، إن لم تعتقد يقيناً أن الذي جاء به القرآن حق مطلق، وأن الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه حق مطلق، ففي الإيمان خلل، وهذا نوع من الكفر، ولكنه كفرٌ دون كفرٍ، أحيانا إنسان دون أن يشعر يقول لك: أنا لستُ مقتنعا بهذا الشيء، هذا الشيء فيه آية، هذا الشيء فيه حديث صحيح، إذا قال لك: لستُ مقتنعا بهذا الشيء، ومغطى بآية، لستُ مقتنعا بهذا الشيء، ومغطى بحديث فهذا نوع من الكفر.  

      لكن كما قلت قبل قليل: لا بد من أن تؤمن بالله أولاً من خلال الثابت الأكبر وهو الكون، الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، الكون تجسيد لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، فإذا آمنت بالله من خلال الكون، ثم آمنت بأن هذا القرآن كلامه من خلال إعجازه، ثم آمنت بأن الذي جاء بهذا القرآن المعجز هو رسوله الآن ينبغي أن يصدق بكل ما جاء به القرآن، وبكل ما جاء به النبي العدنان، هذا اللازم الأول من لوازم الإيمان.  

ثانياً: طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله:  

      المقتضى الثاني من مقتضيات الإيمان ومن لوازم الإيمان: طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله، من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تجبه ثم لا تطيعه.  

تعصي الإله وأن تظهر حبه       ذاك لعمري في المقال شنيع  

لـو كان حبك صادقاً لأطعته      إن المحب لمن يحب يطيـع  

      لذلك أيها الإخوة، لا يعد عابداً لله من أطاعه ولم يحبه، ولا يعد عابداً لله من أحبه ولم يطعه، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، هذه العبادة، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية.  

      مرة ثانية أيها الإخوة، ما منا أحد على وجه الأرض إلا ويطلب السلامة والسعادة إلا ويتمنى الفوز المطلق، النجاح، التفوق، التوفيق، التمييز، هذه فطرة الإنسان، الإنسان يحب أن يتناهى في الكمال، فيما يتصور طبعاً، لذلك الله عز وجل يقول: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً  

      الفوز الأكبر أن تطيع الله عز وجل، إيمان بلا طاعة كلام فارغ، في مئتي آية في القرآن الكريم تلازمَ الإيمانُ مع العمل الصالح:  

       قال تعالى:الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ  

       إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا  

      تلازم الطاعة مع الإيمان، وتلازم العمل الصالح مع الدعوة إلى الله، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا   

       وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ  

      لذلك الله عز وجل ربط عطاءه بالعمل.  

       قال تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ  

       فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً  

      المسلم حركي، أما الإسلام السكوني، قابع ببيته، لا يتحرك، لا يقدم شيء، لا يؤدي واجباته، يتابع الأخبار، يقيم الناس، فهذا ليس مؤمناً، الإيمان حركة،   

       قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى  

       يعني حينما تعصي الله عز وجل كأنك ترفض دخول الجنة، وحينما تطيع الله عز وجل كأنك تدفع ثمن الجنة.  

      إذاً من لوازم الإيمان الطاعة، أنا مضطر أن أقول: هناك إيمان إبليسي،   

      إبليس قال: فَبِعِزَّتِكَ  

      آمن بالله رباً، وآمن به عزيزاً،   

      وقال: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  

      آمن باليوم الآخر،   

      وقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ  

      آمن به خالقاً،   

      ولكنه إبليس عصا، مستكبراً، إذاً كل إنسان يؤمن ولا يطيع فإيمانه إبليسي، يؤمن ولا يطيع، من لوازم الإيمان الطاعة، حجمك عند الله بحجم طاعتك له.  

       قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  

      سيدنا سعد كان من أحب الأصحاب إلى النبي عليه الصلاة والسلام، كان إذا دخل عليه داعبه، يقول: هذا خالي، أروني خالاً مثل خالي  

      ما فدى النبي أحداً في حياته إلا سعد بن أبي وقاص كان يَقُولُ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ:  ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي  

      قال له عمر مرةً:  يا سعد لا يغرنك أنه قد قيل خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية،ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له، لا يرفعك عند الله إلا طاعتك،   

      أما لو رفعت ألف شعار إسلامي، الآن في مدخل محل التجار: بسم الله الرحمن الرحيم، وبصدر المحل: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً، مثلاً، بمحل آخر: هو الرازق وأنا عبده، ارفع ألف شعار، وضع الآيات على جدران المحل، وضع المصحف بالسيارة، تحت المرآة، معناها أنت مسلم، فإذا أطلقت بصرك في محارم الله لا تنفعك كل هذه المظاهر، من لوازم الإيمان الطاعة  لذلك: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً  

      ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك.   

ثالثاً: أداء الفرائض:  

      إن القلب الذي عمر بالإيمان تنطلق منه إشارات لامتثال الأعمال الصالحة والاجتهاد لأداء الفرائض، وأما من ادعى الإيمان بقلبه دون القيام بالفرائض فقد خدعه  الشيطان.  

       قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ  

      أداء الفرائض، ما عبد الله في الأرض بأفضل من أداء الفرائض.  

       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   

       خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة.من حافظ على الصلوات الخمس بركوعهن وسجودهن ووضوئهن ومواقيتهن. وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا، وآتى الزكاة طيبة بها نفسه  وأدى الأمانة، قيل يا رسول الله وما أداء الأمانة؟ ـ لها معنى خاص هنا ـ قال الغسل من الجنابة إن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيره  

      من فعل هذه العبادات الخمس فقد استوجب دخول الجنة، إذاً من لوازم الإيمان أداء الفرائض، هو صاحب دين لكنه لا يصلي، هكذا يقول بعض العوام.  

       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة عماد الدين من أقامها فقُد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين  

بين الرجل والكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر  

رابعاً: القيام بالواجبات والانتهاء عن المحرمات:  

      فلا يتم إيمان عبد إلا بقيامه بما أوجبه الله عليه، وانتهاءه عما حرمه الله عليه، طبقاً لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.  

      الفرائض معروفة، أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج البيت.  

      الواجبات كل أمر أمرَ به النبي عليه الصلاة والسلام فهو واجب، لأن الله عز وجل يقول: وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  

       أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:  أخبرني بعمل يُدْخِلُني الجنَّةَ، ويباعدني من النار، فقال القوم: ما لَهُ؟ ما لَهُ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أرَبَّ ما لَهُ؟ تعبدُ الله لا تُشْرك به شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ  

      إذاً النبي الكريم أمر بصلة الرحم فهي واجب، أمر بعيادة المريض، هو واجب وأمر بتلبية الدعوة، كل أمر في السنة يقتضي الوجوب، أنت كمؤمن من لوازم إيمانك ينبغي أن تصدق الله بكل ما جاء به في القرآن، وأن تصدق النبي بكل ما جاء به في السنة   وينبغي أن بعد التصديق أن تطيع الله بالمعنى الواسع،  

       قال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  

      ثم عليك أن تؤدي الفرائض الكبرى، ثم عليك أن تؤدي الواجبات التي وردت في السنة، أن تأتمر بما أمر، وأن تنتهي عما عنه نهى وزجر.  

      إذاً: تصديق ـ طاعة ـ أداء الفرائض ـ أداء الواجبات ـ هذا من لوازم الإيمان.  

      المؤمن - كما قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام - مذنب تواب:  كل ابن آدم خطاء وخير الخاطئين التوابون  

      والآية الكريمة: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ  

      إذاً المؤمن يسارع إلى التوبة، المؤمن كثير التوبة، المؤمن يتوب من قريب، لا يسمح للذنب أن يتمادى، يتوب فور وقوعه بالذنب، إن المؤمن خلق مفتناً، تواباً، نسياً، إذا ذُكر ذكر.  

       قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:  

      وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ   

خامساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:  

      بعد أن صدق بما جاء به القرآن، وصدق بما جاء به النبي العدنان، وبعد أن أطاع الله بكل ما أمر، وبعد أن أدى الفرائض، وأدى الواجبات، الآن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهي الفريضة السادسة.  

      أحياناً يروق لبعض الصحفيين أن يقول: إنه ثمة سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية، وثمة السلطة الرابعة الصحافة، بيانًا لأهمية الصحافة.  

      هنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفريضة السادسة، بل إن علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي اللحظة التي لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر فقدنا خيريتنا، أصبحنا كأية أمة خلقها الله عز وجل، الله عز وجل يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  

      ما هو المعروف؟ تعريف المعروف دقيق، يعني الفطرة السليمة تعرفه ابتداء الفطرة السليمة تعرفه بداهة، الفطرة السليمة تعرفه من دون تعليم، المعروف أن تكون زوجاً صالحاً أن تكون بائعاً صادقاً، أن تكون صانعاً متقناً، أن تكوني أن أماً رءوماً، أن تكون صادقاً إذا تكلمت، أن تكون أميناً إذا عوملت، أن تكون عفيفاً إذا ثارت شهوتك، هذا المعروف، ما تعارفت عليه الفطر السليمة، لذلك قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا  

      النفس الطيبة السليمة تعرف الخير بفطرتها، وتعرف الشر بفطرتها، إذا أحسنت تعرف أنها أحسنت، وإذا أساءت تعرف أنها أساءت، فكل شيء يقربك إلى الله عز وجل فهو معروف، وكل شيء يبعدك عن الله عز وجل فهو منكر، كل شيء تعرفه الفطر السليمة معروف، كل شيء تنكره الفطر السليمة منكر.  

       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بكم إن لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، قالوا أوكائن هذا يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، قالوا أوكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً  

      يكاد يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً،   

       قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ  

       وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: إن لم تنكر المنكر بيدك ولا بلسانك ولا بقلبك فاعلم علم اليقين أنه ليس في قلبك حبة خردل من إيمان  

       وقال تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ   

      التواصي بالحق ربع النجاة، أتحبون أن تستمعوا إلى حديث يفسر لكم لماذا حل بالمسلمين ما حل بهم؟   

       قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ قَوْمًا ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ  

سادساً: الدعوة إلى الله:  

       قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ  

فإن لم تدع إلى الله على بصيرة فأنت لست متبعاً لرسول الله، الآية الكريمة: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ  

      يعني لا تجد على وجه الأرض إنساناً أفضل  مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ  

      ومن كرم الله أيها الإخوة أنه من دعا إلى هدى كما قال عليه الصلاة والسلام: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا  

      تفضل الله عليك، وكنت سبب هداية إنسان، هذا الذي كنت سبب هدايته كل أعماله الصالحة إلى يوم القيامة، يعني تزوج امرأة صالحة بعد ما اهتدى، اختار امرأة صالحة، أنجب أولاد رباهم تربية إسلامية، والأولاد تزوجوا، إلى يوم القيامة، كل أعمال هذا الذي اهتدى على يديك إلى يوم القيامة، كل أعماله وأعمال ذريته إلى يوم القيامة في صحيفة الذي هداه إلى الله، ما من عمل على وجه الأرض يفوق أن تكون سبباً في هداية إنسان،   

       قال تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً  

       وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ  

      أربح تجارة، التجارة الآن يقول لك: أخذنا بالمئة عشرين، ممتاز، هناك شركات وزعت بالمئة سبعة، وخمسة، وأربعة، وثلاثة، وثمانية، وتسعة، عند الله أضعاف مضاعفة كثيرة الله وحده أعلم كم تصبح، الإنسان قد يضع في فم زوجته لقمة يراها يوم القيامة كجبل أحد.  

       مر النبي عليه الصلاة والسلام  بقبر فقال: صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم  

      هناك شركة في اليابان فيها أربعون ألف عامل، أرباحها تساوي الدخل القومي لدولة عددها خمسون مليونًا، شركة عمالها أربعون ألفًا، أرباحها السنوية تساوي الدخل القومي، كلمة دخل قومي مجموع كل الإنتاج لدولة فيها خمسون مليونًا، وهناك شركات عملاقة، شركات لها ميزانيات تفوق ميزانيات مجموعة دول.  

       وقال صلى الله عليه وسلم: فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ الدنيا وما فيها  

      خمس قارات، الذي عنده حقول النفط كلها مثلاً، ما دخله هذا؟ يقول لك: ثلاثة ملايين برميل كل يوم، والبرميل 75 دولارا، يومياً، لو أن واحد ملك كل حقول النفط في العالم، كم دخله اليومي؟!  

       فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ الدنيا وما فيها  

      فإذا أقنع إنسانٌ إنسانًا بالاستقامة، أقنعت إنسانًا ليصلي، هذه أكبر تجارة، لذلك هذه صنعة الأنبياء، أنا لأستغرب أو أنا لأعجب أشد مما أعجب من إنسان لا يفكر أبداً أن يهدي الناس، مع أن الإناء إذا امتلأ ينبغي أن يفيض على غيره، أنا لا أصدق أن مؤمنًا صادقًا لا يفكر بهداية أحد.  

سابعاً: مولاة المؤمنين والتبرأ من الكافرين:  

      أيها الإخوة الكرام: من لوازم الإيمان: مولاة المؤمنين والتبرأ من الكافرين.  

      الولاء أيها الإخوة الحب والود والمناصرة والتأييد، أهم مقتضيات الإيمان أن توالي المؤمنين، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين، أما إذا واليت الكفار فهذا ينقض إيمانك، أما إذا أعنتهم على المسلمين فهذا يجعلك مجرماً، أما إذا أعنتهم على قتلهم هذا يجعلك في الدرك الأسفل من النار.  

       قال الله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ  

      ولاؤك يعني محبتك، مناصرتك، تأييدك، تمنياتك بالنصر، ألمك لما يصيب المؤمنين، هذا كله من لوازم الإيمان، تبرؤك وبغضك ونفورك من أهل الكفر والمعصية هذا من لوازم الإيمان، أما إذا أحببت الكفار، وكرهت المؤمنين فهذا من نواقض الإيمان، أما إذا أعنت الكفار، وخذلت المؤمنين فهذا من الأعمال الكبيرة، أما إذا أعنتهم على قتل المؤمنين فهذا من الأعمال الإجرامية، من لوازم الإيمان موالاة المؤمنين، ولو كانوا ضعافاً، ولو كانوا فقراء، والتبرؤ من الكفار ولو كانوا أقوياء وأغنياء، الله يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  

      إن الله يحبنا أن نوالي بعضنا بعضاً، أن نتعاون، أن نتواصل، أن نتزاور، أن نتناصح، أن نتبادل فيما بيننا، هذا الذي يحبنا الله من أجله.  

      أما التبرؤ من الكفار ففي قوله تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ   

الملخص:  

      من لوازم الإيمان:   

  1. التصديق بما في القرآن الكريم، وما في السنة الصحيحة.  
  2. مطلق الطاعة لله ورسوله.  
  3. أداء الفرائض.  
  4. أداء الواجبات.  
  5. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.   
  6. الدعوة إلى الله.  
  7. مولاة المؤمنين والبراءة من الكفار والمشركين.  

      من لم يفعل هذه فقد برأت منه ذمة الله، من فعل عكسها انتقض الإيمان في قلبه.  

      أيها الإخوة الكرام: العقيدة أخطر شيء في الدين إن صحت صح العمل، وإن فسدت فسد العمل، العقيدة ميزان، والخطأ في الميزان لا يصحح، بينما مفردات الشريعة وزن والخطأ في الوزن لا يتكرر، يعني صعب إنسان واقع في شبهة، أو واقع في بدعة، أو واقع في عقيدة فاسدة أن يتوب منها، لكن سهل جداً لو كان الخطأ سلوكيًا تتوب منه، التوبة من خطأ سلوكي سهلة جداً، أما التوبة من عقيدة فاسدة والعياذ بالله فصعبة جداً، لأن الذي فسدت عقيدته يتوهم أنه على صواب وحده، وأن ما سواه مخطئ.  



المصدر: العقيدة - العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس (03-40) : مقتضيات الإيمان