أكبر خطأ يرتكبه الإنسان أن يظن أنه يتعلم فلا يعلم، أنت مكلف أن تعلم كما أنت مكلف أن تتعلم، وليس التعليم قاصراً على الدعاء والمرشدين والعلماء، بل كل من يستمع إلى العلم عليه أن يعلم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ والإنذار هنا المقصود به التعليم والإرشاد. قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ ، هذا الميثاق ميثاق التعليم. وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ، إثمهم كبير جداً عند الله، وهو تحريم الكتمان. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما آتى الله عالماً علماً إلا وأخذ عليه من الميثاق ما أخذ على النبيين أن يبينوه للناس ولا يكتمونه)). وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ﴾ الله عز وجل بهذا التركيب الاستفهامي التقريري يبين أن أعلى عمل في الأرض أن تدعو إلى الله، وأن يكون عملك صالحاً، وباب الدعوة ميسر لكل إنسان، لو تعلمت حديثاً واحداً وعلمته فأنت من هؤلاء، لو تعلمت آية واحدة.. لو لم تستطع أن تتعلم وجررت الناس بمالك حتى حضروا مجلس علم فهو في صحيفتك، فإما أن تعلم مباشرة، وإما أن تجذب هذا الإنسان لمن يعلمه.
قال صلى الله عليه وسلم لما بعث رسول الله معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن: ((لَأَنْ يُهْدَى الله بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)) ، هذا كلام رسول الله، لا ينطق عن الهوى، ترى علامة المؤمن الصادق أن همه الأكبر هداية الناس. وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أحدث رجل أخاً في الله إلا أحدث الله له درجة في الجنة)) . اهتدى على يديك إنسان فأنت مرتبتك واحد، اثنان اثنان، إلى أن يقول الله عز وجل عن سيدنا إبراهيم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ، أي اهتدت أمة، أما سيدنا رسول الله فجميع الأمم عن طريقه. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ، فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، فإذا ساهمت بهداية إنسان، وهذا الإنسان صار عالماً، واهتدى على يديه مليون، المليون لك وله، المليون بصحيفته وبصحيفة من علمه أنت من غير أن ينقص من أجره شيئاً. فلما يوقن الإنسان أن هداية الأشخاص أغلى عمل في الأرض هذه صنعة الأنبياء، قد يعطي الله الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولكن هذه الصنعة لا يسلمها إلا لمن يحب. قال الله تعالى: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ ، ما معنى واصطنعتك لنفسي؟ أنت لي، أنت داع إلي. سيدنا رسول الله جاءه جبريل قال له: أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً؟ قال: بل نبياً عبداً، أجوع يوماً فأذكره، وأشبع يوماً فأشكره. دخل عدي بن حاتم إلى بيته، قال: فتناول وسادة من أدم محشوةً ليفاً قال: اجلس عليها، قلت: بل أنت. قال: بل أنت. وجلست عليها وجلس هو على الأرض.. كيف رسول الله وهو سيد العالمين ليس عنده إلا وسادة واحدة في بيته، ما هذا البيت؟ عندما كان يصلي قيام الليل ترفع السيدة عائشة رجليها كي يسجد، ألهذه الدرجة كانت الغرفة ضيقة؟ هذه غرفته، وهذا أثاث بيته الفخم، وهذه الثريات سراج، والسجاد جلد غزال.. دخل سيدنا عمر على رسول الله فرآه نائماً على حصير، وقد أثر على خده الشريف فبكى، قال له: يا عمر لمَ تبكي؟ قال: رسول الله ينام على حصير، وكسرى ملك الفرس الكافر، عابد النار، الظالم ينام على حرير؟ قال: يا عمر إنما هي نبوة وليست ملكاً. إذاً.. ((فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى الله بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)) ، إن صدقتم بهذا الحديث فانطلقوا إلى هداية الناس، وكلما تهدي واحداً لك عند الله درجة. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من تعلم باباً من العلم ليعلم الناس أعطي ثواب سبعين صديقاً)) . وقال عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - هكذا تروي الكتب - من علم وعمل يدعى عظيماً في ملكوت السموات . يوجد آية قرآنية بهذا المعنى.. ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ إذا كانت حياة الإنسان خالية من إيمان، وتطبيق، وتعليم، وصبر فهو خسران.. ولو معه ثلاثة آلاف مليون، خسران.
وقال صلى الله عليه وسلم: وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل علماً فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أهدى مسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة تزيده هدى أو ترده عن ردى)) فعلامة المؤمنين يتناصحون، إذا رأى الأخ على أخيه غلطاً، لكن الفرق بين النصيحة والتشهير، النصيحة بينك وبينه، التشهير أمام ملأ، إن كنت مخلصاً في نصيحتك انصحه على انفراد، بشكل لطيف. سيدنا الحسن والحسين رضي الله عنهما حينما رأوا رجلاً كبيراً في السن يتوضأ بشكل غير صحيح، فتوضؤوا أمامه وسألوه: نحن قد اختلفنا بموضوع في الوضوء، فاحكم بيننا يا عم وتوضؤوا أمامه، قال: المخطئ أنا وليس أنتما. المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله سبحانه وملائكته وأهل سماواته وأرضه حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير)) لأن معلم الناس الخير يعلمهم كيف يعاملون الحيوان، فإذا رحم الإنسان الحيوان ففي صحيفة من دله على ذلك. النبي الكريم لما رأى شخصاً يذبح شاةً أمام أختها غضب عليه الصلاة والسلام وقال: “ أتريد أن تميتها مرتين، هلا حجبتها عن أختها ” كان عليه الصلاة والسلام رحيماً.. ولما دخل إلى بستان ورأى جملاً فلما اقترب منه حن - معنى حن هطلت دموعه- تقدم النبي عليه الصلاة والسلام ومسح ذفري الجمل وقال: "من صاحب هذا الجمل؟ قالوا: فتى من الأنصار، قال: ائتوني به؟ جاؤوا به فقال: يا فتى ألا تخشى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه" .
وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما أفاد المسلم أخاه فائدة أفضل من حديث حسن بلغه فبلغه)) لذلك طالب العلم همه الأول يعقل هذا الذي يقال؛ تفسير آية، تفسير حديث، حقيقة، آية كونية، إذا عقلها وبلغها لأخيه المؤمن يسعد ويسعد. وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلمة من الخير يسمعها المؤمن فيعلمها ويعمل بها خير له من عبادة سنة))، و رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِمَجْلِسَيْنِ فِي مَسْجِدِهِ، وَأَحَدُ الْمَجْلِسَيْنِ يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ وَالآخَرُ يَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ وَيُعَلِّمُونَهُ، فَقَالَ: (( كِلا الْمَجْلِسَيْنِ عَلَى خَيْرٍ وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ، أَمَّا هَؤُلاءِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ، إِلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَأَمَّا هَؤُلاءِ فَيَعْلَمُونَ الْعِلْمَ وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ، فَهُمْ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا)) أي يقلدون النبي صلى الله عليه وسلم في صنعته. وقال عليه الصلاة والسلام: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))، هذه أعمال مستمرة، غير منقطعة. وقال عليه الصلاة والسلام: ((على خلفائي رحمة الله قيل: ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله، يحيون سنتي)). فلذلك أبلغ لغة أن يطبق الإنسان ثم يتكلم، إذا طبق وتكلم يؤثر. قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ ، كل إنسان يتفلسف أما الذي يؤثر كلامه في الناس فهو الذي يطبق. وقيل: " أول العلم صمت، ثم استماع، ثم حفظ، ثم عمل، ثم نشر ". وقيل: " علم علمك من يجهل، وتعلم ممن يعلم ما تجهل، فإنك إذا فعلت ذلك علمت ما جهلت، وحفظت ما علمت ".
وقال الحسن رحمه الله: " لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم "، أي أنهم بالتعليم يخرجون الناس من حدّ البهيمية إلى حدّ الإنسانية، البهيمية طعام وشراب وعمل واستراحة وملذات، انظر حياة معظم الناس، ماذا يوجد فيها؟ أكلنا، وشربنا، ونمنا، وسهرنا، وضحكنا، ولعبنا، وتنزهنا، يذهب الصيف ويأتي الشتاء ثم الربيع والخريف، نفس الوتيرة. حديثه عن الطعام، أو النساء، الأكل أو النساء، طعام وشراب ونوم وراحة وترتيبات وتزيينات وحفلات وانتهى كل شيء، والآخرة خارج اهتمامهم.