يُعدُّ المسجد الأساس الأول للمجتمع الإسلامي، السؤال لماذا؟ لماذا يُعدُّ المسجد الأساس الأول للمجتمع الإسلامي؟ لأن الإسلام عقيدة، والإسلام نظام، والإسلام آداب، في أيِّ مكان تُبثُّ هذه العقيدة؟ و في أيِّ مكان يُعلّم هذا النظام؟ و في أيِّ مكان تُرسَّخ هذه الآداب غير المسجد؟ إذًا لا مجتمع إسلامي إلا بمسجد، ما الطريقة التي يمكن أن نصل بها إلى المسلمين؟ كيف نخاطب المسلمين؟ كيف نرسِّخ فيهم العقيدة الصحيحة؟ المسجد ركيزة أولى و أساسية للمجتمع المسلم، قد يفهم أحدُكم أن المسجد كي نؤدِّي فيه الصلاة، أؤكِّد لكم أن أقلَّ وظيفة من وظائف المسجد إقامة الصلاة، كما أنه ليس هناك تجارة بلا متجَر، ليس هناك استيراد بلا مكتب، ليس هناك جامعة بلا بناء، جامعة في الهواء؟؟ لها بناء، لها قاعات تدريس، ليس هناك أمة بلا وطن، أي الوطن أساسه الأمة، و الجامعة أساسها البناء، و القاعات و المكتبات و التجارة أساسها المتجر، و المجتمع الإسلامي أساسه المسجد، لذلك من علامة الإيمان أن يتعلَّق قلبُك بالمساجد، من علامة النفاق أن تنفر من المساجد، في المسجد تُعلَّم العقيدة، في المسجد يُعلَّم نظامُ الإسلام، في المسجد تُعلَّم آدابه الرشيدة، المسجد هو أساس المجتمع الإسلامي.
الشيء الآخر الحقيقة المجتمع؛ كلمة مجتمع أي أفراد بينهم علاقات متينة، هذه العلاقات المتينة القائمة على الأخوة و المحبة أساسها اللقاءُ، مثلاً: الموضوع الذي يوضِّح هذه الفكرة موضوع صلة الرحم، لماذا أمرنا النبيُّ عليه الصلاة و السلام بصلة الرحم، ماذا يحدث لو ذهبتَ إلى أختك و زرتها في العيد؟ ماذا يحدث لو ذهبت إلى عمَّتك أو إلى خالتك أو إلى عمِّك أو إلى أقربائك؟ الحقيقة من السذاجة أن نظن أن صلة الرحم أن تزورهم في العيد، هذه الزيارة بداية التعرف على مشكلاتهم، لولا هذه الزيارة لما عرفتَ أحوالهم، ماذا يحتاجون؟ ماذا يشكون؟ و ما الذي يعانون؟ إذًا ليس القصدُ أن تزورهم، وأن تهنئهم بالعيد والسلام عليكم، وانتهى الأمرُ، لا، القصد أن تتعرف على أحوالهم وممَ يعانون؟ وماذا ينقصهم؟ وما يفرحهم و يؤلمهم؟ وإلام يشكون؟ إذًا ليس القصد الصلة، القصد المعرفة، و المعرفة ليست في حدِّ ذاتها هدفاً، الهدف أن تبادر إلى المساعدة، كأن الله عز وجل يريد من هذا المجتمع المسلم أن يكون متكاتفاً متعاوناً متعاضداً، إذًا الصلة وسيلة، والمعرفة وسيلة، والهدف أن يتعاون المسلمون فيما بينهم، هذه حكمة العلاقة بين الأقرباء، أي هذه الأسرة أن تكون متماسكة، متعاونة، غنيُّها يعين فقيرها، قويُّها يعين ضعيفها، صحيحها يعين مريضها، أولو الخبرة فيها يعينون ضعيفي الخبرة فيها، فكذلك المسجد، المجتمع الإسلامي أساسه المحبة و التآخي، هذه المحبة و التآخي. كيف تعرف أخاك؟ من خلال المسجد، تتعرف إليه في المسجد، و تتعرف على أحواله، ومعاناته، وتفوُّقه، و ضعفه، وحاجاته، الحقيقة ليس القصدُ أن تلتقيَ بأخيك في المسجد، القصد أن تعرف أحواله، القصد أن يتعاون المؤمنون فيما بينهم. لذلك الموضوع هو أن هذا المجتمع المسلم يتميَّز بعقيدة، و نظام، وأخلاق، العقيدة والنظام والأخلاق لا تُبثُّ ولا تُلقى إلا في بيوت الله، و حينما تأتي إلى بيت الله تأتي لتتزوَّد بالعقيدة الصحيحة، و لتعرف نظام الإسلام، لتعرف آداب الإسلام، أنت بين عقيدة وبين عبادات وبين معاملات وبين أخلاق. إذًا المسجد الذي بناه النبيُّ عليه الصلاة والسلام كأوَّل عمل فعله هو ركيزة المجتمع الإسلامي، والسبعة الذين يظلُّهم الله تحت ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه من هؤلاء السبعة: وشاب قلبه معلَّق بالمساجد، وعلامة المؤمن أنه في المسجد كالسمك في الماء، لأنه بيتٌ من بيوت الله.
من صفات المجتمع الإسلامي المساواة، أما المساواة فلا تكون إلا في المسجد، يجوز في عالَم التجارة المدير العام له مكتب فخم جدًّا، والموظَّف الصغير له غرفة صغيرة جدًّا، هناك فارق كبير بين مكتب المدير العام و مكتب الموظَّف الصغير، لكن كل الفروق الدنيوية التي أساسها المالُ أو العلم، أو العلم الدنيوي، أو القوة، كل هذه الفروق تتلاشى في المسجد، أقلُّ المسلمين شأناً مع أعظمهم شأناً، أقل المسلمين مالاً مع أكثرهم مالاً، أقل المسلمين نباهةً يجلسون جنباً إلى جنب في بيت من بيوت الله، هذا الجلوس الموحَّد، و هذه الصلاة الموحَّدة، وهذا الذكر الموحَّد، وهذه المظاهر الصارخة التي توحِّد المسلمين أيضاً علامة من علامات الأخوة الصادقة بينهم.
المسجد هو ركيزة المجتمع الإسلامي، لا مجتمع إسلامي بلا مسجد، مركز إشعاع، مركز تعليم، مركز عبادة، مركز ذكر، مركز تعاون، بل إن دور المسجد في العصور الإسلامية كان خطيراً جدًّا، أي دور المسجد، المسجد كان جامعة، و المسجد كان دارَ قضاء، و المسجد كان دار فتوى، والمسجد كان دار تعليم، والمسجد كان دار حلِّ مشكلات المسلمين، مكان لقاء، من المسجد تُجيَّش الجيوش، من المسجد يُعلَن السِّلم و الحرب، كان المقرَّ الأساس للمجتمع الإسلامي.
الحقيقة أن هناك علماء رأوا أن الأموالَ يجب أن تُنفق في بناء المساجد لا في المبالغة في زخرفة المساجد، الحكم الفقهي لا يجوز صرفُ أموال الوقف على زخرفة المساجد، لكن يجوز أن ينفق الإنسانُ بطواعية منه ومبادرة منه مالاً على تزيين المسجد، لكن يبقى التزيينُ المعتدِل مقبولاً والتزيين المبالغ به مكروهاً، كراهة تنزيهية عند عامَّة الفقهاء، لأن الإنسان إذا دخل إلى بيت الله وشُغِل بهذه الزخرفة وهذه التُحف وهذه الخطوط وتلك الثُّريات، رُبَّما انشغل عن صلاته بتأمُّل هذه الزخرفة، لكن ربُّنا عز وجل قال: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ﴾ ، ومعنى ترفع، فيها معنى زيادة على تُبنى، رفعُ البناء أن يكون بمظهر يجذب النفسَ إليه.
إذاً المسجد، مقرُّ الدعوة، مقر بثِّ العقيدة، و مقر تعليم العبادات، ومقر تعليم المعاملات، ومقر تعليم الآداب، ومقر اللقاء، واللقاء فيه معرفة، والمعرفة فيها تعاون، مقر المساواة، هنا المساواة، مقر التعاون والتكاتف، فأساس المجتمع المسلم المسجد.