التبرج إظهار محاسن المرأة التي أمر الله بإخفائها، الآية القرآنية التي تتحدث عن التبرج قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ بهذه الآية أسئلة كثيرة، أول شيء حينما يذكر الله عز وجل شيئاً في كتابه الكريم فمعنى ذلك أن هذا الشيء أساسي في سلامة المرء وسعادته في الدنيا والآخرة. لا يظن بعض الناس أن الله عز وجل ذكر آية في القرآن الكريم فيها توجيه اجتماعي أن هذه الآية من الثانويات، ما دام الله عز وجل قال: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ معنى ذلك أن بقاء المرأة في بيتها نظام اجتماعي أمثل تنتظم به الحياة ويسعد به الرجال، وتسعد به النساء، ويسعد الناس في الدنيا والآخرة. المرأة إذا خرجت من بيتها، وخالطت الرجال سببت فساداً كبيراً. لأن المرأة محببة إلى الرجال هذه فطرة، قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾ كيف أن البارود يشتعل بالنار، من خصائص هذه المادة اشتعالها بالنار، فإذا منعت النار عن البارود فهذا مبني على علم كبير. فلما خرجت ابنتا سيدنا شعيب عليه على نبينا أفضل الصلاة والسلام لسقي الغنم قالتا: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ أي ما خرجنا إلا لسبب قاهر، أما من غير سبب قاهر فينبغي أن تبقى المرأة في بيتها، وليس معنى ذلك أن تبقى جاهلة، بعض الجهلة يقرن بين بقاء المرأة في بيتها وبين الجهل، يجب أن تبقى في بيتها وهي في قمة الفهم، والتأدب بأخلاق الإسلام والتفقه في الدين وفهم كتاب الله، واتباع سنة رسول الله.
ولو أن امرأة متبرجة تعمل في مكان، يراها الرجال، الرجال على أنواع، بعضهم كالذئب، بعضهم كالثعلب، بعضهم يشتهي ما ليس عنده، شيء طبيعي أن يتقرب الرجال إليها، فإذا تقرب الرجال إليها شعرت بقيمتها، وبخطورة جمالها في الحياة، لذلك تستعلي على زوجها في البيت، تفسد علاقتها مع زوجها، وتفسد علاقة الأزواج مع زوجاتهم، وتحتل مكان رجل لو عُين مكانها لتزوج، إذاً عطلت مكاناً لرجل، وعطلت زواجاً لأنثى، ورزقها مضمون على أبيها أو على زوجها، هذا نظام الإسلام. ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ أي النظام الأمثل أن تتفرغ المرأة لرعاية زوجها وأولادها، وأن تكون عالمة لأمر دينها وحقوق زوجها.
السؤال الدقيق: لماذا قرن الله عز وجل بين أمره الشريف العظيم ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ - وبين نهيه الآخر -: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ لماذا قرنهما مع بعضهما؟ الأصل أن تبقى المرأة في البيت. يا بنيتي يا فاطمة - هكذا قال عليه الصلاة والسلام - ما خير ما تفعله المرأة؟ قالت: ألا ترى وألا تُرى. ((صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا)) ما علاقة النهي الثاني؟ فإذا خرجتن لأمر ضروري لا تبرجن، إذا قلنا لإنسان: لا تأكل أكل النهم، فهل نحن ننهاه عن الأكل؟ لا. ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ﴾ المرأة لابد من أن تتبرج لزوجها، فإذا تركت التبرج لزوجها أثمت، لأنها إذا تبرجت لزوجها كان تبرجها لزوجها أغض لبصره، وأحصن لنفسه، لكن المرأة غير المسلمة تتبرج لغير زوجها، للأجانب في الطرقات، تظهر مفاتنها لمن ليس له علاقة بها، تبرز مفاتنها لمن لا يجوز له أن يرى مفاتنها، تبرز مفاتنها فتفسد علاقة الأزواج بزوجاتهم، أو تفسد علاقة الشباب بربهم، أو تفسد علاقة المجتمع بعضه ببعض. ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ﴾ أي هذه الفتنة، هذا الجمال الذي منحه الله للمرأة، حينما منحه إياها من أجل أن يكون عوناً لها على أن يحبها زوجها، من أجل الوفاق الزوجي، أي المرأة محببة، ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ هذه مودة، تأتي من أنها محببة للرجل، هذا الشيء الذي منحه الله إياه لعلة واضحة، إذا استخدمت لغير ما خلقت له فقد فسدت وأفسدت. قال تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ في الجاهلية كانت النساء تتبرج لا بقصد إرضاء أزواجهن، بل بقصد إبراز مفاتنهن، فإذا عرضت هذا الشيء الثمين لأنظار الناس كلهم فقد أثارت حولها الذئاب، الجوهرة المكنونة توضع في علبة مخملية، وفي صندوق، أما الشيء التافه الذي لا قيمة له فتراه ملقياً في الطريق. من الكلمة الْأُولَى يُفهم أن هناك جاهلية أمر وأدهى سوف تأتي في آخر الزمان.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ أكثر المفسرين فسروا هذه الآية أن الجلباب يجب أن يستر جسد المرأة كله، من رأسها إلى أخمصها، هذا هو الجلباب، وسُمح أن تبقى عين واحدة مكشوفة كي ترى طريقها. المرأة لا يرى الناس وجهها، لا يستطيع أحد مهما بلغ فسقه أن يسمعها كلمة في الطريق، ولا أن يتحرش بها، ولا أن يصف شكلها، ولا أن يتكلم كلاماً يؤذيها، لأنه لا يراها، فإذا بدا الوجه، وهو موطن الفتنة في المرأة كانت التعليقات، إن كان فاتناً علق الناس تعليقاً خاصاً، فإن لم يعلقوا أضمروا في نفوسهم ما لا تُحمد عقباه، وإن نظروا وكان في الوجه دمامة تكلموا بكلمات تعقد هذه المرأة، معنى المرأة التي تظهر مفاتنها قد تؤذي، وقد تؤذى، تؤذي بإثارة الشهوات وقد تؤذى ببعض الكلمات التي تجرح شعورها إن بقي عندها شعور.
قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ الذي يظهر من زينة المرأة طولها، هل تستطيع أن تخفي طولها؟ كونها ممتلئة الجسم أو نحيلة؟ هذا شيء لا تستطيع أن تخفيه، أما الوجه لو أن الوجه مستثنى من هذه الآية إلا ما أظهرن، بيدها أن تظهره أو لا تظهره، أما إلا ما ظهر ليس إلا ما أظهرن منها، الوجه إلا ما أظهرنا، والمعصم إلا ما أظهرن، والرقبة إلا ما أظهرن، كل هذه الأعضاء يمكن سترها، إلا ما ظهر من دون قصد، ومن دون إرادة، ومن دون إمكان، إلا ما ظهر منها، قالوا: طولها، وقالوا: ثيابها.
قال تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ الجيب فتحة الصدر، يضربن بخمورهن، والخمار الرداء التي تختمر به المرأة، والخمر تستر عقل الإنسان، والخمار يستر المرأة ولتضرب خمارها على جيبها مروراً بوجهها. ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، معدودون سبعة لا يوجد غيرهم. ابن عمها ليس وارداً، أخي نحن هكذا تربينا. ابن خالتها غير وارد، أخو زوجها غير وارد، خال زوجها غير وارد، فبذلك يخالفون الشرع، وتقع المشكلات. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يُرى منها)) أي المرأة إذا بلغت سن البلوغ لا ينبغي أن يراها غير السبعة. لأنه إذا رآها غيرهم زرعت الشهوة في قلبه، يقول عليه الصلاة والسلام: ((... إن المرأة إذا أقبلت أقبلت في صورة شيطان...)) أي إذا رأيتها مقبلة بزينتها حركت الشهوة، وإذا رأيتها مدبرة حركت الشهوة لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ)) ويقول عليه الصلاة والسلام: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)) أي الثوب إذا شفّ عن لون الجلد فهذا ليس بثوب، إنها بهذه الثياب كاسية عارية، أي القماش الرقيق الذي يظهر ملامح الجسد يدخل بهذا الحديث كاسية عارية، والثياب الثخينة إذا كانت ضيقة فوصفت حجم العضو كاسية عارية. إذا لبست المرأة لباساً حديثاً وفق أحدث الموضات، معنى ذلك أنها تدعو الناس إلى النظر إليها، تدعو الناس إلى التهامها بعيونهم، وتقول إنها شريفة، أين شرفها؟ لو أنها شريفة لحجبت مفاتنها عن الذئاب. أقول الذئاب بالذات. إذا خرجت المرأة متعطرة خرجت زانية، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنِ امْرَأَةٍ صَلاَةً خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرِيحُهَا تَعْصِفُ، حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِل)).
الموضوع حساس ودقيق، وكل منا يعرف أبعاده، ويعرف كم من طلاق تم بسبب الاختلاط، كم من شقاء وقع في بيت بسبب التبرج، كم من انحراف وقع من زوج أو من زوجة بسبب ذلك. الإنسان الذي يحب نفسه ويحب أن يمضي عمراً مع زوجته في اطمئنان ودعة، واطمئنان إلى أخلاقها، وإلى استقامتها ووفائها، لا يعرض نفسه إلى مهالك بسبب جهله بالدين. فإذا أردت أن تحيا سليماً من هذه الآفات فطبق كتاب الله. فالإنسان حينما يتلقى النصائح بأمور حياته من جهات غير خبيرة يدفع الثمن، أما إذا تلقى النصيحة من خبير: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ نحن من خلقه، وهذا الكتاب القرآن الكريم هو دستورنا في الحياة تخالفه فتدفع الثمن. الاختلاط يسبب خراب البيوت، التبرج يسبب فساد العلاقة بين الأزواج كلهم، كل معصية لله عز وجل تسبب فساد الحياة من دون تدخل من الله، الله لا يعاقب أحداً، عمل نظاماً دقيقاً، تخالف فتقع. إذا رجل حرك المقود على اليمين فجأة وعلى اليمين واد، هذا التحريك بحد ذاته فيه بذور الوقوع في الوادي، هكذا الشرع، لذلك أوامر الشرع ليست قيوداً للإنسان ولكنها ضمان لسلامته. لذلك بعض العلماء قالوا: الحقائق نوعان، حقائق تنحدر إلينا عن طريق الوحي للأنبياء، وحقائق نكشفها عن طريق التجربة، مصدرها واحد.