إن آمنت بالله الآن تنتفع من كتاب الله، ينبغي أن تؤمن بالله أولاً، الترتيب المنطقي هذا الكون هو الثابت الأول، كل شيء فيه ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، كل شيء فيه من دون استثناء وبإمكانك من خلال العقل الذي أكرمك الله به ومبادئ العقل مبدأ السببية، مبدأ الغائية، مبدأ عدم التناقض، من خلال هذه المبادئ، ومن خلال قوانين الكون، أنت تؤمن بوجود الله، ووحدانيته، وكماله . الحقيقة أن هناك آيات تؤكد أن الإنسان إن لم يكن مؤمناً بالحد الأدنى لا يمكن أن يفهم هذا الكلام، لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ بل إن الله عز وجل حينما قال: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ هذه اللا ليست ناهية ولكنها نافية، يعني هذه المعاني التي ينطوي عليها القرآن الكريم لا يمكن أن تصل إليها إلا إذا كنت طاهراً.
ليس شيء أنفع للإنسان في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن الكريم، وإطالة التأمل والتفكر في معانيه، فإن آيات القرآن الكريم تطلع الإنسان على معالم الخير والشر بحذافيرها، وعلى طرقاتها، وأسبابها، وغاياتها، وثمراتها، ومآل أهلها، وتثبت قواعد الإيمان في قلوبهم، وتشيد بنياناً عظيمة أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتريه أيام الله عز وجل، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته، وأسماءه، وصفاته، وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها، وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة، وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون، وافتراقهم فيما يفترقون، وبالجملة تعرفه على الله عز وجل وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا أقبل عليه. فالله عز وجل خلق الأكوان ونورها بالقرآن، قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ وقال سبحانه وتعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾. قال الحسن: إنما أنزل القرآن ليتدبره المؤمنون وليعملوا به.
طبيب ينهاك عن هذه الأكلة تلتزم، وإله خالق السماوات والأرض ينهاك عن هذا الشيء ولا تنتهي؟! كلكم سمع عن انهيار النظام المالي العالمي، نظام بالوصف السابق عملاق يأخذ به العالم كله، قروض ربوية بلا حدود، الديون تباع بلا حدود، النمو مخيف، فجأة هذا النظام انهار، انهار في العالم كله، الآن هناك مشكلة بالعالم لم يصب بمثلها من عام ألف وتسعمئة وتسعة وعشرين، يعني تقريباً من ثمانين سنة لم يصب العالم بأزمة كهذه الأزمة، انهيارات مالية، إفلاس شركات عملاقة، شركات السيارات في أمريكا عملاقة على وشك الإفلاس، شركات السيارات في أوربا أفلست وأغلقت أبوابها ديون، ماذا قال الله عز وجل في القرآن؟ ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ أكبر دليل على أن هذا القرآن الكريم كلام الله وقوع الوعد والوعيد ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ الآن خبراء العالم الكبار الاقتصاديون يدرسون جدياً النظام المالي الإسلامي، يعني النبي عليه الصلاة والسلام كلمة قالها، نهى عن بيع الدين، هذا النهي ليس من خبرته، ولا من اجتهاده، ولا من تصوره، ولا من معطيات عصره، ولا من رأيه، ولكنه وحي يوحى، أول بنك أعلن إفلاسه هو أكبر بنك في العالم، عمره مئة وخمس وخمسون سنة، ومرت أزمات طاحنة لم يتأثر بها هذا البنك يشتري الديون، هذا البنك العملاق الذي هو أكبر بنك في العالم، وأقدم بنك في العالم، وأكثر البنوك صموداً أمام الأزمات انهار وفلس على سبعمئة مليار.
هناك ملاحظة دقيقة جداً، فرق كبير بل كبير جداً بين أن تفهم الآية وبين أن تعيشها، ورد في بعض الآثار: ((ما آمن بالقرآن من استحل محارمه)) و ورد أيضاً: ((ورُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه)) . ف حينما لا تكون أحكام القرآن مطبقة عندك فلا قيمة لتلاوة القرآن، ولا لحفظه، لأنك في السلوك تكذبه. هنالك فرق كبير بين أن تؤمن بحقائق الإيمان وبين أن تذوق حلاوة الإيمان، كالفرق بين أن تقول مئة مليار دولار أن تنطق بهذا الرقم بلسانك وبين أن تملكه، بين أن تقتني صورة مركبة رائعة جداً وبين أن تركبها، بين أن تضع على الطاولة صورة قصر وبين أن تملكه وتسكنه.