قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحسَنَةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ الناسَ بخلُق حسن)
وصية من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصية فيها قواعد كلية في التعامل مع الله تعالى، والتعامل مع النفس، والتعامل مع الناس.
(اتق الله حيثما كنت) هذه علاقتك بالله تعالى.
(وأتبعِ السيئة الحسنة تمحها) هذه علاقتك بنفسك.
(وخالِقِ الناس بخلقٍ حسن) هذه علاقتك بالمجتمع.
وعلاقاتك مهما تنوعت، ومهما تعددت، ومهما كثرت، فلا تزيد على هذه الأبواب الثلاثة: علاقتك بالله، وعلاقتك بنفسك، وعلاقتك بالمجتمع.
(اتق الله حيثما كنت) أين أنت؟ أنت في مُلك الله، وأنت في قبضة الله. وأينما ذهبت، إلى أي بلد، أو إلى أي مكان، فالله عز وجل معك، معك بعلمه، قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ إذاً: الإنسان في ملك الله، وفي قبضة الله، ولن يخرج عن قدر الله أيُّ إنسان كان، حتى لو كان كافراً ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ معنى يسبقونا، أيْ: إنهم ليسوا في قبضة الله، أو أنهم يفعلون ما يشاؤون، ولا ينالون عقابهم من الله، وهذا ما تنفيه الآية. يجب أن تؤمن إيماناً قاطعاً أنك في قبضة الله، وأنك في ملك الله، وأن الله سبحانه وتعالى يعلم أحوالك كلها، إن تكلمت فهو سميع، وإن سكتَّ فهو عليم، وإن تحركت فهو بصير فتنضبط وتُقبل تكون قد حققت الحد الأدنى من الإيمان . فاتق الله في أي مكان وفي أي مكانة غني أو قوي. القوة تنسي الخوف من الله، أحياناً، كثرة المال تنسي الالتزام بالمنهج، فإن كنت غنياً أو قوياً أو في موضع تتجه أبصار الناس إليك، أو إذا كنت فقيراً أو ضعيفاً أو مريضاً، أو إذا كنت في بلدك أو في غير بلدك، حيثما كنت، اتقِ الله.
(وأتبعِ السيئة الحسنة تمحها) هذه علاقتك بنفسك أيها الإخوة الكرام، أودع الله فينا الشهوات، لنرقى بها تارةً صابرين، وتارةً شاكرين، إلى رب الأرض والسماوات. فالشهوات، حيادية، يمكن أن تتحرك من خلالها مئة وثمانين درجة، لكن منهج الله عز وجل حدد لك الحركة، فأيّ شهوة أودعت في الإنسان لا يستطيع المؤمن أن يمارسها إلا وفق منهج الله، بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ المعنى المخالف: إنك لو اتبعت هواك وفق هدى الله عز وجل فلا شيء عليك. إذاً: هذه الشهوات حيادية، إما أن تكون سلَّماً نرقى به، أو دركات نهوي بها. لكن الإنسان يعيش ساعة وساعة، فهناك ساعة تألق، وهناك ساعة فتور، ويخشى في ساعة الفتور أن تزل قدمه، لذلك: قال رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ)) وقد أخبرنا الله عز وجل، وهذه بشارة للمؤمنين حيث يقول: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ مادام منهج الله مطبقاً في حياتهم، فهم في بحبوحة، وفي مأمن من عذاب الله، لكن رحمة الله عز وجل تقتضي أنك إذا أخطأت، وندمت، واستغفرت، فأنت في بحبوحة أخرى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.
(وخالِقِ الناس بخلقٍ حسن) هذه علاقتك بالمجتمع. أيها الإخوة الكرام، إن هناك تلازماً ضرورياً بين التدين الصحيح والخلق القويم، والنبي عليه الصلاة والسلام حدد الغاية الأولى من بعثته، والمنهج الأمثل لدعوته فقال: ((... وإنما بعثت معلماً)) وقال: ((بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) هذا الدين العظيم فسره النبي بالخلُق الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَكْمَلُ المُؤمِنينَ إِيمَاناً: أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً..)) قمة الإسلام أن تكون ذا خلق، وقمة الإيمان أن تكون ذا خلق، وإن من أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن)) أوزن شيء في ميزان الحسنات والسيئات الخلق الحسن. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)) صائم في النهار، قائم في الليل، عبادة شاقة تحصِّل مثيلها بالخلق الحسن. والخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل. قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً: ((أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار)) حتى الحيوان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عُذِّبت امرأةٌ في هرَّةٍ سجنتْها حتى ماتت، فدخَلتْ النَّار، لا هيَ أَطْعَمتها وسقتها، إِذ هي حَبسَتها، ولا هي تَرَكَتها تَأكُل مِن خَشاشِ الأرض )) أرأيتم من خلال هذه الآيات والأحاديث إلى مكانة الخلق في الإسلام ؟