السفر نشاط من نشاطات الإنسان، هناك من يسافر لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فيقع في شر عمله ويدفع الثمن باهظاً من دينه وآخرته، وهناك من يسافر في سبيل الله فيكسب الدنيا والآخرة. موضوع السفر هل هو حرام؟ هل هو حلال؟ يا ترى ما علاقة السفر بطلب العلم؟ ما علاقة السفر بالعبادة؟ بالجهاد في سبيل الله؟ بطلب الدنيا إذا أعسر الإنسان؟ بهذه الموضوعات الدقيقة التي كثيراً ما يتحدث عنها الناس ويسألون عنها. إذا سافرت ربما تعرفت إلى الله من خلال أهل العلم، وإذا سافرت ربما تعرفت إلى نفسك، فالسفر يسفر عن أخلاق الرجال. إذا سافر الإنسان رأى آيات الله في الكون، ربما آيات الله عز وجل تزيده معرفةً بالله، لذلك قالوا: "هناك سفر استثمار وسفر اعتبار، سفر الاستثمار أن تبحث عن رزق الله في أرض الله، أما سفر الاعتبار فربما إذا رأيت مظاهر الطبيعة، ربما إذا رأيت بعض ما خلق الله عز وجل من آياتٍ بليغة، من آيات دالة على عظمته ربما ازداد إيمانك". وللسفر أنواع:
- السفر في طلب العلم: لا شك أن هناك سفراً في سبيل الله، أعلى أنواع السفر في سبيل الله السفر في طلب العلم لماذا؟ لأن العلم هو الطريق الوحيد إلى الله، ولأن في الكون حقيقةً واحدة هي وجود الله ووحدانية وكماله، وكل شيء يوصل إليه مشروع، وكل شيء يبعد عنه مذموم، ومحرم، ومنهي عنه، لأن العلم هو الطريق الوحيدة إلى الله، وأي حركة قبل العلم حركة عشوائية، في نص الأحاديث الشريفة أن تطلب العلم، طلب العلم فريضة على كل مسلم إذا كان العلم في بلد بعيد عن بلدك، طلب العلم فريضة على كل مسلم، تطلبه أينما كان إن كان في بلدتك، أو في غير بلدتك، السفر لمعرفة ما يجب أن يعرف فرض، أما السفر لمعرفة علم هو في الحقيقة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل فهو مندوب.
- السفر من أجل العبادة: الآن عندنا سفر آخر لأجل العبادة من حج أو جهاد، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الأقْصَى)) . لا يجوز أن تسافر بقصد أن تتبرك بمسجد إلا إلى أحد هذه المساجد الثلاث وما سوى ذلك فلا يسن ولا يشرع أن تزور مسجداً آخر، لأن كل المساجد سوى هذه المساجد الثلاث سواء عند الله إذا كان القصد زيارة مسجد بالذات، أما إذا كان القصد زيارة رجل تثق بعلمه وإخلاصه في هذا المسجد فصارت الزيارة لما في هذا المسجد من درس، من أجل درس علم، أو من ذكر، الحج والجهاد هذا سفر عبادة، والأول طلب علم.
- السفر للهرب من سبب مشوش للدين: أن يكون السفر للهرب من سبب مشوش للدين، أي أغلى شيء عليك هو دينك، فإذا كنت في مكان دينك مهدد بالخطر، أو منعت من ممارسة شعائر دينك، أو شعرت أن هذا البلد فيه خطر على دين أولادك، بلد تبيع الفتاة عرضها بشيء زهيد جداً، وأولادك في هذا البلد والبنت التي ليس لها صديق بنت مريضة تحتاج إلى معالجة نفسية، والشاب إن لم تكن له صديقة يحتاج إلى طبيب نفسي، وشرب الخمر كشرب الماء، وأينما ذهب رأيت الفتنة يقظة والجنس كل شيء، ولا شيء سواه، مثل هذا البلد إذا سافرت إليه وأردت أن تقيم فيه رغبةً فيما عند هؤلاء من مال وفير، وحاجات موفورة، إذا أقمت في مثل هذا البلد يجب أن تعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر وقال: “برئت منه ذمة الله” يدفع الثمن. الآن كم من أسر مسلمة عاشوا في بلاد الكفر وحينما ضيقوا عليهم، وحينما حملوا بناتهم على أن يدعن أمر الله عز وجل، وحينما منعوا من ممارسة شعائر دينهم، تركوا وهاجروا وأغناهم الله في بلد الهجرة. زرت شخصاً عمره يزيد عن ثمانين عاماً قال: أنا رحلت إلى بلدكم يوم ضيق علينا، ويوم صارت الصلاة تهمةً خطيرةً يقتل صاحبها، جئنا إلى بلدكم وأقسم بالله أنه لا يملك أن يشتري نقيراص، قال لي: عندي خمسة وثلاثون بيتاً في هذه البلدة، قلت: سبحان الله! وأراضي وتجارة وهو يغدق على الناس، كيف أصبح غنياً في هذه البلدة؟ لأنه هاجر في سبيل الله، لأنه خاف على دينه. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ . إذا كنت في الأرض مستضعفاً ولم تستطع أن تقيم شعائر الله عز وجل، وتركت البلد الذي يظلم فيها المسلم فهذه هجرة في سبيل الله، فما قولكم في إنسان يقيم في بلدة كلها مساجد، كلها مجالس علم، كلها دعوة إلى الله، فيها خير كثير، فيها بقية من صالحين، يدع كل هذا الخير من أجل دريهمات يقبضها في عاجل دنياه.
- السفر هرباً فيما يقدح بالبدن كالطاعون: السفر هرباً فيما يقدح بالبدن كالطاعون، أي إذا وجد وباء إلا الطاعون، يوجد أحاديث متعلقة بالطاعون وهذه الأحاديث أعجب ما في الأمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَفِرُّوا مِنْهُ)) ، هذا الحديث، إذا سمعتم بأرض فيها طاعون لا تدخلوا عليه واضح، لكن إذا كنت بأرض فيها طاعون لماذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن تخرج منها؟ عرضوا هذا السؤال على عالم كبير في علم الجراثيم، فقال: الأمر بديهي لأن حملة المرض قد يكونوا أصحاء، إذا كان الإنسان في أرض فيها طاعون قد يحمل هذا المرض وهو صحيح فإذا سافر إلى بلد آخر ينقله للآخرين، فهذه كشفت حديثاً، أما أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراه الله عز وجل هذه الحقيقة فهذا شيء يلفت النظر، إذا كنت في مكان فيه هلاك، هلاك لدينك لابد من السفر، هلاك لبدنك ولأهلك أيضاً حياة الإنسان غالية جداً، مثلاً منزل متداع طبعاً نقيس فيه إنذار في الإخلاء، و أساسه فيه خطأ، إذا أقمت في هذا البيت فأنت ظالم لنفسك لماذا؟ لأن رأس مالك حياتك وأنت بهذا كأنك تعرض حياتك للخطر، أو كأنك تضحي بحياتك، أو تنتحر، إذاً هناك معصية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت جمله حرون فلا يذهب معنا" تصور صحابياً جليلاً له جمل حرون ركبه في سبيل الله، هذا الجمل قتل صاحبه، معنى حرون أي شرس، النبي عليه الصلاة والسلام أبى أن يصلي عليه، ماذا فعل هذا الصحابي؟ عندما الإنسان يعرض حياته للخطر معنى هذا أنه يعصي الله، العلماء قاسوا على ذلك من نام على سطح ليس له سور فوقع ودقت عنقه مات عاصياً، يقاس عليها من نزل من مركبة وهي تمشي هناك كثير من الحوادث التي صار فيها دهس عندما نزل وقع تحت العجلة ومات، أنا أعتقد كل سنة يوجد حادثتين أو ثلاث من هذا النوع، يقاس عليها من ركب مركبةً ليست جاهزة مكابحها ضعيفة، الإنسان قبل أن يسافر عليه أن يتأكد من سلامة المركبة، هذا هو الدين، وهذه هي السنة، الدين دقيق جداً، قال تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ .
إذاً هذا السفر صوناً للحياة نسافر، وصوناً للدين نسافر، وأداءً للعبادة، وطلباً للعلم نسافر، طبعاً يوجد تقسيم آخر للسفر، يوجد سفر مذموم، وسفر محبوب، وسفر مباح، السفر الجيد المحبوب الذي حث عليه الشرع سفر في طلب العلم، وسفر في أداء العبادة، والسفر المذموم سفر من أجل معصية، والعياذ بالله دول كثيرة السفر ميسر جداً إلى الشرق أو إلى الغرب، لقضاء إجازة سنوية أو شهرية أو أسبوعية، لا لشيء إلا ليعصي الله في هذه السفرة بألوان من المعاصي لا توصف، هذا سفر المعصية. رجل سافر إلى بلد غربي نزل في فندق يبدو أنه طلب امرأة في الصباح افتقدها، كتبت له على المرآة: مرحباً بك في نادي الإيدز، طبعاً هي مصابة بهذا المرض، مسافر في سبيل الشيطان، في سبيل الزنا، مسافر ليفعل كل المعاصي، مسافر ليغرق في المعصية إلى أذنيه هذا سفره محرم، بالمقابل سفر في سبيل طلب العلم ؛ سفر للحج، سفر للعمرة، حدثني أخ كريم اعتمر وحج وهو مما يكثر السفر لبلاد الغرب للسياحة، ذاق من حلاوة القرب الشيء الكثير فأقسم بالله لن يغادر بلده إلا إلى حج أو عمرة، لشدة ما تجلى الله على قلبه في هذه السفرة، الحج أنت مسافر إلى الله، سفرة إلى الله ورسوله، لو أن هذا المكان جميل جداً ؛ النسمات والجبال الخضراء والأماكن الجميلة والتسهيلات والخدمات والمرافق لاختلط هؤلاء الذين أرادوا وجه الله الكريم في هذه السفرة وهؤلاء الذين قصدوا المتعة والسياحة، لذلك شاءت حكمة الله أن يكون بلد السفر إليه بلد لا زرع فيه، ولا نبات، ولا أي مظهر من مظاهر الجمال الذي يرغبه الناس.