بحث

القواعد المرورية في الإسلام

القواعد المرورية في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

      الإنسان المتديّن الذي فهم الإسلام عبادة شعائرية ليس غير ..  صلاة وصياما وذكرا وتسبيحا ينبغي أن يكون حريصاً على هذه العبادة، ولكنه ينبغي أن يفهم أن هناك فروضاً حضارية ومستجدة أساسية  تعد محورية في أخلاق المسلم، وهي مستندة إلى أصول ثابتة في ديننا الحنيف، وأن الإسلام دين الفطرة، وأن الشريعة مصلحة كلها.     

وبمناسبة يوم المرور العالمي، فسوف نسقط كثيراً من النصوص الدينية الثابتة والصحيحة على الواقع المروري لأن:    الإسلام       هو الحياة ففي توجيهاته حل حاسم لمشكلاتنا المتنوعة وما أكثرها، فمنهجه شمولي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، فآداب المرور من صلب السلوك الإسلامي.     

        ولعل أعمق وأسبق فهم ووعي مروري في التاريخ الإسلامي نقل عن سيدنا عمر رضي الله عنه الخليفة الثاني بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:    والله لو تعثرت بغلة في العراق ـ  هو في المدينة ـ لحاسبني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر.     

      إنّ حوادث المرور ليست قدراً محتوماً ـ كما يتوهم بعضهم ـ لابد من وقوع، هذا تصور مرفوض في الفكر الديني، وفي العقيدة الإسلامية الصحيحة، فلابد من حركة وقائية استباقية.     

حجم المشكلة:      

       الحوادث على الطرق هي:        

  • ثاني أهم أسباب وفيات الأحداث والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام وتسعة وعشرين عاماً في جميع أنحاء العالم،   
  • ثالث أهم أسباب وفيات أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعة والأربعين عاماً
  • تتسبب حوادث المرور في مقتل مليون ونصف المليون من البشر سنويا   
  • تتسبب في إصابة أو عجز ما يناهز خمسين مليون شخص آخرين،   
  • ومعدل الوفيات في العالم ثلاثة آلاف ومئتان وأربعون شخصاً في اليوم الواحد، معظمهم من البالغين، وتشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور سيرتفع بنسبة ثمانين بالمئة في البلدان النامية ونحن منها بحلول عام ألفين وعشرين وذلك ما لم تتخذ إجراءات فورية من أجل تحسين السلامة على الطرق .
  • وإلى جانب المعاناة التي تسببها الإصابات الناجمة عن حوادث المرور، فإن التكلفة المترتبة عليها تقدر بنحو خمسمئة وثمانية عشر ملياراً من الدولارات سنويا على المستوى العالمي، نصيب الدول الفقيرة منها مئة مليار دولار وهذا يزيد عن كل المساعدات الممنوحة لها .

      هذه إحصاءات دقيقة مستمدة من تقرير منظمة الصحة العالمية.     

      والكثيرون الذين يذهبون ضحايا حوادث الطرق .. يموتون ويتركون وراءهم المعاناة والألم لأسرهم وأقربائهم، والثكالى واليتامى، أو يصابون بعاهات قلبت حياتهم إلى جحيم لا يطاق، وحياة من يلوذ بهم إلى مآسٍ وأحزان، هذه حقائق مرة ولكنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح.       

سبل العلاج:     

        ولتقليل حجم الخسائر البشرية دعت منظمة الصحة العالمية إلى توجيه اهتمام خاص لخمسة من عوامل الخطر المحددة وهي:  

  • أحزمة الأمان،   
  • مقاعد السلامة الخاصة بالأطفال،    
  • الكحول،   
  • الخوذ لمستخدمي الدراجات،   
  • السرعة المفرطة وغير الملائمة،   
  • الهياكل الأساسية للمركبات والدراجات،   
  • استخدام الضوء النهاري .

      ولعل تجنب الخمرة التي حرمها الله والتي قال النبي الكريم عنها:    اجْتَنِبُوا الخمرَ ، فإنها أم الخبَائث     

      من الأسباب المهمة لتقليل نسبة الحوادث، وتوجيه السائقين إلى تفادي الأمور التالية:  

  • السرعة،   
  • الإهمال، وعدم الانتباه،   
  • قيادة المركبة برعونة وطيش،   
  • عدم تطبيق القواعد المرورية،   
  • عدم توافر شروط المتانة والأمان في المركبة،   
  • القيادة في المناطق الوعرة،   
  • أجواء الأمطار والثلوج والضباب والغبار،   
  • وكذلك أهمية الإرشادات حول عبور المشاة للطرق بشكل آمن
  • وهناك اقتراح وهو أن تضع الدول خططاً لتقريب المسافة بين المواطن وعمله أو مدرسته،   
  • وجمع ساعات الدوام للموظفين في فترة واحدة،   

      ومن باب الاقتراحات الواجب دراستها، ابتكار آلية تعمل على توقيف عمل الهواتف المحمولة طوال فترة تشغيل محرك السيارة.      

      وبحسب منظمة الصحة فإن أحزمة المقاعد إذا استخدمت بالطريقة الصحيحة تقلل الموت في الحوادث بنسبة 61%، فيما يقلل استخدام مقاعد السلامة للأطفال الموت بنسبة 35%، كما أن ارتداء "خوذة الرأس" عند قيادة الدرجات الهوائية والبخارية يقلل الموت أو إصابات الدماغ الخطيرة بنسبة 45%، فيما أن تقليل السرعة بمقدار كيلومتر واحد يقلل عدد الحوادث بنسبة 2%.       

التوجيهات الدينية التي وردت في ديننا العظيم:     

لا تطلق لمركبتك العنان:     

        يرى الفقهاء أن الإنسان المسلم ينبغي أن يتمتع بصفتين؛ الضبط والعدالة، الأولى صفة عقلية، والثانية صفة نفسية أخلاقية، والعدالة تسقط، في حالات كثيرة؛ منها ما ورد في الحديث الشريف:     من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته ،     

       فالظلم والكذب والإخلاف يسقط العدالة، أما السلوكيات التي تجرح العدالة فهي كثيرة منها من أطلق لفرسه العنان، ويقاس على إطلاق العنان إلى الفرس ـ اليوم ـ السرعة الزائدة ، فأطول مدة يمكن أن توفرها في أكبر مسافة يقطعها السائق في المسافات الطويلة عن طريق السرعة الزائدة هي نصف ساعة، وأطول مدة يمكن أن توفرها في أطول مسافة في المسافات القصيرة هي خمس دقائق ، وفي هذه النصف ساعة ، وتلك الخمس دقائق يقتل ويجرح الكثير،      

      وقد قال الله عز وجل:  مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)     

        وقال تعالى :     (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ... وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً، وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً.    

      إطلاق العنان للمركبة كي تسير بسرعة هذا حكمها الشرعي؛ جرح عدالة الإنسان ، فقد بعض حقوقه المدنية.       

 لا ترفعوا أصواتكم:     

      ومن السلوكيات الخاطئة في الشارع تلك الأصوات المزعجة لأبواق السيارات التي يتفاخر بها أصحابها، فتجد صاحب المركبة يقف أسفل البيت، وينادي زوجته ببوق مركبته من في الطابق العلوي، بدلا من أن يصعد إليه، يريح نفسه ويتعب الآخرين باستخدام آلة التنبيه  ...  فيأتي الإسلام ويرد للشارع آدابه المفقودة.       

      يقول الله تعالى:     (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *)     

      وينبغي أن نفهم الآية على نحو موسع،  نعم  ..  إن الآية تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تنظم وتهذب سلوكيات الناس في الطريق، إن من حق الناس عليك ألا تزعجهم فمنهم النائم ... ومنهم الطالب الذي يدرس ...  ومنهم المريض ...  ومنهم الذي يصلي ...  واعلم أن الشارع ليس ملكك وحدك. وإذا كنت تقود مركبة عامة صغيرة أو كبيرة، فلا تسمع الركاب من خلال المسجلة ما لا يقبل عند كل الناس، فصوت المسجلة ليس ملكك وحدك.        

افسحوا يفسح الله لكم      

      ومن السلوكيات الخاطئة في الطريق ..  أنك تجد سائق السيارة لا يسمح للسيارة التي خلفه أن تتجاوزه ..  وإذا سألته ما السبب لم يجب ، والأدهى من ذلك أن هذا التصرف أصبح عملاً لا شعورياً من كثرة ما تعوّد عليه السائقون ولكن الإسلام يعلمك السلوك الصحيح  في هذه المواقف،    

      يقول الله  تعالى:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ)     

      ومرة ثانية ينبغي أن نفهم الآية بمعناها الواسع، افسحوا ليس في المجالس فقط، ولكن في الطرق ..     افسحوا يفسح الله لكم     

      ومن السلوك الشاذ أنك تضيّق الطريق على الناس، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفينّ لك ود أخيك ...  منها  وأن تفسح له في المجلس     

      ويقاس عليها أن تفسح له في الطريق.       

إماطة الأذى عن الطريق :     

      هل من السلوك السوي إلقاء الفوارغ والمخلفات من نافدة السيارة  في الشارع ؟      

        يقول النبي صلى الله عليه وسلم:  إماطة الأذى عن الطريق صدقة     

       فما بالنا بمن يلقي الأذى في الطريق .. !!      

      يقول النبي صلى الله عليه وسلم :     الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق  

       ومعنى ذلك أن إماطة الأذى عن الطريق جزء من الإيمان ، فكيف بالذي يلقي الأذى في الطريق.       

      يقول النبي صلى الله عليه وسلم:    إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم .       

آداب الجلوس والمرور  في الطرقات:     

      الطرقات هي بمثابة شرايين الجسم تنبض فيها الروح، فكيف إذا تفشى في هذه الشرايين داء؟  فالسرعة هي الداء العضال، هي الداء الذي لا يستهان به، السرعة تحصد المئات لا بل الآلاف من الأرواح البريئة سنوياً، ويكاد عدد ضحاياه يتجاوز أعداد ضحايا الحروب والأمراض بين البشر مجتمعة.      

      فالسيارة أداة قتل خطيرة، وفي الوقت نفسه هي وسيلة نقل رائعة، إذن لابد من استعمالها الاستعمال الرشيد، حيث يستعملها بعض الناس بصورة تهدد بها أرواح الآخرين ، فكثرت الحوادث بصورة خطيرة، وأصبح المصابون بها ما بين كسير وجريح ومقتول، ثم يترتب على هذه الحوادث خسائر مادية ومعنوية ومعاناة أسرية واجتماعية، وعلينا أن نفهم أن الطرقات وجدت لمصلحة البشر، ولتقريب المسافات، وتسهيل التواصل بين الناس، وقوانين السير في مجمل بلدان العالم، وضعت لتنظم استعمال هذه الطرقات، وذلك ليس عبثا، إنما لدفع الأخطار عن سالكيها وتجنيبهم شر حوادثها، إن كل ما صنعه الإنسان لرفاهيته وتقدمه، يوجب المحافظة عليه بحسن استعماله، لأنه إذا أخطأنا أوأسأنا استخدام الطرقات فسيكون الطريق سلاحا ذا حدين ويشكل بالتالي خطرا محدقا على حياتنا يمكننا تفاديه بالانتباه والتروي واليقظة والوقاية.  فالتقيد بأنظمة السير جزء من الدين لأنه يحقق بعضاً من مقاصده، الشريعة مصلحة كلها.       

      يقول النبي صلى الله عليه وسلم:     إياكم والجلوس بالطرقات ، فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه :  غضّ البصر ، وكفّ الأذى ، وردّ السّلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر        

      وهذا الحديث الشريف ينسحب على من يمشي في الطريق، وعلى من يقود مركبته في الطريق  ..     

      الإسلام يضع لنا منهجا ..  فيا أيها المؤمن طبق هذا المنهج في جلوسك في الطريق، وفي سيرك فيه ماشياً، وفي قيادة مركبتك فيه.       

الحركة الرفيقة:     

      هناك من الناس صنف لا يراعي الآداب العامة، فتجده بعدما يدخل مكاناً ..  سواء كان بيتا أو مصعدا، أو سيارة .. يغلق الباب بشدة، فتارة يكسر الزجاج، وتارة يفزع الناس ..     

      يقول النبي صلى الله عليه وسلم:  ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه     

      أيها الأخ المؤمن، بالله عليك ..  لم لا تجعل من هذا الحديث منهجاً لك في حياتك، فهو طريقك إلى السلوك اللطيف، فالمؤمن يتخلق بالكمال الإلهي، ومن أسماء الله الحسنى أنه لطيف.       

الهاتف المحمول:      

      يؤكد خبراء الصحة العالمية أن استعمال السائقين للمحمول أثناء القيادة، حتى ولو كان عن طريق سماعات الأذن، يضاعف احتمالات وقوع الحوادث أربعة أضعاف مقارنة بمن لا يستخدمه أثناء القيادة.. أي بنسبة 400% وحينما يستخدم السائق الهاتف المحمول في أثناء القيادة يمكن أن يسبب حادثاً مروعاً، أو يزهق نفساً بريئة، ويمكن أن يمضي بقية عمره على كرسي متحرك،  

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:     من بات على سطح ليس بمحجور، فقد برئت منه الذمة، ومن رمى بليل، فقد برئت منه الذمة، ومن ركب البحر في ارتجاجه، فقد برئت منه الذمة.     

       ويقاس على ذلك استخدام المحمول في القيادة.        

عدم إيذاء الناس في طرقاتهم:      

       والأحاديث المروية حول نفس المعنى في إماطة الأذى عن الطريق ـ سواء كانت قاذورات ، أو عوائق نباتية، أو مادية مثل الحجر وغيره، ومن المستجدات كالسيارات ـ كثيرة منها الأحاديث التالية: وتُميطُ الأذى عن الطريق صدقة.       

      بينما الرجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره فشكر الله له فغفر له.       

      لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين.     

      ويقاس على ذلك : 

  • المرور بطريق ممنوع، والطلب من الآخرين الرجوع .
  • الوقوف بمنتصف الطريق لشراء سلعة، أو قضاء حاجة .
  • الوقوف في رتل ثان بحيث يحبس السائق سيارة، ويضيق طريقاً .
  • الوقوف المتقدم على الإشارة بحيث لا يراها فيعيق مرور المشاة، ويعرقل سير المركبات .
  • وهناك مئات الحالات تحمل على هذه الأحاديث .   

عبرة:     

      لقد أسقطت مضامين كثيرة من النصوص الدينية على واقعنا المروري لأنها تحتمل ذلك، فالعبرة في النصوص التشريعية بعموم القصد لا بخصوص السبب، وسوف أعكس الآية الآن، فأسقط ظاهرة مرورية متكررة على أخطر قضية في الدين ألا وهي الاستقامة على أمر الله،     إنسان يقود مركبته ووصل بها إلى تقاطع طريقين، والإشارة المرورية حمراء، وشرطي المرور واقف يراقب المركبات، وشرطي آخر على دراجة نارية لملاحقة المخالفين، وضابط مروري في سيارته ليمنع التواطؤ بين طرفين، ذلك لأن علم واضع قانون السير يطوله من خلال الشرطي الذي يراقب المركبات، وقدرة واضع قانون السير تطوله من خلال شرطي الدراجة، والضابط يمنع التواطؤ ... في مثل هذه الحالة لا يمكن لهذا المواطن أن يخالف الإشارة الحمراء أو أن يتجاوزها، لأن علم واضع القانون يطوله بعلمه ويطوله بقدرته، بينما ـ وأنا لا أقر ذلك ـ يمكن لهذا المواطن أن يتجاوز الإشارة الحمراء بعد منتصف الليل، لأن علم واضع قانون السير لا يطوله، ويمكن لهذا المواطن أن يتجاوز الإشارة الحمراء في وضح النهار إذا كان أقوى من واضع القانون، لأن قدرة واضع القانون عندئذ لا تطوله.     

      ماذا نستنبط ... أنت كإنسان لا يمكن أن تخالف قانوناً وضعه بشر إذا كنت موقناً أن علم واضع القانون يطولك، وأن قدرته تطولك.     

      والآن إلى الآية الكريمة:    (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)      

      في الآية ملمحان؛ الأول أن علة خلق السماوات والأرض أن نعلم، وقبل أن نتساءل ما الذي ينبغي أن نتعلمه، نشير إلى أن الله جـل جـلاله أودع في الإنسان قوة إدراكية، وأن طلب العلم هو الحاجة العليا في الإنسان، ولكن ما الذي ينبغي أن نعلم من أجل أن نستقيم على أمر الله؟ ينبغي أن نعلم أن الله عليم وقدير؛ لقد اختار الله من بين أسمائه الحسنى التسعة والتسعين اسم القدير، واسم العليم، أي حينما يوقن الإنسان أن علم الله يطوله، وأن قدرته تطوله، عندئذ يستقيم على أمره، ولا يمكن أن يعصيه، هي كلمات ثلاث،    الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب،     

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:    ورأس الحكمة مخافة الله،       

      وإذا استقام على أمره سلم وسعد في الدنيا والآخرة، وعندئذ يكون قد حقق الهدف من وجوده،      

      قال تعالى:  (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً.)     

      ليس هناك مِن مرحلةٍ في تاريخِ أمِّتنا نحنُ في أَمَسِّ الحاجةِ فيها إلى التعاونِ والتكاتفِ والتناصرِ والتضامنِ كهذه المرحلة الدقيقة التي تمرُّ بها أمّتُنا العربيةُ والإسلاميةُ، ولاسيما في ظلِّ النظامِ العالميِّ الجديدِ، وفي ظلّ غيابِ التوازن الدوليِّ، وتحَكُّمِ القُطبِ الواحد، وازدواجيةِ المعايير، وسيطرةِ الاحتكاراتِ الكبرى، والتطوراتِ الهائلةِ في وسائل الاتصالاتِ والمعلوماتيةِ، وازديادِ الهُوِّةِ بين الدول الغنية المتقدِّمة والدول الفقيرة النامية، وانفجارِ الحروبِ الإقليميةِ والمحليةِ، والصراعاتِ القبليةِ والدينيةِ والعِرْقيةِ في مناطق متعددة من العالم...  إضافة إلى نهجِ العَولمة الثقافيةِ والاقتصاديةِ.     



المصدر: الخطبة الإذاعية (79) : خ1 - يوم المرور العالمي ، خ2 - ظاهرة مرورية متكررة على أخطر قضية في الدين