بحث

فضيلة التعليم

فضيلة التعليم

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة التعليم : 

      أكبر خطأ يرتكبه الإنسان أن يظن أنه يتعلم، أنت مكلف أن تعلم كما أنت مكلف أن تتعلم، وليس التعليم قاصراً على الدعاء والمرشدين والعلماء، بل كل من يستمع إلى العلم عليه أن يعلم، فالله سبحانه وتعالى يقول : ﴿وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ 

      جاء أناس إلى النبي عليه الصلاة والسلام وتعلموا منه ثم رجعوا إلى قومهم لينذروهم، هذا ينطبق على كل منكم، جاء إلى مجلس العلم، ثم عاد إلى البيت، وله زوجه وله أولاد، جاءه صديقه، جاءه أخوه، جاءه ابن عمه، جاءه نسيب له، ذهب إلى عمله، زميله في العمل، جاره في العمل، كل واحدٍ منكم محاط بأربعين أو خمسين إنساناً كل أسبوع، فإذا حضرت مجلس علم، وتعلمت شيئاً؛ حديثاً، آية، حقيقة، فكرة، وتركت في نفسك أثراً بليغاً، وحينما عدت إلى البيت نقلتها لزوجتك، أو لأولادك فأنت ممن تنطبق عليك هذه الآية : ﴿وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ 

      والإنذار هنا المقصود به التعليم والإرشاد .  

      قال الله تعالى : ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ 

      هذا الميثاق ميثاق التعليم .  

      وقوله تعالى : ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ 

      إثمهم كبير جداً عند الله، وهو تحريم الكتمان . وقال تعالى : ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ 

      الآية متعلقة بالشهادة، والقرآن له خاص وله عام، الحقيقة من يكتمها فإنه آثم قلبه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما آتى الله عالماً علماً إلا وأخذ عليه من الميثاق ما أخذ على النبيين أن يبينوه للناس ولا يكتمونه )) 

من كتم علمه ألجم بلجام من نار : 

      قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود : (( من تعلم باباً من العلم ليعلم الناس أعطي ثواب سبعين صديقاً)) 

      قال عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - هكذا تروي الكتب - من علم وعمل وعلم ـ يوجد آية قرآنية بهذا المعنى ؟ 

      ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ 

      إذا كانت حياة الإنسان خالية من إيمان، وتطبيق، وتعليم، وصبر فهو خسران .. أخي معه ثلاثة آلاف مليون، خسران . وعمل وعلم، فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السموات . 

      وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن عباس بسند ضعيف : (( إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل للعابدين والمجاهدين ادخلوا الجنة، فيقول العلماء : بفضل علمنا تعبدوا وجاهدوا)) 

      وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عمر، والحديث متفق عليه : (( إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعاً من الناس بعد أن يؤتيهم إياه ولكن يذهبوا بذهاب العلماء، فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم حتى إذا لم يبق إلا رؤساء جهالاً إن سئلوا أفتوا بغير علم فيضلون ويضلون )) 

      العلم يُنتزع انتزاعاً بقبض العلماء.  

      وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة وهو حديث حسن : (( من عمل علماً فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار )) 

      الحكم يعرفه، ولكن لم يتكلم لمصلحة، له شريك يربح منه كثيراً وقع شريكه بمخالفة فإذا نصحه بتلك المخالفة سيتشاجران معاً، يقول له : نفك الشركة بيننا، فيقول لنفسه : اسكت يا ولد أنت تربح منه. تعلم علماً وكتم هذا العلم من أجل مصلحة مادية، ألجمه الله بلجام من نار.  
      قلت لكم مرة : إنسان يصلي في أول صف، كل صلاة في وقتها، له محل تجاري وله مطعم يباع فيه الخمر، قلنا له فقال : إن شاء الله برقبة شريكي، أنا ليس لي دخل، أنا إلى المطعم لا أذهب أبداً، فقط آخذ الأرباح آخر السنة، في رقبته إن شاء الله. لا في رقبة الشريكين معاً، إذا قال له : لا يجوز، يجوز، هذا ليس عملك إن لم يعجبك ذلك انسحب، هناك ربح جيد كيف ينسحب؟؟!!  

      (( من عمل علماً فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار )) 

على طالب العلم أن يعقل ما يقال ليبلغه لغيره : 

      قال عليه الصلاة والسلام : (( ما أفاد المسلم أخاه فائدة أفضل من حديث حسن بلغه فبلغه )) 

      لذلك طالب العلم همه الأول يعقل هذا الذي يقال؛ تفسير آية، تفسير حديث، حقيقة، آية كونية، إذا عقلها وبلغها لأخيه المؤمن يسعد ويسعد . 

      وهناك حديث رواه أبو هريرة قال : (( كلمة من الخير يسمعها المؤمن فيعلمها ويعمل بها خير له من عبادة سنة )) 

      و: (( رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِمَجْلِسَيْنِ فِي مَسْجِدِهِ، وَأَحَدُ الْمَجْلِسَيْنِ يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ وَالآخَرُ يَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ وَيُعَلِّمُونَهُ، فَقَالَ : كِلا الْمَجْلِسَيْنِ عَلَى خَيْرٍ وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ، أَمَّا هَؤُلاءِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ، إِلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَأَمَّا هَؤُلاءِ فَيَعْلَمُونَ الْعِلْمَ وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ، فَهُمْ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا)) 

      أي يقلدون النبي صلى الله عليه وسلم في صنعته :  (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) 

شعور المعلم عند سؤال المتعلم : 

      سفيان الثوري - رحمه الله - قدم عسقلان فمكث فيها لا يسأله إنسان فقال : " إني مزمع أن أخرج من هذا البلد، هذا بلد يموت فيه العلم " 

      أحياناً أسأل الطلاب سؤالاً، هل هناك سؤال ؟ لا أحد يجيب، أقول لهم : هذا السكوت أول تفسير هو حسن ظني بكم، أنكم فاهمون تماماً ولا يوجد قضية غامضة، والتفسير الثاني : الحياء، والحياء خلق عال، والتفسير الثالث عدم المبالاة، الموضوع كله خارج اهتمامنا. فالإنسان لا يسأل إما عن فهم، وإما عن حياء، وإما عن عدم مبالاة. الشيء الخطير الثالثة، يعيش بدوامة ثانية .  

      (( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه . .)) 

      شخص أوقف شخصاً و بدأ بآية، قال له : والله مستعجل، عندي موعد فلا تؤاخذني، والله كلامك حلو ولكني مرتبط بموعد، قال له : أراك تعرج، قال : نعم والله، قال : يوجد لهذا دواء، قال : أطلت الحديث معه، نصف ساعة أوقفته من أجل رجله، من أجل تفسير آية عنده موعد، مستعجل، الحجاج ماشي في الطريق، رأى بائع قدور يصلي قاعداً، وقف عنده قال : أريد هذا القدر، وضع سلماً وصعد إليه، فقال : ليس هذا الذي بجانبه، فصعد إلى جانبه . . قال : من أجل بيع وشراء يصعد وينزل مئة مرة .  

      ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ 

      بزمانك رأيت إنساناً يعد نقوداً ينام – خمسمئات مثلاً – لا، يبقى صاحياً . أحياناً الإنسان يشرد في الصلاة . 

      قال عطاء رضي الله عنه : دخلت على سعيد بن المسيب وهو يبكي فقلت ما يبكيك؟  

      قال :  لا أحد يسألني عن شيء، ما هذا البلد ؟  

      إذا سأل أحدهم ينتعش المسؤول، هناك إنسان مهتم، هذه القضية تشغل باله، خائف أن يكون قد وقع بالحرام، عنده ورع، عنده اهتمام، فالسؤال له فائدة غير مباشرة، وهو شعور المعلم أن المتعلم مهتم . وقال بعضهم : " العلماء سرج الأزمنة، كل واحد مصباح زمانه، يستضيء به أهل عصره "  

أهمية العلم و العلماء : 

      قال الحسن رحمه الله : " لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم " 

      أي أنهم بالتعليم يخرجون الناس من حدّ البهيمية إلى حدّ الإنسانية، البهيمية طعام وشراب وعمل واستراحة وملذات، انظر حياة معظم الناس، ماذا يوجد فيها ؟ أكلنا، وشربنا، ونمنا، وسهرنا، وضحكنا، ولعبنا، وتنزهنا، يذهب الصيف ويأتي الشتاء ثم الربيع والخريف، نفس الوتيرة. حديثه عن الطعام، أو النساء، الأكل أو النساء، طعام وشراب ونوم وراحة وترتيبات وتزيينات وحفلات وانتهى كل شيء، والآخرة خارج اهتمامهم .  

      (( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة )) 

      وقال عكرمة : " إن لهذا العلم ثمناً، قيل : وما هو ؟ 

      قال : أن تضعه فيمن يحسن حمله ولا يضيعه" 

      وقال يحيى بن معاذ :  " العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم "  

      كيف ؟ نأخذ مثلاً رسول الله، رسول الله أرحم بالخلق من أنفسهم بأنفسهم، واحدنا همه دنياه، أما النبي الكريم فهمه آخرتك، الدنيا زائلة، أما البطولة فبالآخرة، لذلك من يقوم مقام الأنبياء هؤلاء حريصون على الناس أشد من حرص الناس على أنفسهم .  

قال : وكيف ؟  

      قال : لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا 

      إذا أحدهم اقترب ابنه من مدفأة تراه يقفز قفزاً، يقول : سيحرق يده . . كيف تغريه بمعصية ؟ ترسله إلى دولة أجنبية لوحده يسكن مع أسرة يبقى فيها أربعة أسابيع أو خمسة حتى يتعلم اللغة . 

      هذه الأسرة قد يكون فيها زنا، أسرة كافرة، هذا شيء غير معقول، تخاف عليه من نار الدنيا ألا تخاف عليه من نار الآخرة؟ 

      قال : لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، وهم يحفظونهم – أي العلماء- من نار الآخرة . 

      وقيل : " أول العلم صمت، ثم استماع، ثم حفظ، ثم عمل، ثم نشر "  

      صمت، استماع، حفظ، عمل، نشر . 

      وقيل : " علم علمك من يجهل، وتعلم ممن يعلم ما تجهل، فإنك إذا فعلت ذلك علمت ما جهلت، وحفظت ما علمت " 

      وقال معاذ بن جبل في حديث مرفوع : " تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدليل على الدين، والمصبر على السراء والضراء، والوزير عند الأخلاء، والقريب عند القرباء، ومنار سبيل الجنة، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وسادة، هداة يُقتدى بهم، أدلةً في الخير، تُقتص آثارهم، وترمق أفعالهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وكل رطب ويابس يستغفر لهم، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البحر وأنعامه، والسماء ونجومها، وأن العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأبرار، والدرجات العلى، والتفكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، به يُطاع الله عز وجل، وبه يُعبد، وبه يُحمد، وبه يُمجد، وبه يُتورع، وبه تُوصل الأرحام، وبه يُعرف الحلال والحرام، وهو إمام والعمل تابعه يُلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء، ونسأل الله تعالى حسن التوفيق " 



المصدر: الفقه الإسلامي - موضوعات متفرقة - الدرس 13 : فضيلة التعليم