بحث

لماذا القرآن كتاب الله برأي الدكتور ميلر

لماذا القرآن كتاب الله برأي الدكتور ميلر

بسم الله الرحمن الرحيم

     مستشرق غربي أراد أن يقرأ القرآن ليبحث فيما يتوهم عن عيوب القرآن الكريم، ما الذي وجده؟ لقد كان من المبشرين النشطين جداً في الدعوة إلى غير دين الإسلام، وأيضا له علم غزير بالكتاب المقدس، هذا الرجل يحب الرياضيات بشكل كبير، لذلك يحب المنطق أو التسلسل المنطقي للأمور، في أحد الأيام أراد أن يقرأ القرآن بقصد أن يجد فيه بعض الأخطاء التي تعزز موقفه عند دعوة المسلمين لدينه، وكان يتوقع أن يجد القرآن كتاباً قديماً مكتوباً قبل أربعة عشر قرناً، يتكلم عن الصحراء وما إلى ذلك، لكنه كان منصفاً، لما قرأ القرآن ذهل لما وجده فيه، بل واكتشف أن هذا الكتاب يحوي على أشياء لا توجد في أي كتاب آخر، كان يتوقع أن يجد بعض الأحداث العصيبة التي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ كوفاة زوجته خديجة رضي الله عنها، أو وفاة بناته وأولاده، لكنه لم يجد شيئاً من هذا، بل الذي جعله في حيرة من أمره أنه وجد أن هناك سورة كاملة في القرآن الكريم تسمى سورة مريم، وفيها تشريف أي تشريف لمريم عليها السلام، لا يوجد مثيل له في كتاب آخر، ولا يجد سورة باسم عائشة أو فاطمة رضي الله عنهن، وكذلك وجد أن عيسى عليه السلام ذكر بالاسم خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم، بينما لم يذكر النبي عليه الصلاة والسلام باسمه إلا خمس مرات.  

     أخذ يقرأ القرآن بتمعن لعله يجد مأخذاً عليه، لكنه صعق بآية عظيمة وعجيبة ألا وهي الآية الثانية والثمانين في سورة النساء، وهي قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾  يقول هذا المستشرق ـ اسمه الدكتور ميلر ـ عن هذه الآية: من المبادئ العلمية المعروفة في الوقت الحاضر مبدأ إيجاد الأخطاء، أو تقصي الأخطاء في النظريات إلى أن تثبت صحتها. والعجيب أن القرآن الكريم يدعو المسلمين وغير المسلمين إلى إيجاد الأخطاء فيه ويتحدى أن يجدوا خطأً واحداً. ويقول أيضاً عن هذه الآية: لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة أن يؤلف كتاباً ثم يقول: هذا الكتاب خالٍ من الأخطاء، ولكن القرآن على العكس تماماً، يقول لك: لا يوجد أخطاء بل ويعرض عليك أن تجد فيه أخطاء ولن تجد.  

     وقف هذا المستشرق عند قوله تعالى طويلاً:  ﴿أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾  يقول هذا المستشرق: إن هذه الآية هي بالضبط موضوع البحث العلمي الذي حصل على جائزة نوبل في عام ثلاثة وسبعين، وكان عن نظرية الانفجار الكبير، وهي تنص أن الكون الموجود هو نتيجة انفجار ضخم حدث منه الكون بما فيه من سماوات وكواكب. هذه الآية تتطابق مئة بالمئة مع أحدث نظرية لنشوء الكون.  

     الآن يأتي هذا المستشرق إلى الشيء المذهل في أمر النبي عليه الصلاة والسلام، والادعاء بأن الشياطين هي التي تعينه، والله تعالى يقول:  ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ*إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ وأيضاً يقول تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ يقول: أيعقل أن يؤلف الشيطان كتاباً ثم يقول لقارئه قبل قراءته استعذ بالله مني؟ مستحيل.   

     من القصص التي أبهرت الدكتور م ي لر، وبعدها من المعجزات هي قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي لهب، يقول الدكتور ميلر: هذا الرجل أبو لهب كان يكره الإسلام كرهاً شديداً، لدرجة أنه كان يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم أينما ذهب ليقلل من قيمة، بل ليقلل من قيمة ما يقول، إذا رأى الرسول يتكلم لأناس غرباء فإنه ينتظر حتى ينتهي الرسول من كلامه ليذهب إليهم، ثم يسألهم ماذا قال لكم محمد؟ لو قال لكم أبيض فهو أسود، ولو قال لكم ليل فهو نهار، المقصد أنه يخالف أي شيء يقوله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويشكك الناس فيه، قبل عشر سنوات من وفاة أبي لهب نزلت سورة في القرآن الكريم اسمها سورة المسد، هذه السورة تقرر أن أبا لهب سوف يذهب إلى النار، أي بمعنى آخر أن أبا لهب لن يدخل الإسلام، وخلال عشر سنوات كان على أبي لهب أن يقول ولو تمثيلاً أن يأتي النبي عليه الصلاة والسلام ويسلم فيلغي هذه السورة، أين ذكاؤه؟ لو أتى النبي عليه الصلاة والسلام أعلن شهادته ولو تمثيلاً لألغى هذه السورة، لكنه لم يفعل ذلك، إذاً هو كلام الله.    ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾    الآية الثانية :    ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾         هؤلاء الأشخاص وصفوا بنص هذه الآية أنهم سفهاء، لو سكتوا لألغوا هذه الآية، بالحالة الأولى مع أبي لهب لو تكلم، لو جاء مسلماً إسلاماً ظاهراً، لألغى هذه السورة، هؤلاء السفهاء لو سكتوا، لو لم ينطقوا ببنت شفة، يلغي هذه الآية. يقول: بأدنى أي شك يوجد في القرآن الكريم توجه فريد ومذهل لا يوجد في كتاب آخر، ذلك أن القران يعطيك معلومات معينة لم تكن تعلمها من قبل، مثل قوله تعالى:  ﴿ ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾.  

     إنسان مستشرق أراد أن يقرأ القرآن الكريم ليبحث عن أخطاء يتوهمها، في النهاية أقرّ أن هذا القرآن الكريم كلام الله، والذي انتهى إليه أنه أعلن إسلامه، والآن من الدعاة الإسلاميين الكبار، لكن بشكل موضوعي.  



المصدر: الخطبة : 1158 - الموضوعية ، الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم - معالجة ابيضاض العين.