بحث

التجارة ومكانة التاجر الصدوق في الإسلام

التجارة ومكانة التاجر الصدوق في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     وردت التجارة في القرآن الكريم، وفي السنة المطهرة، وقدت وردت تحت كلمة: يبتغون من فضل الله، فالسفر من بلد إلى بلد بنية التجارة هو ابتغاء من فضل الله، يقول الله عز وجل: ﴿وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله﴾ ، إشارات قرآنية كثيرة إلى التجارة التي يبتغى بها فضل الله عز وجل، لقوله تعالى: ﴿وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون﴾ وقوله تعالى: ﴿ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون﴾ ، هذا التبادل التجاري بين البلاد من رحمة الله، إشارة أخرى إلى التجارة: ﴿أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا﴾. قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ أي جعل حاجات بعض الشعوب عند شعوب أخرى من أجل التعارف، أنت من أجل تأمين هذه الحاجة تبحث عن مصادرها، فإذا بحثت عن مصادرها التقيت بأناس آخرين، لعل بهذا التعارف ينتشر الدين، لعل بهذا التعارف ينتشر الحق، ولا عجب فإن أكبر بلد إسلامي في العالم الآن اندونيسيا، يعد مئة وخمسين مليون إنسان، هذه البلاد لم تفتح من خلال الحرب أبداً، فتحت عن طريق التجار سيدنا إبراهيم يقول كما جاء في قوله تعالى: ﴿ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون﴾ بلاد صحراوية يرزقهم عن طريق التبادل التجاري، فالتجارة والشراء والبيع والاستيراد والتصدير واختصاص كل بلد بإنتاج يحتاجه العالم بأسره، فكأن القصد الإلهي أن توزع هذه المواد الأساسية في قارات الأرض الخمس، الهدف من ذلك التعارف، والتعارف وسيلة لنشر الحق. الله عز وجل كما قهر الأفراد أن يسكنوا مع بعضهم وقهر الشعوب على أن يتصلوا ببعضهم البعض، الشعب المنعزل شعب يعيش في أوهام.  

     قال الله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ ، معناها يتاجرون، لكن تجارتهم لا تلهيهم عن إقامة الصلوات، وعن أداء الفروض الدينية، وعن طلب العلم. أروع ما في حياة المسلم أنه يعمل ويده عليا، ويتعبد ربه وقلبه مطمئن، كما وصف الناس أصحاب رسول الله قالوا: رهبان في الليل فرسان في النهار. إتقان العمل جزء من الدين، ((إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه)). سيدنا بن عوف كما تعلمون آخاه النبي مع سعد بن الربيع، وسعد بن الربيع من أغنياء الأنصار، وقال لعبد الرحمن بن عوف المهاجر: يا أخي عندي بستانان خذ واحداً منهما، وعندي حانوتان خذ واحداً منهما، هذا موقف فيه مؤاثرة، ووصفهم الله عز وجل فقال: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ إلا أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف قال له: " بارك الله لك في مالك ولكن دلني على السوق ". فالأنصاري كان في أعلى درجات المؤاثرة، والمهاجر كان في أعلى درجات التعفف. لا يوجد موقف أروع عند الله عز وجل من تعاون المؤمنين. سيدنا الصّديق كان تاجر بزّ أي قماش، فكان يتاجر ويسعى حتى أنه يوم بايعه المسلمون على الخلافة وضع القماش على كتفه وذهب إلى السوق، سيدنا الصّديق ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر، وضع القماش على كتفه ليتاجر، لكن الصحابة منعوه وأعطوه مقابل تفرغه لقيادة هذه الأمة. سيدنا عمر كان يعقد الصفقات ويتاجر في السوق، من أين كان يعيش؟ من عمله. سيدنا عثمان كان يعيش من التجارة، سيدنا ابن عوف أبو حنيفة كان تاجر أقمشة، كبار الصحابة، كبار العلماء.  

     وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التَّاجِرُ الأمينُ الصَّدُوقُ مع النَّبيِّينَ والصِّدِّيقين والشُّهداء)) ، إنسان يبيع ويشتري ويتاجر ويربح ومع الشهداء والنبيين يوم القيامة ماذا فعل؟ التجارة ممتعة مسلية مسعدة، بيع، وشراء، وربح، وأموال طائلة، ومع الصديقين والأنبياء والشهداء يوم القيامة، أيستحقون هذا الشيء؟ الجواب: أن الدعاة إلى الله نوعان؛ يمكن أن تدعو إلى الله بلسانك، ويمكن أن تكون داعية عن طريق عملك واستقامتك، فكما أن أكبر بلد إسلامي فتح عن طريق التجارة، إذاً التجار المسلمون دعاة إلى الله، دعاة إلى الله باستقامتهم، دعاة إلى الله بتعففهم عن الأرباح الفاحشة، دعاة إلى الله بنصحهم، بعدم غشهم، بتواضعهم، فهناك دعوة باللسان، وهناك دعوة بالسلوك، وربما كانت لغة العمل أبلغ من لغة القول، أي عندما يكبح التاجر نفسه عن الأرباح الطائلة غير المشروعة، يكبح نفسه عن احتكار البضاعة، يكبح نفسه عن رفع الأسعار الجنونية، يرحم الناس، يرق لهم، يلبي حاجاتهم، ييسر لهم مطالبهم، هذا التاجر قدم خدمة كبيرة جداً، لأنه لا يوجد إنسان إلا يشتري ويبيع، فإذا الباعة متواضعون رحماء ينشرون الإسلام بتواضعهم و رحمتهم، ((إن أطيب الكسب كسب التجار؛ الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا ـ يمدحوا ـ وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا)) . النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أصبح للمسلمين كيان، بنى مسجداً، ثم بنى سوقاً، وظلّ يرعاه بتعاليمه وتوجيهاته، فلا غش، ولا تطفيف، ولا احتكار، ولا تناجش، لا يوجد كذب، ولا أيمان، ولا غش، ولا احتكار، ولا تدليس، ولا استغلال، ولا إيهام، ولا بيع ضرر إلى غير ذلك مما يقع فيه بعض التجار.    
     فالتجارة حلال إن كانت البضاعة في الأصل مشروعة، وفضلاً عن أن البضاعة مشروعة ينبغي أن تسلك في التعامل مع الآخرين الأساليب المشروعة التي أمر الله بها. (( خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التجار ، فاستجابوا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ، فقال : إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا ، إلا من اتقى اللَّه وبر وصدق )). مرة خرج عليه الصلاة والسلام إلى التجار، قال: وكنا تجاراً، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: ((يا معشر التجار إياكم والكذب)) ، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ،  -منهم- وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ)) الذي لا ينظر الله إليه يوم القيامة وله عذاب أليم هو الذي ينفق سلعته بالحلف الكاذب. فالكذب بالتجارة خطير جداً. طبعاً الغش يخرج الغاش من ملة الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا)) والتطفيف بالكيل والوزن لقوله تعالى: ﴿ويل للمطففين﴾ . الاحتكار: ((الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ)) الربا : ((دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً)) .



المصدر: الحلال والحرام - الدرس : 09 - الإكتساب بالتجارة والوظائف.