حقائق لا بد من معرفتها:
هذه فقرة من تقرير منظمة الصحة العالمية، وهي منظمة علمية كتاباتها وإحصاءاتها موضع ثقة.
- إن شركات الدخان تنتج دخينتين يومياً لكل إنسان على وجه الأرض، وعدد سكان الأرض ستة آلاف مليون، ما يعني أن اثنيْ عشر ألف مليون دخينة تنتج كل يوم.
- هذه الكميات الفلكية التي تنتجها شركات الدخان فيها مواد سامة لو أخذت في الدم دفعة واحد لاستطاعت أن تبيد الجنس البشري بأكمله.
- لو أخذت المواد السامة في هذه السجائر دفعة واحدة بعد استخلاصها، في الوريد مباشرة، فهي كفيلة أن تقتل إنساناً في أوج صحته.
- مما يدخنه الإنسان، لو استُخلِصَت هذه المواد السامة، وحقنت في وريده لمات فوراً.
- عدد الذين يلقون حتفهم، أو يعيشون حياةً تعيسة من جراء التدخين، يفوق عدد الذين يلاقون حتفهم من الطاعون والكوليرا والجدري والسل والجذام والتيفوئيد مجتمعين.
- والوفيات الناجمة عن التدخين هي أكثر بكثير من جميع الوفيات للأمراض الوبائية مجتمعةً.
- إن مجموع الدخل الذي تحققه الدول الكبرى من جراء الضرائب الباهظة على إنتاج التدخين، هو أقل بكثير من الأموال التي تنفق لمعالجة الأمراض الناتجة عن التدخين.
- إن بين كل ثلاثة مدخنين واحد يلقى حتفه بسبب التدخين.
- الآثار المدمرة للتدخين لا تظهر بشكل واضح إلا بعد ربع قرن، وهنا الخطر، فإن الآثار المدمرة للمدخن تظهر بعد خمسة وعشرين عاماً من تدخينه.
- هذه السجائر تحتوي على أربعة آلاف مادة كيماوية على شكل غازات، ومواد معظمها سام، ومضر بالصحة العامة.
- ألف وفاة كل يوم بسبب الدخان، وهذا العدد يزيد سبعة أضعاف على عدد الذين يموتون في حوادث السير، علماً بأن أعلى نسبة يموت بها الناس هي نسب حوادث السير، لذلك قالت منظمة الصحة العالمية: إن التدخين يعد سبباً حتمياً لأمراض مميتة .
وتواجه الدول العظمى الأوبئة بقلق شديد، فلو انتشرت الكوليرا في بلد لانبرى المسؤولون عن الصحة لمواجهة هذا المرض، واستنفروا، ولكن قد يعجب الإنسان لماذا لا يواجهون أخطار التدخين بهذا القلق نفسه؟
التدخين وجسم الإنسان:
الدماغ:
إن سموم التدخين المنحلة في الدم إذا وصلت إلى الدماغ يتلقفها الدماغ بسهولة فائقة وبِنَهَمٍ كبير، هذا الدماغ حينما يأتيه هذا السم المنحل في الدم يشعر الإنسان بشيء من الخدر، وبشيء من الفتور تارة، ويشعره بالنشاط والتنبه تارة أخرى، فالدخان مهدئ ومنشط في آنٍ واحد، وهذا هو سر الإدمان عليه، والتعلق به، هذا السم في الدماغ يضعف تغذية الأعصاب، فتصاب بالالتهاب، وقد أجريت دراسة علمية على ستة آلاف وثمانمئة حالة، كان من نتائجها أن هناك علاقة واضحة جداً بين الدخان وضعف الذكاء.
جهاز التنفس:
هو أشد الأجهزة تأثراً بالتدخين، لأن جهاز التنفس كعنقود العنب، كل حبة هي حويصل رئوي، والحويصل فراغ، وتتم في هذا الفراغ مبادلة غاز الفحم بالأوكسجين، هذه المبادلة حيوية وأساسية جداً، وسموم الدخان تخرب الأنسجة المبطنة للأسناخ الرئوية، وتضعف الوظائف التنفسية، وتؤدي إلى التهاب الأنف والبلعوم المزمنين، وإلى التهاب الحَنجرة والقصبات الرئوية، ونسبة سرطان الرئة عند المدخنين هي ثمانية أمثال غير المدخنين.
القلب:
إن معظم الإصابات القلبية والوعائية القاتلة تعود إلى التدخين، وقد أكد أطباء جراحة القلب أن أكثر المداخلات الجراحية التي يجرونها على القلب بسبب آفات تعود بالدرجة الأولى إلى التدخين، وإن ثمانين بالمئة من مرضى القلب من المدخنين تسبب لهم سموم الدخان تضيقاً دائماً في الشرايين، وقد يتحول التضييق إلى انسداد، فتكون الذبحة الصدرية، أو تكون الجلطة، أو يسبب انسداداً في شرايين المخ، فتكون السكتة الدماغية، أو يسبب انسدادًا في شرايين الساقين، فيكون الموات، أي مرض الغرغرين، ولا بد عندئذ من قطع الساق، حينئذ يكون احتمال إصابة المدخنين بأمراض القلب والشرايين يزيد خمسة عشر ضعفاً على غير المدخنين.
التدخين والحمل:
إن أكثر حالات الإجهاض والإملاص، الإملاص ولادة الجنين ميتاً، أكثر حالات الإجهاض والإملاص والولادة قبل الأوان، ونقص الوزن والتشوهات الخلقية، والوفاة في المهد، وربو الأطفال والصمم كله يعزى إلى الأم المدخنة، أما الشيء الذي لا يكاد يصدق فإن هذا السم القاتل يشربه الطفل المولود حديثاً مع حليب أمه، لذلك تعد الإقياءات المتكررة والتشنجات، وتسرع قلب الوليد من آثار سموم الدخان التي تدخل في جسم الرضيع عن طريق حليب أمه المدخنة، كما أن كثافة السموم سموم الدخان في ثدي المرأة تؤدي إلى تخرش الثدي، وهذا التخرش يؤدي إلى سرطان الثدي عند المرأة المدخنة.
التدخين السلبي، أو التدخين غير الإرادي:
هؤلاء الناس الذين لا يدخنون، ولكنهم يتعرضون بشكل يومي للغازات والمواد المنبعثة من تدخين السجائر من زملائهم في العمل، أو الأولاد من أبيهم، أو الزوجة من زوجها، أو الأولاد من أمهم، هؤلاء جميعاً لا يدخنون، ولكنهم ينضوون تحت مصطلح اسمه المدخن السلبي، وهنا المشكلة.
هذا الذي لا يدخن، ولا يريد أن يدخن، تظهر على صحته آثار قد لا تصدق، منها:
التدخين السلبي والربو:
أن التدخين السلبي أيها الإخوة الكرام يسبب الربو، فشركاء المدخنين وجلساؤهم يكونون معرضين بنسبة خمسة أضعاف المعدل الاعتيادي للإصابة بالربو، بفعل مضار التدخين السلبي.
والربو الآن شائع جداً، ولاسيما ربو الأطفال، وأحد أسبابه تدخين الأب في البيت.
التدخين السلبي وضيق التنفس الليلي:
أيها الإخوة الكرام، التدخين السلبي له علاقة بضيق التنفس الليلي.
وهذه دراسة تم إجراؤها في بلد متقدم، فقد خضع ثمانية آلاف شخص من ثلاثة عشر بلداً إلى فحص دقيق، لمعرفة آثار التدخين السلبي على صحتهم، فكان من أبرز هذه الآثار ضيق التنفس الليلي، وضيق التنفس الذي يتبع أيّ جهد عضلي.
وهذا أيضاً أيها الإخوة الكرام، من آثار التدخين السلبي، ضيق التنفس الليلي، وضيق التنفس على أثر جهد عضلي.
التدخين السلبي و أمراض القلب:
وهناك دراسة، أيها الإخوة الكرام، تربط بين التدخين السلبي وبين أمراض القلب، فاحتمالات الإصابة بأمراض القلب هي ضعف احتمالات الإصابة لغير الذين يتأثرون بالتدخين السلبي.
الحديث الآن عن التدخين السلبي، هذا الذي لا يدخن، لكنه طفل في أسرة الأب فيها يدخن، أو طفل في أسرة الأم فيها تدخن، أو زميل في عمل الزميل فيه يدخن.
إذا كان هذا أثر التدخين فيمن لا يدخن، لكنه يجاور من يدخن، فكيف أثره فيمن يدخن؟
التدخين السلبي وقدرة المرأة على الإنجاب:
بحوث أخرى أشارت إلى أن التدخين السلبي يمكن أن يضر، وكشفت دراسة رصينة أجرتها جامعة على ثمانية آلاف وخمسمائة من الأزواج الذين تعرضوا للتدخين السلبي في أثناء العمل، فكانت هناك نسبة كبيرة من النساء كن أقلَّ قدرة على الإنجاب من اللواتي لم يتعرضن إلى التدخين السلبي.
التدخين السلبي وضعف ذكاء الطفل:
التدخين السلبي يضعف ذكاء الطفل، وقام باحثون في مركز طبي تابع لمستشفى في إحدى الولايات في أمريكا، وقال هذا التقرير:
إن الأطفال المعرضين لدخان السجائر حتى ولو بكميات قليلة يعانون من انخفاض القدرات الذهنية والإدراكية.
وقد أشار هؤلاء إلى الدراسة التي أجريت على أكثر من أربعة آلاف طفل، ونشرتها مجلة رصينة، وأن هذا الأثر واضح جداً على الأطفال الذين يعانون من التدخين السلبي، والتدخين السلبي أيضاً يزيد من خطر إصابة الأطفال بالتهابات الأذن.
التدخين السلبي ونسب الأمراض في العمل:
أيها الإخوة الكرام، الذين يتعرضون لآثار التدخين من زملائهم في العمل أي يتعرضون للتدخين السلبي يقعون في أمراض هي ضعف الأمراض التي يقع فيها من لا يدخن تدخيناً سلبياً. وبالتالي يأخذون إجازات من وظائفهم ضعف الإجازات الصحية التي يأخذها زملاؤهم ممن لا يتعرض للتدخين السلبي.
أيها الإخوة الكرام، هذا أثر التدخين فيمن لم يدخن، فكيف فيمن يدخن؟
والإنسان حينما يبتلى بالتدخين، وحينما تضعف إرادته عن أن يقلع عنه، ألا يرحم زوجته؟ ألا يرحم أولاده؟ ألا يرحم من يلوذ به؟
أهمية الصحة:
والصحة تأتي في الأهمية بعد الهداية، فأول نعمة على الإطلاق أن تعرف الله، وأن تعرف منهجه، وأن تحمل نفسك على طاعته، والنعمة الثانية أن تكون صحيحاً معافى في بدنك، والصحة رأس مال الإنسان، ورأس ماله الأوحد، وهي وعاء عمله، وهي من أسباب استقامته، وهي سبب توفيقه في طلب الآخرة، إن كانت الصحة موفورة.
التدخين والغابات:
أما عن الخسائر الناتجة عن الحرائق التي تلتهم الغابات الخضراء بسبب أعقاب السجائر فهي تفوق كل أرباح الشركات، وهناك حريق واحد التهم خمسة وعشرين ألف دُنُمٍ في بعض السنوات في إحدى البلدان بسبب عقب دخينة ألقيت في أرض الغابة.
أحكام الدين في التدخين:
يقول الله عز وجل: ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
هذا الذي يدخن أليس يلقي بيديه إلى التهلكة؟ أليس ينتحر انتحاراً بطيئاً؟
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته:
نحمدُ الله ونُثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، إن أصدقَ الحديث كتاب الله، وأحسنُ الهدْي هدْيُ محمد، وشرُّ الأمور محدَثاتها، وكل محدثَة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم يقول: بعثت أنا والساعةَ كهاتين، وكان إذا ذكر الساعةَ احْمَرَّتْ وَجنتاه، وعلا صوتُه، واشتد غضبه، كأنه نذير جيش، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ثم قال: من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديْناً أو ضيعاً، فإليَّ أو عليَّ، وأنا أولى بالمؤمنين
أليست هذه الدخينة بدعةً؟
إن الأسر الفقيرة تستهلك من دخلها ثلثه من أجل التدخين، هذا المبلغ الذي يعادل ثلث دخل أسرة فقيرة، لو رُدَّ على الأولاد غذاءً وفاكهةً وكساءً وضروريات تفتقر إليها الأسرة، أليس هذا من باب أولى؟
أيها الإخوة الكرام، آية ثانية، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)
الآية مطلقة، والمطلق على إطلاقه في القرآن الكريم.
قتل سريع معروف لدى الجميع، وقتل بطيء، هو الدخان الذي ينتهي بصاحبه تحت الثرى.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومُفْتِر
أليس الدخان مفتراً؟
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم:...ورجل آتى سفيها ماله وقد قال الله عز وجل: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم
وأنت حينما تنفق من دخلك ثلثه على الدخان فإنك آتيت هذا المال أناساً سفهاء يتجرون بصحة الناس.
إن أردت الحكم الفقهي، ففي قوله تعالى: ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)
وقد ثبت بالدليل القطعي العلمي الموضوعي أن الدخان من الخبائث، فهو إذاً مشمول بقوله تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)
التدخين في الدول المتقدمة وفي الدول المتخلفة:
شيء آخر، نسب المدخنين تقلّ في العالم المتقدم إلى ستين بالمئة، يعني أربعون بالمئة أقلعوا عن التدخين، ونسب المدخنين في العالم المتخلف زادت ثمانية وثلاثين بالمئة. هم يَدَعون التدخين حفاظاً على صحتهم، وإدراكاً لمضار التدخين، وفي العالم المتخلف ترتفع نسب المدخنين إلى ثمانية وثلاثين بالمئة زيادة عن ذي قبل.
العاقل يتعامل مع النص والجاهل يتعامل مع الواقع:
كنت أذكر قديماً ودائماً أن الإنسان العاقل يتعامل مع النص، بينما الإنسان الجاهل يتعامل مع الواقع، فما دامت هذه الدخينة تعطيه راحة فيما يبدو توهمه بخدرٍ في جسمه فهو يدخن، فإذا شارف الخطر القاتل صحا من غفلته، هذا شأن غير العاقل.
بينما العاقل من شأنه أنه يتأثر بالنص والحقيقة، قبل أن يأتي يوم لا ينفعه نص ولا حقيقة.
وصايا تُعين المدخن على الإقلاع عن التدخين:
أيها الإخوة الكرام، بقدر ما توصف نتائج التدخين بأنها خطيرة بقدر ما يمكن تلافيها إذا امتنع المدخن عن التدخين، لكن الحقيقة الخطيرة أنه كلما طال أمد تعاطي التدخين كان الإقلاع عنه أصعب، هناك عدة وصايا تعين المدخن على الإقلاع عن التدخين:
- أن يمتلك إرادة قوية.
- أن يتخذ قراراً حازماً لا رجعة فيه.
- أن يعمق وعيه الصحي بأبعاد الأخطار الناتجة عن التدخين.
- وإن كان مؤمناً أن يعمق وعيه بحكم التدخين في الإسلام.
- ينبغي أن يقلع عن التدخين في وقت مبكر من حياته.
- وينبغي ألا يقلع عنه بالتدريج، بل يجب أن يقلع عنه دفعة واحدة.
- وألا يفقد الأمل إذا حاول مرة بعد مرة ولم ينجح.
- وعليه أن يستفيد من خبرات الذين أقلعوا عن التدخين.
الخلاصة:
هذا المدخن ضحّى بصحته وبماله، وبصحة أولاده وزوجته، وصحة أبيه وأمه، وخالف أوامر الله عز وجل في تحريم الخبائث، وإزالة كل ما فيها من ضرر، والامتناع عن كل تبذير.
المدخن إنسان ينتحر باختياره، ولا يملك السيطرة على ما يقتله،
وقد قال تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)
لقد صدرت مئات الكتب التي تبرز الأضرار البشعة للتدخين، ثم الفتاوى المنصفة الجازمة بتحريم التدخين، ثم تحدث الاقتصاديون عن المليارات التي تُستَنزَف، كما رصدوا النسب المئوية التي تؤكد التهام التدخين لأكثر من ثلث دخول الأسر الفقيرة أو المتوسطة.
هذه الحقائق وتلك التقارير، وهذه الفتاوى، لم تلقَ أذناً مصغية، بل لقيت الإهمال واللامبالاة.
أيها الإخوة الكرام، هذه الحقائق وتلك التقارير، وهذه الفتاوى، ينبغي أن تردع كل مدخن عن أن يدخن، لأن في الدخان هلاكاً له، لكنه ليس كهلاك من يقتل برصاصة فيموت وينتهي، ولكن كهلاك من يصيبه مرض عضال فيموت بعد العذاب والألم.
أيها الإخوة الكرام، من خصائص الإنسان الذي عرف سر وجوده وغاية وجوده أنه يعرف قدر نفسه، ويعرف قيمة الحياة، ويعرف قيمة الصحة، هذه الصحة وسيلته لتحقيق ذاته، لذلك يجب أن يسعى الإنسان العاقل سعياً حثيثاً إلى الحفاظ على صحته، لأنها رأسماله، ووعاء عمله.