بحث

الأزمة المالية العالمية

الأزمة المالية العالمية

بسم الله الرحمن الرحيم

      الأزمة المالية في العالم الغربي انتشرت آثارها السلبية إلى كل أنحاء العالم، كل يوم خبر إفلاس كبرى الشركات بل إن الخسارة التي تحققت خلال أربع وعشرين ساعة خمسة تريليون دولار، أي كل إنسان يملك رصيداً في البورصة خسر أربعين بالمئة من رأسماله، وإفلاسات الشركات تترا، والأسعار اضطربت، هذه الأزمة المالية الخطيرة كيف هي من منظور الشريعة الإسلامية؟.  

      إن من أعظم الأشياء التي قامت بها البشرية بابتكارها النقد، النقد كان بديلاً عن نظام المقايضة، المقايضة شيء غير عملي إطلاقاً، متعب جداً، فأصبحت النقود معياراً لقيم الأشياء، وأداءً للذمم التي في الأعناق، وتسهيلاً وضبطاً للمبادلات بين أفراد البشر، لكن من غير المنطقي أن يتم تبادل النقود في المجتمعات البشرية من دون أن تنتقل بوساطتها السلع والخدمات، النقد شيء، والسلع والخدمات شيء. الذي حصل أن المتاجرة الآن بالنقود والأسهم والسندات فقط والبضائع في أمكنتها لا تتحرك، ولا تنتقل، ولا تجلب، ولا تباع، إلا عن طريق المقامرة بها، هذا النظام العالمي الاقتصادي. فإذا تبادل الناس النقود من دون سلع وخدمات أصبحت النقود بحدِّ ذاتها سلعاً، مع أن الفرق جوهري بين السلع وبين النقود، الفرق الجوهري أن السلع ينتفع بها مباشرة، البيت تسكنه، الطعام تأكله، المركبة تركبها، أما إذا كنت جائعاً وليس هناك طعام وأنت في الصحراء ماذا تفعل بالنقود؟ لا قيمة لها، فالسلع ينتفع بها مباشرة أما النقود واسطة، وحينما نتعامل مع النقود كسلع فنتاجر بها عندئذ نكون قد وقعنا في خطر مدمر ظهرت نتائجه الآن، فنظام عالمي قائم على الربا، وقائم على المتاجرة بالنقود، وقائم على بيع وهمي وشراء وهمي بما يسمى بتجارة الهامش.  

      النظام المالي الإسلامي يعد المال قوام الحياة الإنسانية قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾، فإذا عصينا منهج خالقنا العظيم، الخبير، بأسباب سلامتنا وسعادتنا الذي أراد المال في محكم تنزيله أن يكون متداولاً بين الناس جميعاً الآية الكريمة: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ﴾ الكتلة النقدية أرادها الله أن تكون متداولة بين كل الخلق، الوضع الصحي، الوضع الطبيعي، الوضع السالم والآمن، أن تكون هذه الكتلة متداولة بين كل الخلق. أول حقيقة المال قوام الحياة، وأن هذا المال الذي فيه قوام الحياة يجب أن يكون موزعاً ومتداولاً بين كل البشر لا أن يكون دولة بين الأغنياء منكم.  

      لذلك حرم الشرع أشد التحريم وليس من آية في القرآن الكريم إلا هذه الآية تتوعد آكل الربا بحرب من الله ورسوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾،  وقوله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾. لأن حقيقة الربا أن المال يلد المال، والأموال إذا ولدت الأموال تجمعت الأموال في أيدٍ قليلة، وحرمت منها الكثرة الكثيرة، وتولدت مفارقة حادة بين بين الأغنياء وبين الفقراء، بين المترفين والمتعبين، هي سبب الإرهاب في الأرض. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((وكاد الفقر أن يكون كفراً)) . بينما حقيقة النظام الإسلامي أن الأعمال تلد المال.   

      لذلك إن خروج النقود عن وظائفها الأساسية كأداة لتبادل السلع والخدمات وجعل محلها للمتاجرة بها كما في الربا الذي حرمته الشرائع، ولاسيما الشريعة الإسلامية ومعناه تعطيل لتلك النقود وتضييق في المبادلات، وهذا ما ينتج عنه نقص الأرباح، وتقليل الفاعليات الاقتصادية، وزيادة البطالة، وانتشار المعاملات الوهمية. فمن المُسَلّم به أن مصلحة الأنشطة الاقتصادية المختلفة من زراعة وصناعة وتجارة أن يكون المشتركون فيها لهم رغبات، وأهداف، ومصالح متآلفة ومتحدة تتجه إلى ترقية هذه الأنشطة، أي تتجه إلى الربح، فما لم يكن الربح موزعاً بين كل النشاطات صار هناك ربا، البنك لا يهمه ربحك يهمه سيحقق ربحاً ثابتاً ربحت أو خسرت أو فلست، لا يهمه، وأنت لا يهمك أن تربح يهمك تخلص من الدين مع الفائدة، أما بالمضاربة ما من شيء حرمه الله إلا جعل له قناة نظيفة تسري خلاله، المضاربة، أي شريك، المال معك إذا لم تربح ليس له عندك شيئاً، إذا خسرت يعاونك بالخسارة، وإذا ربحت يأخذ جزءاً من الربح، والنبي الكريم كان أول مضارب في الإسلام. آيتان في القرآن الكريم، كل ما يجري تأكيد لهاتين الآيتين، لذلك أحد أدلة أن هذا القرآن كلام الله وقوع الوعد والوعيد. قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ .

      يقوم هذا النظام الإسلامي على  ال مبادئ التالية:  

  •      تحريم الربا.   
  •      وتحريم بيع الغرر، اليانصيب مثلاً.   
  •      وتحريم الميسر.   
  •      وتحريم التعامل في الأمور المحرمة شرعاً كالخمر والزنا.   
  •      تقاسم الربح والخسارة، لا يوجد فائدة ثابتة، البنك الإسلامي يمول لكن له نصيب من الربح ليس فائدة ثابتة.   
  •      تحريم التورق إلا بشروط.   

      تقرير صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي، تقرير يتناول النظام المصرفي الإسلامي الذي يعيش ازدهاراً واضحاً، وقد أكد هذا التقرير أن النظام المصرفي الإسلامي مربح للجميع مسلمين وغير المسلمين، ويمكن تطبيقه في جميع البلاد، فضلاً عن أنه يلبي الحاجات الأساسية عند الإنسان، لذلك يحث التقرير على فتح مصارف إسلامية في فرنسا، أو إقامة نظم تشريعية وضريبية إسلامية على التراب الفرنسي تراعى فيها قواعد الشريعة الإسلامية في المجال المالي، ويعني النظام المصرفي الإسلامي بخاصة والمالي بعامة. مع تقدم الزمان يكتشف العالم الغير المؤمن أن الصواب في الشريعة الإسلامية، قبل أن ينهار الاتحاد السوفيتي ماذا حرم؟ حرم الخمر تحريماً قطعياً، معسكر يؤمن بأنه لا إله لكن حرم الخمر، والآن الدعوة بأعلى صوت إلى إلغاء النظام العالمي القائم على الربا، وبعض الدول الرأسمالية أممت المصارف كلها، يعني شيء عجيب الأخبار صاعقة، هذا النظام الربوي القائم على الاستغلال تداعى. أعود وأقول لكم إن أعظم ما يملكه المؤمن الأمن العقدي، أي كل شيء يحصل في الأرض يؤكد له صحة دينه، وصحة قرآنه، ووقوع الوعيد والوعيد أكبر الأدلة أن هذا القرآن كلام الله.  



المصدر: الخطبة : 1088 - الأزمة المالية في العالم الغربي - مجامع الفقه تحرم التعامل بالبورصة .