بحث

الإنسان والوقت

الإنسان والوقت

بسم الله الرحمن الرحيم

     الوقت أحد مقومات التكليف، الله عز وجل أعطانا وقتاً نستطيع فيه أن نحقق الهدف الذي خلقنا من أجله، لكن ما الوقت؟ الوقت هو الزمن، فمن تعريفات الزمن أنه البعد الرابع للأشياء، بشكل أدق كل مادة الله عز وجل خلقها صممها بطريقة أن الزمن له أثر فيها.  أما الإنسان ما وجدت تعريفاً جامعاً مانعاً لهذا الإنسان كهذا التعريف الإنسان هو بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه هذه الحقيقة ينبغي أن تكون ماثلة في أذهاننا جميعاً، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة. 

     الآن وقفة متأنية لو أن إنساناً أصابه مرض عضال، وقيل له: إن عملية جراحية يمكن أن تكون سبب شفائك لكنها باهظة التكاليف، وقد تساوي ثمن بيتك، هل يتردد المريض ثانية واحدة في بيع البيت وإجراء هذه العملية؟ لا يتردد لماذا؟ لأنه مركب في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال، لذلك ضحى بالمال من أجل الوقت حتى يعيش عدة سنوات إضافية، طبعاً هذه مقدمة، ثابتة. الآن لو وقف إنسان وأمسك بخمسمئة ألف وأحرقها أمامكم، وحاولتم جهدكم أن تثنوه عن ذلك فلم يقبل وتمّ إحراقها بماذا تحكم عليه؟ بأنه مجنون، وبالتعبير الشرعي سفيه:  ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ﴾ إذا كان إتلاف الأموال يعدّ سفهاً، فكيف يكون إتلاف الوقت والوقت أثمن من المال؟ لذلك أذكى الأذكياء يحسن إدارة الوقت، وكلما ارتقيت تحرص على وقتك. المؤمن حينما يختار هدفاً لا نهائياً يرى أثمن شيء يملكه هو الوقت، الوقت هو أنت، أنت وقت، أنت بضعة أيام لذلك أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن أنه خاسر، يعتني بدنياه، يمضي ساعات طوال لترفيه نفسه، يرتب بيته، يرتب شؤون حياته، يسعى إلى أن يستمتع إلى أعلى درجة من الاستمتاع، ثم يفاجأ بملك الموت يأخذ منه كل شيء في ثانية واحدة، الذكاء كل الذكاء، والفوز كل الفوز، والتفوق كل التفوق أن تحسن إدارة الوقت، أن تستغل الوقت، لذلك في مفهومات حضارية لها أصول في الإسلام كبيرة جداً، مفهوم الوقت ﴿وَسَارِعُوا﴾  المسارعة تعني أن الوقت يمضي:  ﴿سَابِقُوا﴾  المسابقة تعني أن الوقت يمضي.  ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا؟ أَوْ الدَّجَّالَ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)). 

     لذلك أحد مقومات التكليف أنك أنت أعطاك الله الكون، كل شيء في الكون ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله، ثم أعطاك العقل كأداة لمعرفة الله عز وجل وفق مبادئه الثلاث مبدأ السببية والغائية وعدم التناقض، ثم أعطاك الله الفطرة مقياساً نفسياً يكشف لك خطيئتك، ثم أعطاك الشهوة كقوة دافعة، ثم أعطاك الاختيار كقيمة مثمنة لعملك، ثم أعطاك الوقت، كغلاف لعملك، الوقت غلاف العمل، الآن كل ذكائك وكل توفيقك وكل بطولتك وكل فلاحك في إدارة الوقت، الله عز وجل أقسم، وإذا أقسم الله بشيء فهم بالنسبة إلينا شيء عظيم، الوقت هو كل شيء عندنا، بلا وقت لا يوجد شيء، قال تعالى:  ﴿والْعَصْر﴾  أقسم بمطلق الزمن، لمن أقسم؟ لهذا الإنسان، من هو هذا الإنسان؟ أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن جواب القسم:  ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾  خاسر ،  ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾   تجد الإنسان يسعى، ويجتهد، ويسهر الليل، ويعمل في النهار، ويخاصم، ويتزلف، ويرجو، ويتضعضع، أن اشترى هذا البيت، اشترى مركبة، ثم اشترى مزرعة، حينما يأتيه ملك الموت ينخلع قلبه، من كل شيء إلى لا شيء، من عدة مراكب على الباب، ومكتب تجاري فخم، وطعام نفيس، ومكانة اجتماعية عالية، وسهرات، ونزهات، ولقاءات، وسفر سياحي، إلى قبر، إن في الموت موعظة، بل الموت أكبر موعظة. بمعنى أن التفكر بالموت يسرع الخطا إلى طاعة الله، ويمنع من معصية الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم:  (( أكثروا ذكر هادم اللذات )) مفرق الأحباب، مشتت الجماعات.  (( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به )) الميت حينما يموت هكذا ورد في بعض الآثار: إن روح الميت ترفرف فوق النعش، تقول: يا أهلي، يا والدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، فأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علي. 

     ادرس خذ دكتوراه أسس معملاً، لكن لا تنسى، يوجد موت، لا تنسى في آخرة، لا تنسى في حساب، حساب عن هذا المال من أين اكتسبته؟ وفيمَ أنفقته؟ عن عمرك ماذا فعلت به؟ عن شبابك فيما أفنيته؟ عن مالك كيف أنفقته؟ اسأل، الموت لا يمنع العمل، إياكم أن تفهموا مني أني أدعوكم إلى القعود، الصحابة الكرام كانوا يقدمون أعمالاً مذهلة، لكن وفق الاستقامة، الموت يمنعك أن تعصي الله، الموت يجعل أهدافك نبيلة. 

     الآن هذا الوقت الذي هو أنت، هذا الوقت الذي هو رأسمالك، هذا الوقت الذي لا تملك أثمن منه، هذا الوقت الذي هو وعاء عملك كيف تنفقه؟ عندنا خطأ في استهلاك الوقت يفوق حد الخيال، كلام:  (( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ )) الوقت هو أنت إياك أن تنفقه إنفاقاً استهلاكياً، معنى إنفاق استهلاكي جالسين أكلنا، شربنا، نمنا، سهرنا، ضحكنا للساعة الثانية، نمنا استيقظنا، ذهبنا إلى العمل وفي العمل ربحنا وأكلنا وشربنا ونمنا، تستطيع تستيقظ كل يوم كاليوم السابق دائماً؟ مستحيل، لذلك مقوم الوقت أخطر مقوم هو أنت، هذا الوقت إما أن ينفق إنفاقاً استهلاكياً كما يفعل معظم الناس اليوم، أو ينفق إنفاقاً استثمارياً، الاستثماري قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾  هذه السورة فيها أركان النجاة، أربعة بنود إن فعلتها فلست بخاسر: 

 

  1. ابحث عن الحقيقة: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ، ابحث عن سر وجودك، ابحث عن غاية وجودك، ابحث عن الحلال والحرام، افهم كلام الله، تدبر آيات الله، افهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، اقرأ سيرته، اقرأ عن الصحابة الكرام كيف وصلوا إلى مبتغاهم بسلام. في جانب اليوم البحث عن الحقيقة، اسأل، ابحث، لا تكن أقل من بني البشر، لمجرد أنك تلغي طلب العلم من حياتك هبطت عن مستوى إنسانيتك، عندك حاجات سفلى طعام، شراب، زواج، وعندك حاجات عليا طلب العلم، ما لم تطلب العلم فأنت لست بالمكان الذي ينبغي، أنت لست إنساناً يحقق الهدف الذي خلق من أجله. 
  2. العمل الصالح:  ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ في حركة، ماذا فعلت؟ أكلت وشربت ونمت، ماذا قدمت لآخرتك؟ أعنت إنساناً؟ أطعمت جائعاً؟ كسوت عارياً؟ نصحت إنساناً؟ خدمت إنساناً؟ أطعمت فقيراً؟ دخلت بمؤسسة خيرية؟ ساهمت بشيء؟ ماذا فعلت؟ يوجد أعمال صالحة لا تعد ولا تحصى، يوجد أشخاص عجزة، هناك من يواسيهم يبتغي بهذا وجه الله، يوجد أيتام يحتاجون إلى رعاية، َقدم شيئاً، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، يجب أن يكون لكل واحد منكم عمل كبير، عمل والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق. 
  3. الدعوة إلى الله: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ هذه الدعوة التي هي فرض عين على كل مسلم، نصحت، سمعت خطبة نقلت مضمونها لزوجتك، لابنك، لأخيك، لجارك، لصديقك؟  ((بل غوا عني ولو آية ))  لا بد من أن تبحث عن الحقيقة، ولا بد من أن تعمل وفقها، ولا بد من أن تدعو إليها. 
  4. الصبر:  ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ لا بد من أن تصبر على البحث عنها، والعمل بها، والدعوة إليها، الرابعة تغطي الثلاثة:  ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾  الرابعة:  ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ يعني صبر على طلب الحقيقة، وعلى العمل بها، وعلى الدعوة إليها. 

     هذه استثمارات الوقت، موضوع الوقت ثمين جداً، ما مضى فات والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، الماضي مضى من الحمق البحث في الماضي بخيره وشره، والمستقبل لا تملكه، موضوع الوقت لا أعتقد أن هناك موضوعاً أخطر منه، أنت وقت، رأسمالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت وكل عقلك وذكائك وبطولتك أن تحسن إدارة الوقت. 



المصدر: العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 31 - الوقت -1- أهمية الوقت في الإسلام - الغدة النخامية