بحث

وظائف القلب كما وردت في القرآن وأكدها العلم

وظائف القلب كما وردت في القرآن وأكدها العلم

بسم الله الرحمن الرحيم

     تعلمنا أن الإنسان يتبدل كلياً كل خمس سنوات، قبل خمس سنوات جلدك الحالي غير جلدك، وعظامك غير عظامك، وأنسجتك غير أنسجتك، عمر خلية الزغابة المعوية ثمان وأربعون ساعة وهو أقصر عمر لخلية عند الإنسان حيث تتبدل كل يومين وأطول خلية عمرها خمس سنوات "الخلية العظمية"، لكن الإنسان بعد خمس سنوات يتبدل كلياً، إلا الدماغ والقلب، فالدماغ واضح، المعلومات، والخبرات، والمهارات، والذكريات، والاختصاص، والدراسة، كله بالدماغ، فلو تبدل الدماغ وسألت إنساناً ماذا تعمل؟ يقول لك: كنت طبيباً، ذهبت كل المعلومات مع تبدل الدماغ، فمن نعم الله العظمى أن الدماغ لا يتبدل، لكن معلومة أخرى مع هذه المعلومة نعرفها من عشرين عاماً لكن ليس لها تفسير، أن القلب أيضاً لا يتبدل، خلايا القلب وخلايا الدماغ لا تتبدل، الحكمة من الدماغ واضحة جداً، أما من القلب، الآن كشفت هذه الحكمة على مدى سنوات طويلة درس العلماء القلب من الناحية الفيزيولوجية،  وعدوه مجرد مضخة للدم لا أكثر ولا أقل، ولكن ومع بداية القرن الحادي والعشرين ومع تطور عمليات زراعة القلب الطبيعي، والقلب الاصطناعي، وتزايد هذه العمليات بشكل كبير، بدأ بعض الباحثين يلاحظون ظاهرة غريبة ومحيرة، لم يجدوا لها تفسيراً حتى الآن، إنها ظاهرة تغير الحالة النفسية للمريض بعد عملية زرع القلب، هذه التغيرات النفسية عميقة لدرجة أن المريض بعد استبدال قلبه بقلب طبيعي أو قلب صناعي، يتبدل ما يحبه ويكرهه، بل وتؤثر على إيمانه، ووجد بأن كل ما يكشفه العلماء حول القلب قد تحدث عنه القرآن الكريم، الكشوفات الحديثة في القرن الحادي والعشرين تحدث عنها القرآن الكريم   بوضوح ما بعده وضوح، وببساطة ما بعدها بساطة، وهذا يثبت إن صحّ التعبير السبق القرآني في علم القلب، ويشهد على عظمة ودقة القرآن الكريم، وهذا يؤكد أن خالق السماوات والأرض الذي خلق الإنسان هو الذي أنزل هذا القرآن الكريم . 

     كلمة قلب في القرآن الكريم وردت تقريباً مئة وأربعين مرة، وكل مرة لها معنى دقيق جداً. 

     يتحدث العلماء اليوم جدّياًّ عن دماغ موجود في القلب، يتألف من أربعين خلية عصبية، أي ما نسميه العقل موجود في مركز القلب، وهو الذي يقوم بتوجيه الدماغ لأداء مهامه، ولذلك فإن الله تعالى جعل القلب وسيلة نعقل به، يقول تعالى:  ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور﴾  هذه الآية حدّدت لنا مكان القلب، لكيلا يظن أحد أن القلب موجود في الرأس وهو الدماغ، أو أن هناك قلباً غير القلب الذي ينبض في صدرنا، هذه أقوال لا تعتمد على برهان علمي صحيح. 

     يتحدث العلماء اليوم عن الدور الكبير الذي يلعبه القلب في عملية الفهم والإدراك وفقه الأشياء من حولنا، وهذا ما حدثنا عنه القرآن فقال:  ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾   أي أن القرآن حدد لنا مركز الإدراك لدى الإنسان وهو القلب، معظم الذين يزرعون قلباً صناعياً يشعرون بأن قلبهم الجديد قد تحجَّر، ويحسون بقسوة غريبة في صدورهم، وفقدوا الإيمان، والمشاعر، والحب، وهذا ما أشار إليه القرآن:  ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ 

     القرآن الكريم حدّد لنا صفة من صفات القلب ألا وهي القسوة واللين، فقال عن الكافرين:  ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ وقال عن المؤمنين:  ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾. 

     ثم يؤكد العلماء أن كل خلية من خلايا القلب تشكل مستودعاً للمعلومات والأحدث، لذلك بدؤوا يتحدثون عن ذاكرة القلب، ولذلك فإن الله تعالى أكد لنا أن كل شيء موجود في القلب، وأن الله يختبر ما في قلوبنا، ويقول تعالى:  ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾ 

     يؤكد بعض الباحثين على أهمية القلب في عملية السمع أهمية كبيرة، بل إن الخلل الكبير في نظام عمل القلب يؤدي إلى فقد السمع، بحث علمي، وهذا ما رأيته بنفسي قال هذا الباحث: عندما كان في أحد المشافي شاهد رجلاً لم يكن يصلي، وكان يفطر في رمضان، ولم يكن يسمع نداء الحق، وقد أصابه احتشاء بسيط في عضلة القلب، ثم تطور هذا الخلل حتى فقد سمعه تماماً، وآخر كلمة نطقها إنني لا أسمع شيئاً، ولذلك ربط القرآن بين القلب وبين السمع فقال:  ﴿وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ 

     يتحدث الباحثون عن دور القلب في التعلم، وهذا يعتبر من أحدث الأبحاث التي نشرت مؤخراً، ولذلك فإن للقلب دوراً مهماً في العلم والتعلم، لأن القلب يؤثر على خلايا الدماغ ويوجهها، ولذلك فإن القرآن قد ربط بين القلب والعلم، فقال:  ﴿وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ . 

     تؤكد التجارب الجديدة أن مركز الكذب هو في مقدمة الدماغ في الناصية، في أعلى ومقدمة الدماغ، وأن هذه المنطقة تنشط بشكل كبير أثناء الكذب، ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾  أما المعلومات التي يختزنها القلب فهي معلومات حقيقية صادقة، وهكذا فإن الإنسان عندما يكذب بلسانه، فإنه يقول عكس ما يختزنه قلبه من معلومات، لذلك قال تعالى:  ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ 

     ملاحظة أخرى، رأينا ذلك الرجل صاحب القلب الصناعي كيف فقد إيمانه بالله بعد عملية الزرع مباشرة، وهذا يعطينا مؤشراً على أن الإيمان يكون بالقلب وليس بالدماغ، وهكذا يؤكد قول بعض الباحثين على أهمية القلب في الإيمان والعقيدة، قال تعالى:  ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾  

     أبحاث القلب الصناعي أن للقلب دوراً أساسياً في الخوف والرعب، وعندما سألوا صاحب القلب الصناعي عن مشاعره قال بأنه فقد القدرة على الخوف، لم يعد يخاف، أو يتأثر، أو يهتم بشيء من أمور المستقبل. وهذا ما سبق به القرآن عندما أكد على أن القلوب تخاف:  ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾  وكذلك جعل الله مكان الخوف والرعب هو القلب، فقال:  ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ﴾ 

     أما السنة النبوية، سبق النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام علماء الغرب إلى الحديث عن دور القلب وأهميته في صلاح النفس، بل إنه جعل للقلب دوراً مركزياً، فإذا صلح هذا القلب فإن جميع أجهزة الجسد تصلح ـ بالمعنى العلمي ـ وإذا فسد فسوف تفسد جميع أنظمة الجسم، وهذا ما نراه اليوم في عمليات القلب الصناعي، حيث نرى بأن جميع أنظمة الجسم تضطرب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمئة عام:  ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) و من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:  ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)). 

     في هذه الآيات الكثيرة دلالات بليغة على أن القلب يقسو ويلين ويصحو ويمرض، هو مركز الطمأنينة ومركز القلق، مركز الأمن ومركز الخوف، مركز الحب ومركز البغض، ومركز الإيمان، كيف عرفنا أن هذا القلب مركز المشاعر؟ مركز الحالات النفسية؟ هذا القلب الذي كان عند علماء الطب لمئة عام سابقة أنه مضخة ليس غير؟ من القصص التي وصلت إلى ثلاثمئة قصة، هذه القصص جاءت من ثلاثمئة حالة أساسها زراعة القلب.  

     امرأة تمّ زراعة قلب لها من شاب كان عمره ثمانية عشر عاماً مات في حادث سير، بعد الزراعة أخذت تتصرف بطريقة ذكورية، وتحب بعض الأكلات التي لم تكن تطيق أكلها، مثل الفلفل الأخضر وقطع الفراخ، وعندما قابلت أهل الشخص المتبرع بالقلب تبين أن تصرفاتها أشبه ما تكون بتصرفات المتبرع، بعض العلماء اعتبروا هذا دليلاً على وجود ما يدعى بذاكرة الخلية، الآن دخلنا موضوع جديد، الخلية خلية، لكن تبين أن الذاكرة ليست في الدماغ فحسب بل كل خلية لها ذاكرة، هذا فتح جديد في علم الطب. 

     شاب عمره ثمانية عشر عاماً كان يكتب الشعر، ويلعب الموسيقى، ويغني، وقد توفي في حادث سيارة، وتم نقل قلبه إلى فتاة في العمر نفسه، وفي مقابلة لها مع والدي المتبرع عزفت أمامهما موسيقى كان يعزفها ابنهما الراحل، وشرعت في إكمال كلمات أغنية كان يرددها، رغم أنها لم تسمع بهذه الأغنية أبداً. 

     الحالة الأخرى رجل أبيض عمره سبعاً وأربعين سنة، تلقى زرع قلب شاب عمره سبعة عشر عاماً أمريكي أسود، المتلقي للقلب فوجئ بعد عملية الزرع أنه أصبح يعشق الموسيقى الكلاسيكية، واكتشف لاحقاً أن المتبرع كان مغرماً بهذا النوع من الموسيقى. 

     القصص تزيد عن ثلاثمئة اخترت بعضها لكم، شاب خرج لتوه من عملية زرع وبات يستخدم كلمة غريبة، هو لا يعرف معناها، واكتشف لاحقاً في مقابلة مع زوجة المتبرع المتوفى أن هذه الكلمة كانت كلمة سراً بينه وبينها، وتعني أن كل شيء أصبح على ما يرام، يردد كلمات لا معنى لها فلما التقى بزوجة المتبرع قالت له كلمة كانت قد اتفقت مع زوجها عليها أن الشيء على ما يرام. 

     أما أغرب حادثة أن فتاة عمرها ثماني سنوات، وكان القلب مأخوذاً من فتاة مقتولة عمرها عشر سنوات، وبعد الزرع أصيبت الفتاة بكوابيس مفزعة، تصور قاتلاً يقتل فتاة، هذه الكوابيس كانت مرهقة لها، أخذها أهلها إلى الطبيب النفسي، وكانت الصور التي تحلم بها واضحة ومحددة، لدرجة أن الطبيب والأم أخبرا الشرطة بصورة القاتل الذي ظهر في أحلام ابنتهم، وبهذه الصور تمّ القبض على القاتل. 



المصدر: الخطبة : 1128 - آيات الله في القلب - أهمية القلب في الإيمان والعقيدة .