تعريف الغلو:
معنى الغلو: مجاوزة الحد، والحد هو النصُّ الشرعي، كلام الله عزَّ وجلَّ، وما صح من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن يُفهم هذا النص وفق قواعد علم الأصول، ومصطلح " الغلو" ورد في القرآن الكريم في موضعين: قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا ُّبِينًا﴾ وقال جلا جلاله أيضا: ﴿يَا ّأَيُهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ وورد في السنة المطهرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والغلوَّ في الدين ! فإنه أهلك من كان قبلكم، الغلوُّ في الدين)).
تعريف الغلاة:
إذا بحث العالم في مسألة من مسائل الدين، فهو يجمع النصوص القرآنية والنبويّة فيها، ولا يأخذ نصاً ويهمل غيره، ولا يأخذ فقرة من نصٍّ ويُهمل بقية الفقرات. أما الغلاة المتهورون يأخذون نصاً يُلائم غلوَّهم يُسلِّطون عليه الأضواء، ويُعَتِّمون على نصٍّ آخر، ينقض غلوهم، فالآيات التي يمكن أن تغطي غلوَّهم، يشدُّونها عن طريق التأويل المتكلف إلى ما يوافق أهواءهم، والآيات التي تناقض غلوهم يغفلون ذكرها، وإذا ذُكَّروا بها صرفوها إلى غير المعنى الذي أراده الله. أمّا فيما يتعلق بالأحاديث الشريفة، فهم يقبلون الضعيف، بل الموضوع، إذا غطّى غلوهم ويُعرضون عن الحسن، بل الصحيح إذا فضح انحرافهم. إنهم يتخيَّرون من النصوص مّا يعجبهم، فهم ـ وهذا حالهم ـ من أهل الرأي، الذين تحَكَّموا بالنصّ ولم يحتَكِموا إليه، واعتقدوا ثم استدلوا، وهذا انحراف خطير، والصواب أن يستدلوا ثم يعتقدوا.
أنواع الغلو:
- غلو اعتقادي.. وهو أن الغلاة يعتقدون فيمّا هو جزء من الدين أنه الدين كلّه. ولا شك هو الأخطر، لأن صاحبه لا يرجع عنه، إذ يعتقد أنه على صواب فهو لا يدري ولا يدري أنه لا يدري. ولأن هذا النوع من الغلو افترقت منه الفِرق، وبزغت عنده الأهواء، واختلفت فيه العقول، وتباعدت من أجله القلوب، وسالت من تداعياته الدماء، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
- الغلو العملي.. فحينما يقع الإنسان فريسة وساوسه المتسلطة، فيظن أنه بمفرده يستطيع أن يرفع المعاناة عن الأمة كلها بعمل غير مشروع في منهج الله. وحينما يتجاوز في عبادته الحد الذي شرَّعه الله فيهمل عمله ويهمل أسرته، وبهذا يختل توازنه، ولا يحقق الهدف الأمثل من تدينه...
أسباب الغلو:
- الجهل: وهو: عدم معرفة حكم الله جلّ وعلا، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فقد يكون المغالي معظماً للحرمات، غيوراً على دين الله، فإذا رأى إنساناً متلبساً بمعصية، لم يطق، أو لم يتصور أن هذا الشخص مسلم، أو أن ذنبه يمكن أن يُغفر، لذلك يتهمه بالكفر والخروج من الدين. وقد تكون له محبة لرجل صالح، وأصل هذه المحبة مشروع في الدين، لكن هذه المحبة زادت وطغت بسبب الجهل حتى وصلت إلى درجة الغلو الذي رفع هذا الإنسان فوق منزلته؛ واتهم كل من لم يقره على هذا الغلو بالكفر والفسق. وقد يكون الجهل جهلاً بالدليل لعدم معرفته أو لعدم الاطلاع عليه، وقد يكون جهلاً بالاستنباط، أو جهلاً بقواعد اللغة العربية. والجهل أسهلُ أسبابِ الغلو معالجةً، ولا سيما إذا كان المغالي بريئاً من الهوى، والنزعات الشريرة، فالجهل يزول بالعلم...
- الهوى: الذي يجر صاحبه إلى التعسف في التأويل، وردّ النصوص الصحيحة، وقد يكون الهوى لغرض دنيوي من طلب الرئاسة أو الشهرة أو نحوهما، وقد يكون المغالي بعيداً عن هذه المطالب، ولكن الانحراف سبق إلى عقله وقلبه واستقر فيهما، وتعمَّق جذوره، وترسخ أصوله. وحينئذ يَعِزُّ على المغالي أن يتخلى من غلوه، وأن يقرَّ على نفسه أنه كان متحمساً للباطل، مناوئاً للحق، فيتشبث بباطله ويلتمس له الأدلة الضعيفة الواهية من هنا وهناك. وقد يكون الهوى بسبب نفسية مريضة معتلَّة منحرفة، تميل إلى الحدة والعنف، والعسف في آرائها ومواقفها، وتنظر دائماً إلى الجانب السلبي والمظلم للآخرين.. وقد يتصف صاحبها بالعلو والفوقية، من دون أن يشعر بذلك، فضلاً عن أن يعترف به. فإذا التقى الأشخاص أو قرأ كتبهم، فليبحث عن نقاط ضعفهم، مغفلاً النواحي الإيجابية التي يتمتعون بها، وعندها تتبخَّر ثقته بالعلماء العاملين، والدعاة المخلصين، ويبتعد عنهم ويستقل بنفسه ورأيه، فينتج عن هذا الشذوذ في الآراء والمواقف والتصورات، ثم في السلوك.
- غلو الطرف الآخر: فالذين يجرُّون المجتمعات الإسلامية إلى الفساد، والإباحية، وإلى الانحلال الخلقي، وينتهكون الحرمات، ويستخفون بالثوابت، ويدنسون المقدسات هم في الحقيقة من المتسببين في حدوث الغلو، وإن أعلنوا الحرب عليه.. فمظاهر الاباحية والانحلال في المدرسة والجامعة والشارع والشاطئ والمتجر والحديقة وفي وسائل الإعلام؛ إذا أقرَّها المجتمع وسكت عنها، أو شجعها ودعمها وحماها، فإن هذا المجتمع عليه أن يستعد للتعامل مع أنماط كثيرة من الغلو.
معالجة الغلو
لا سبيل إلى القضاء على الغلو في الدين.. إلا بتمكين العلماء الربانيين العاملين المخلصين من القيام بواجبهم في الدعوة إلى الله، وَفقَ أُسس صحيحة متوازنة، ومن خلال رؤية صافية لحقيقة الدين الحنيف، وبأساليب نابعة من الكتاب والسنّة.
الغلو الحقيقي والغلو الموهوم
يجب أن نفرِّق بين غلو حقيقي وهو مجاوزة للحدِّ الشرعي، وانحراف عن سواء السبيل، وبين غلو موهوم في رأس أعداء الدين.. فهم يصفون المؤمنين الملتزمين بالأصولية والتقوقع تارة، وبالتطرف والتزمت تارة أخرى.. وهم في الحقيقة يدعون بإخلاص إلى الله تعالى، وإلى دينه، وإلى تحكيم شريعته، والعمل بكتابه وسنة نبيه.