حينما تُسأل السيدة عائشة عن خُلُق النبي كانت تقول: ((كان خلقه القرآن))
الفرق واضح بين قراءة الصحابة للقرآن وبين قراءتنا نحن للقرآن. معظم المسلمين يقرأ القرآن ليطلع على كتاب الله هذا، يقرأ للاطلاع، ليزداد ثقافة، ليزداد علماً، ليستمتع بنظمه العظيم، ببلاغته، إلى آخره، لكن الصحابة الكرام قرؤوا القرآن الكريم بطريقة أخرى، هذا كلام الخالق ماذا يريد مني أن أفعل؟ يقرأ ليطبق، يقرأ لينفذ، يقرأ لينصاع إلى كلام الله، هذا الفرق بيننا وبينهم، بين أن نتثقف بالقرآن، يقول لك ثقافته القرآنية جيدة، بين أن نتثقف به وبين أن نأخذه كمنهج تطبيقي لحياتنا، لذلك لا يوجد بالإسلام إعجاب سلبي يا أخي كتاب عظيم:
((ما آمن بالقرآن من استحل محارمه))
((رب تال للقرآن والقرآن يلعنه))
المؤمن الصادق يقرأ ليطبق، يقرأ لينصاع إلى كلام الله، يقرأ ليسير على الطريق إلى الله، يعني أنت حينما تقرأ هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ ما الذي يخطر في بالك؟ يا من آمنت بي، يا من آمنت بعظمتي، يا من آمنت بقدرتي، يا من آمنت بي رباً وخالقاً ومسيراً، يا من آمنت بي موجوداً وواحداً وكاملاً، يا من آمنت بأسمائي الحسنى وصفاتي الفضلى افعل كذا، أنت حينما تقرأ هذه الآية ولا تشعر أنك معني بها ففي الإيمان خلل، كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يكتفون بعشر آيات يحفظونها ويعملون بها، فإذا عملوا بها انتقلوا إلى عشر آيات أخرى، أنت حينما تقرأ قراءة تطبيق، قراءة انصياع، قراءة طاعة، تكون قد تعاملت مع القرآن الكريم كما كان الصحابة الكرام يتعاملون مع القرآن الكريم، أنت حينما لا سمح الله ولا قدر دون أن تشعر أنت في مجلس تغتاب ما قيمة قراءتك لهذه الآية: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾
القرآن الكريم ليس كتاب متعة عقلية، ولا كتاب أدب وفن، ولا كتاب قصة وتاريخ، مع أن هذا كله من محتوياته، ولكنه منهج حياة، ولكنه منهج إلهي خاص، يعني أجمل كلمة مرة قرأتها " القرآن الكريم يصنع المعجزات " فإذا قرأ المؤمن القرآن الكريم أصبح هو معجزة كيف؟ كان إنساناً خاملاً فالقرآن رفعه، كان إنساناً جباناً فالقرآن جعله شجاعاً، كان إنساناً بخيلاً القرآن جعله جواداً، كان إنساناً جاهلاً القرآن جعله عالماً، إن لم يصنع منك القرآن الكريم معجزة فأنت لم تنتفع به، فمن إعجاز القرآن الكريم أنه يصنع المؤمن المعجزة، المؤمن منضبط يعني مليون، عشر ملايين، مئة مليون، ألف مليون فيها شبهة يركلها بقدمه، قصة أقرأها أتأثر بها كثيراً: وقع خبيب بن عدي في أسر قريش عقب معركة بدر، فأرادوا صلبه انتقاماً لقتلى بدر، صلى ركعتين فلما وضعوه على مكان ليقذفوه بالسهام حتى يموت قال له أبو سفيان: يا خبيب أتحب أن يكون محمد مكانك؟ فقال: والله ما أحب أن أكون في أهلي، زوجته أمامه، أولاده أمامه، قال: والله ما أحبّ أن أكون في أهلي وولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة. هكذا ربى القرآن الكريم المؤمنين، فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً .
إن لم يصنع منك القرآن الكريم معجزة لم تنتفع به، المليار كالدرهم، مليار فيها شبهة تركلها بقدمك، مؤمن تقول لا بملء فمك، ولا تعبأ بالنتائج، هذا الشيء لا يرضي الله لن أفعله، المؤمن الذي قرأ القرآن الكريم لا يتأثر ولا يتضعضع لا بسياط الجلادين اللاذعة ولا بسبائك الذهب اللامعة، رقم صعب، ما في عنده أنصاف حلول رجل مبدأ لا يساوم على دينه أبداً، كلمة لا يقولها بملء فمه ومهما تكن النتائج.
تصور ما معنى طاغية؟ طاغية بكلمة يُقتل الإنسان، اقتلوه، ماذا قال سحرة فرعون للطاغية الذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ ، للطاغية الذي قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ وقال: ﴿قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ...﴾ إلى آخر الآية، قالوا: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾
إن لم يصنع منك القرآن الكريم معجزة لن تنتفع به، مؤمن تقرأ القرآن الكريم أنت رجل مبدأ، رجل موقف، رجل قيم، رجل تحمل رسالة، هكذا صنع النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه، سيدنا خالد طلب خمسين ألف جندي مدداً ليواجه عدواً، الصديق رضي الله عنه أرسل له رجلاً واحداً، اسمه القعقاع بن عمرو، فلما وصل إليه قال أين المدد؟ قال له: أنا المدد، قال له: أنت؟ قال له: أنا، معه كتاب، قرأ الكتاب، يقول سيدنا أبو بكر: فو الذي بعث محمداً بالحق، إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم .
فلذلك أيها الأخوة، هذا القرآن الكريم يصنع من المؤمن معجزة، دليل أنه كلام الله الإعجاز العلمي، لكن من الإعجاز العلمي أنه يصنع من المؤمن معجزة، لذلك أحد أكبر أسباب تقوية الإيمان تدبر القرآن الكريم.